نظام الطوارئ

محمد فاروق الإمام

النظام السوري في تركيبته قانون للطوارئ يجب إسقاطه

محمد فاروق الإمام

[email protected]

عندما ينادي الشعب السوري بإلغاء حالة الطوارئ فإنه يعني إلغاء هذا النظام الذي يشكل في مضمونه ومحتواه حالة للطوارئ يجب التخلص منها، ولدي الأسباب الموجبة التي تؤكد على أن هذا النظام هو في حد ذاته حالة طوارئ، فمنذ أن وصل هذا النظام إلى الحكم عبر وسائل غير شرعية ودون رأي الجماهير واختيارهم تكشفت طبيعته العدوانية ضد الشعب السوري أفراداً ومجتمعات، أديان وعرقيات وطوائف ومذاهب ومعتقدات، من خلال استئثاره بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية (حزب البعث القائد والموجه للدولة والمجتمع).

هذا النظام الذي هو – كما قلت – بحد ذاته حالة طوارئ شاذة طارئة على المجتمع السوري والدولة السورية جاء من رحم انقلاب عسكري قادته مجموعة من الضباط المغامرين، تمثلت فيما يُعرف بـ(اللجنة العسكرية) التي أسسها مجموعة من العسكريين الناقمين على الوحدة والعروبة والإسلام، هدفها الإطاحة بالجمهورية العربية المتحدة التي جمعت سورية ومصر، وبالتالي فصل دمشق عن القاهرة، والاستئثار بالشام مزرعة لهم يتقاسمونها تارة بالتفاهم وأخرى بصراع القوى إلى الاحتكام إلى السلاح ثم الغدر وبسط النفوذ والاستئثار بالسلطة والتي تجلت بما عرف بالحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970.

وتكرّس الطغيان والاستبداد وَقُنّن من خلال القضاء كلياً على مؤسسات الدولة وهيكليتها وتغييب القانون وإهمال الدستور وطغيان السلطة التنفيذية على باقي السلطات التي غدت خادماً لها ومظلة لآثامها، وتمزيق المجتمع إلى تشكيلات فئوية (اتحادات عمالية وفلاحية وشبيبية وطلابية وطلائعية ونقابات مهنية) وتفتيت الجيش والقوات المسلحة إلى سرايا ووحدات (سرايا الدفاع، وسرايا الصراع، والوحدات الخاصة) تعمل لحساب رموز الحكم وحماية شخوص النظام بحسب قربهم من السيد الرئيس وحاشيته، وقد أنهت على الأرض انسلاخها عن المهمات التي قام الجيش لأجلها – كما هي العادة في كل جيوش الدول – المتمثل في الدفاع عن الوطن وتحرير الأرض (مرتفعات الجولان) التي تخلت عنها عام 1967 دون دفع أو مدافعة، وإنشاء ما يزيد على 17 فرع للأجهزة الأمنية (أهمها: مخابرات أمن الدواة، والمخابرات العسكرية، والأمن السياسي، ومخابرات القوى الجوية، ومخابرات فرع فلسطين، ومخابرات الحرس الجمهوري) مهمتها ملاحقة المواطن السوري وقمعه وتتبع خطواته وعد أنفاسه وتسجيل نجواه وهمساته والتدخل في خصوصية حياته من يوم ولادته وحتى موته، والإمساك بكل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية وجعلها أداة بيد المطبلين والمزمرين للحاكم الفرد وتشجيع الفاسدين والسكوت عنهم والدوران حيث يريد الحاكم وحاشيته، لِتُحكم البلاد عبر مراسيم وتشريعات وقرارات وأوامر وبلاغات وتعتيم إعلامي في الفترة ما بين عامي 1970 و2000، أي منذ إطاحة حافظ الأسد برفاقه وحتى وفاته، وامتد هذا الحال لثلاثين سنة جرت خلالها الدماء انهاراً والفساد أشكالاً ونهب الثروات ألواناً، لتظهر على السطح طبقة لا تتجاوز الـ5% تستأثر بـ 90% من ثروات الوطن ومداخيل البلاد الزراعية والصناعية والتجارية، تحميهم مظلة من المراسيم والقرارات والتشريعات التي تصدر عن مكتب رئيس الجمهورية والقيادة القطرية ومجلس الوزراء بموافقة أو رغبة من السيد الرئيس الراحل حافظ الأسد شخصياً، وإلقاء مجمل الشعب في أتون الفقر والجوع والبطالة، معتمدين نظرية الاحتلال الفرنسي (جوّع كلبك يتبعك).

