خطاب الأسد

أبو الفضل الشامي

صادق مع نفسه وشعبه !.

أبو الفضل الشامي

بعد أن بشَّرت السلطات السورية لخطاب بشار الأسد بأنه سيسعد السوريين كما وصفه نائبه فاروق الشرع ، جاء الخطاب مخيبًا لآمال السوريين والأصدقاء المحبين لسوريا .

بالنسبة لي أعجبني الخطاب ، فالرجل أقصد الرئيس كان صادقاً منطقياً متوافقاً مع المعطيات التي بين يديه والواقع الذي يعيشه ويعرفه جيداً ، ويعبر عنه ما يسمى بمجلس الشعب الذي كان يخطب تحت قبته ، حيث كان أعضاؤه الذين يفترض أن يمثلوا الشعب ، ويحاسبوا الرئيس عن الدماء التي سفحت والضحايا الأبرياء  الذين سقطوا في درعا واللاذقية وغيرها ، لكنهم تحولوا إلى هتَّافة تهريج ، يصفقون ويهتفون وينبطحون له بشكل مقزز ، ويتغزلون بالقائد الملهم الشجاع الحكيم الذي فاق أباه صموداً وممانعة ......، واحد من الأعضاء يريده زعيماً للعرب بل للعالم بأسره ، فيما مضى الأسد الابن يتحدث كأبيه ، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عن مندسين وعصابات ومؤامرات خارجية ، تستهدف الصمود والتصدي والممانعة ...إلخ وكما تقول العرب : ( شنشنة أعرفها من أخزم ) .

الخطاب الفارغ من الإعلان عن أية خطوات ملموسة أو إجراءات إصلاحية ، كان مفاجئًا لي حقاً ، لكن من وجه مختلف ، وهو أن بشار الأسد لم يخادع أو يكذب على نفسه ولا على شعبه وكشف عن وجهه الحقيقي ، وكان صادقاً جداً ، ولم يسرف في الوعود والتفاؤل بالإصلاحات ، لأن النظام كان وسيبقى عاجزًا تمامًا عن اتخاذ أي إصلاحيات جدية وفي أي اتجاه ، فقد اتسع الخرق على الراقع ، ولأن الفساد الذي يمثله النظام ورأس النظام لا يحتمل وبأي صورة أحزاب معارضة جدية أو حقوق مدنية أو حريات حقيقة لا شكلية !. وهل يستطيع أو يملك بشار الأسد،  أن يحاسب آل الأسد عن المليارات التي يمتلكونها ، أو يسأل رامي مخلوف وشاليش وقاليش عن استثماراتهم وتجاراتهم واحتكاراتهم التي تهيمن على الاقتصاد السوري ؟ وهل يقدر النظام على الإجابة عن مداخيل النفط ؟. وأين تذهب؟.وهل يستطيع محاسبة مراكز القوة ومتنفذي الأمن عن صولاتهم وجولاتهم ومجازرهم ؟.

لقد صادر الأسد الأب والأسد الابن حرية الشعب السوري وكرامته، بذريعة تحرير فلسطين ، ومن قبل ضيعت أو بيعت الجولان -كما تقول شعارات أطفال درعا – وكان الأب الصامد  وزيراً للدفاع، وورث الأسد الابن من تركة الأب القضية ( اللعبة ) ، واستعملها لمصادرة حرية وكرامة المواطن السوري وبطريقة صارت مستهلكة ومفضوحة ، لكن المحيِّر في الأمر أنها ما زال لها سحرها عند بعض المثقفين والمفكرين الأذكياء ، أمثال عبد الباري عطوان وعزمي بشارة وغيرهم !!.

إن المقاومة ليست شعارات تُرفع؛ بل هي فعل وجهد وجهاد وتضحية !. وهل من المقاومة قتل شباب سوريا والتنكيل بهم لمجرد مطالبتهم بالحرية والكرامة ؟. و هل من المقاومة محاربة الإسلام بذريعة محاربة "الإرهاب" الإسلامي ، وهو من أعظم مصادر القوة في الأمة ، وخاصة في معركتنا مع الصهاينة ؟. ولماذا لا يفتح الباب للمقاومة الشعبية لتحرير الجولان على غرار المقاومة في لبنان ؟ وأسئلة أخرى كثيرة في هذا السياق ، لكن السؤال الأهم الآن هو : هل يجرؤ هذا النظام على إحداث إصلاحات ومنح حريات ، يكون من نتائجها الطبيعية واستحقاقاتها الديمقراطية إنهاء حكم الطائفة العلوية وعلى رأسها عائلة الأسد بل أبعد من ذلك وهو محاسبته ومحاسبة نظامه على مجازره البشعة ، بدءا من مجزرة حماة المروعة التي فاقت كفر قاسم ودير ياسين  ومجازر غزة دموية وهمجية وقبحاً ، ثم مجزرة سجن تدمر ، ومروراً بمجزرة سجن صيدنايا ، في صيف 2008  ، حيث تم تصفية أكثر من مئتي سجين !.

إن إحداث إصلاحات حقيقية ومنح حريات يهدد ويعري شرعية بشار الأسد نفسه ، فهو رئيس بالوراثة لرئيس جاء على ظهر دبابة أي ( ضغث على إبالة ) كما تقول العرب ، فأي شرعية له !. والإصلاحات ستفضي حتماً إلى هذه النتائج عاجلاً أو آجلاً ، وهو يدرك ذلك تماماً ، وهو ما يخشاه هو ونظامه ، ولن يسمح به ، ولذلك فإن ثورة سورية ستشق طريقها إلى النهاية ، وقد بدأت منذ لحظاتها الأولى بسيل من الدم وستنتهي ببحار من الدم ، لكن الحرية سلعة غالية والكرامة أغلى والثمن باهظ . 

الإصلاحات الحقيقية في هذا النظام (في الاقتصاد، في الحكم وفي حقوق المواطن) معناها إبداء ضعف وانتحارٌ طوعيّ ٌ من جانبه ، ونظام البعث ورئيسه الأسد يدرك ذلك ، وهو بالمناسبة ذكي وليس كما يقال أنه يتمتع بالغباء !.

إن ' ثورة ياسمين ' مثلما حدث في تونس أو مصر، حلمٌ في الحالة السورية . أمامنا فقط ثورة دموية ، وسيناريو أبشع من الحالة الليبية ، وترقبوا القمع الوحشي وسيل من الدماء الزكية والقتل والذبح والمجازر والعالم الصامت والجيران الذين يكتفون بمتابعة الموقف والقلق أو المؤازرة من بعضهم إذا اقتضى الموقف ، والأمم المتحدة التي تشجب وتندد ، ولجان حقوق الإنسان التي تستصرخ الضمير الإنساني والعالمي الذي يغطُّ في سبات عميق !!.

مرة أخرى : أبدي إعجابي ببشار الأسد وخطابه ، في صدقه وصراحته ، رغم أن الظروف تقتضي منه أن يلعب بورقة  الإصلاحات المخدرة عديمة المعنى التي تضمن له استمرار السيطرة ، وأن يغدق الوعود السخية على شعبه الذي كسر حاجز الخوف لإجهاض ثورته وامتصاص نقمته لكنه لم يفعل !.