ولم يتغير الحال عند وراثة بشار الأسد لأبيه، فقد جاء هذا إلى السلطة بعد ليّ عنق الدستور والعبث بمواده ليصبح رئيساً للبلاد ليكون صورة مستنسخة عن أبيه في القول والعمل، بل زاد وأضاف وابتدع وراغ وتثعلب وتنكر، حتى إذا ما دارت عجلة الثورة واندفعت في الوطن العربي منطلقة من سيدي بوزيد في تونس فميدان التحرير في القاهرة وساحة التغيير في صنعاء ووصلت إلى درعا فدوما وبانياس في سورية حتى كشّر الأسد الصغير عن أنيابه وشمر عن مخالبه ونزع القناع عن وجهه وواجه المتظاهرين المسالمين المنادين بالحرية بالرصاص والقتل والتمثيل والسحل دون رادع من ضمير أو حس بالمسؤولية، مستبيحاً المدن السورية من شمالها إلى جنوبها بآلته العسكرية التي أعدها لمثل هذا اليوم، وبذئابه الجائعة وضباعه الظامئة تلاحق وتقتل وتسحل وتدمر وتخرب دون وازع من أي انتماء لهذا الوطن.

نعم إنه نظام قانون الطوارئ الذي تنادت الجماهير السورية إلى إسقاطه في كل المحافظات السورية من الحسكة حتى درعا، ولم يكن مطلبها بإلغاء قانون الطوارئ إلا هو إسقاط النظام الذي هو بحد ذاته قانوناً للطوارئ شكلاً ومضموناً وقولاً وفعلاً، فما معنى إلغاء قانون الطوارئ وهذه المافيا المرعبة الحاكمة تستبيح الوطن وتذبح أبنائه وتسلب ثرواته وتفسد مجتمعاته!!

نعم إنه القول الفصل يا جماهير سورية في الحسكة وفي درعا وفي حلب وفي دمشق وفي طرطوس وفي حماة وفي اللاذقية وفي حمص وفي دير الزور وفي إدلب وفي الرقة وفي البادية وفي الريف.. إنه القول الفصل الذي لا رجعة فيه ولا مساومة عليه.. إنه (إسقاط النظام الذي ولغ بدم الشهداء).. فهو رأس الأفعى التي تنهش الوطن والجماهير منذ 48 سنة، وبغير إسقاطه سنظل نعيش في سوق النخاسة ونُحبس في قفص العبودية.. فالله الله يا نشاما الوطن ويا حرائره فهذا يوم الثورة والانتفاضة.. فلا تخذلوا أرواح الشهداء الذين روا بدمائهم طريق النجاة والخلاص من هذا النظام السادي.. ولا تتنكروا لآلاف المختفين في زنازين وأقبية وسجون ومعتقلات النظام وهم أهلكم وإخوانكم وأولاد عمومتكم.. الله الله يا نشاما الوطن ويا حرائره المنية ولا الدنية، وهذه بشائر النصر ألمح بريقها يشع في سماء الشام لتدك حصون الظلام والقهر والإذلال والعبودية، والنصر قادم على الفئة الباغية لتطفئ لظى سعيرها ولهيب نيرانها، وما النصر إلا صبر ساعة.. وقدوتكم شباب تونس الخضراء وقاهرة العز بن عبد السلام، فعدوكم حفنة من المرتزقة والجبناء ومصاصي الدماء ولابد من تحديهم والصمود في وجههم وإسقاطهم وتنظيف تراب الوطن منهم، لتعود دمشق كما عهدها العالم قدوة للحضارة والمدنية ومنارة للحرية والديمقراطية، والتعاون والود والاحترام والتعايش السلمي، ولتأخذ دورها في هذا العالم المتطلع إلى التقدم والعلم وتكنولوجيا المعلومات واحترام حقوق الإنسان ورفاهيته.