أوصل دم التغيير إلى سوريا؟

يوسف فضل

يوسف فضل

مشاغبة:

وأنا أشاهد  برنامج " لاري كينج" على فضائية CNN أجرى المذيع المشهور لاري كينج  المرتدي حمالات السروال والجالس أمام ميكروفون قديم مرتديا نظارة بعدسات بيضاء وإطار اسود ، لقاء مع هنري كيسنجر وذلك بعد تحرير الكويت تحت ما يسمى حرب الخليج الأولى  بقيادة بوش الأب  ومما لا زالت ذاكرتي المنكودة تحفظه من أحداث ولا تحفظ التواريخ ،  سؤال لاري لكيسنجر يقول : ما هو أسوأ  شيء حدث في حرب الخليج ؟

What is the worst thing happened in the Gulf war?

أجاب كيسنجر: " أسوأ شيء أن الحرب أجبرتنا على كشف عميل قديم لنا في المنطقة ، حافظ الأسد.

The war forced us to expose our old agent in the area, Hafith Al Assad

تقاعد لاري كينج بعد مسيرة تليفزيونية استمرت 25 عاما ويقدم برنامجه حاليا الصحفي البريطاني والمقدم التليفزيوني بيرس مورجان .

المنطقة العربية تدخل فترة تحول حادة أو بالغة الأهمية . لا أقول أن ما يجري هو الفوضى الخلاقة التي تريدها أمريكا والتي بشرتنا بها كوندليزا رايس . لكن مصلحة أمريكا تتقاطع مع ما يجري في منطقتنا وتريد أن تركب ( وستركب) موجة التغييرات لتوجهها لصالح إسرائيل ولو كان ذلك على حساب المصلحة الأمريكية  مع أن  اليهود ليس لهم  أي دور في استقلال أمريكا! بل إن الرئيس الأمريكي الأسبق "بنيامين فرانكلين" حذر في خطابه الذي ألقاه عام 1789م  من وجود اليهود في أمريكا وتدخلهم في شئونها. لكن أمريكا الآن لا تريد سياسة وطنية عربية لا تخدم إسرائيل مع أن الشعوب العربية دون استثناء ضد إسرائيل والاحتلال وجرائمه . لذا إذا لم تكن هذه الاحتجاجات والثورات لتحقيق وحدة عربية حتى لو كان على المدى البعيد فان ما يحدث ونتائجه هو تغيير ديكورات سياسية !

بسبب ما أشعر به من ألم جم اكتب منتقدا سوريا التي أحب ، فهي ليست استثناء لاحتياجها لإصلاحات ماموثية . وكان يعول كثيرا ، واستبشر خيرا بالدكتور بشار الأسد الذي ورث الحكم عن والده بعد تعديل القانون ليسمح له بتولي المنصب رغم كون عمره أقل من 40 عاما وهو العمر الأدنى لمن يتولى الرئاسة طبقا للقانون آنذاك وبذلك أعلن عن  أول قانون التوريث في الجمهوريات العربية . الرئيس بشار  قدم وعود بإصلاحات سياسية واقتصادية ولم يقدم لها برنامجا زمنيا لانجازها أي لم يوف بها منذ أن تولى الرئاسة عام 2000 . كان  الأولى به  تبرأه من العهد القديم لأنه لا يمكن إحداث إصلاح دون التخلص من تبعات العهد القديم  . لم يقدم اعتذارا لعائلات الضحايا عن مجزرة تدمر(قتل المساجين)  عام 1981 ومجزرة حماة عام 1982 والتي راح ضحيتها (الأرقام غير دقيقة) أربعون ألفا من المدنين والمفقودين عشرون ألفا .

الصلاة ممنوعة في المدارس والجيش . وذلك أن الجيش السوري مشغول بالإعداد للكر على العدو إلى أن وصل  إلى المستوى (البرتقالي) الخطر بحيث لو أن إسرائيل قامت بالإعلان(على المكشوف)   أنها ستحارب سوريا بعد شهر فلن تتمكن الدبابات السورية  الوصول إلى جبهة القتال في خلال شهر !!!!!!

لم يحاسب الرئيس بشار أي حالة فساد غير إقالة موظفين بلدية لأسباب تتعلق بالنزاهة ، مع أني وقعت في حالة من الحيرة بعد أن قرأت لوحة " الأسد بايعناك إلى الأبد".  أعلى الفساد ؟ أم تثبيت الحال لنظام في الإشهار والعلن   جمهوري وعلى النقيض بالممارسة أسوأ نظام دكتاتوري بوليسي وقمعي في العالم العربي حيث تخضع البلاد منذ عام 1963 (حسب المادة 153 من الدستور) لقانون الطوارئ تحت حكم حزب البعث الإلهي الوحيد الذي يحكم البلاد بقبضة حديدية  وينكل بمعارضيه وحاليا  بزعامة القناع المتحضر الرئيس بشار الأسد  ا لذي أكثر من أصنامه وتماثيله وصورة ولوحاته .

العائلة الاسدية متهمة بمدير أعمالها رامي مخلوف وشاليش  بالمسؤولية عن استيراد كافة الأطعمة الفاسدة والمسرطنه لتحقيق الربح السريع . وسوريا مثلها مثل أي نظام عربي قبل التغيير القادم مرتهنة  ومختصرة بشخص الرئيس أو عائلته أو حزبه . فالمادة الثامنة من الدستور تمنح حزب البعث حصريه  قيادة البلاد بالحديد والنار لاعتقاد قياداته أنها خير وسيلة للحفاظ على السلطة.

 النظام السوري متصالح مع شعبه إلى درجة أن وصلت البطالة إلى 30% وكل سنة يدخل سوق البطالة 200 ألف مواطن . وهناك العديد من الأجهزة الأمنية تتسابق فيما بينها في قمع الشعب السوري . حتى أن الأجهزة الأمنية تمتد خدماتها إلى أن تنتخب بنزاهة نيابة عن  الشعب . فالمواطن السوري الذي لدية ورقة انتخاب لا يلمسها وإنما يسأله عنصر الأمن " بالطبع تريد أن تنتخب بشار" .

50% من الشعب السوري يطعمه أبناءه المغتربين السنة . هل رأيتم مغترب علوي؟ العلوي في سوريا يأخذ 4 رواتب من أربعة أجهزة أمنية فلا حاجة له للاغتراب .

تهمة السجناء السياسيون (ومنهم الطفلة طل الملوحي ) انه مشكوك في وطنيتهم ويؤخرون إعداد المعركة الحاسمة مع إسرائيل وهم السبب في عدم إحداث التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني . فسوريا لا زالت في مرحلة تحديد زمان ومكان المعركة . مع أن معارضة النظام ليس لسياسته الخارجية بل لسياسية الداخلية . والنظام متفوق بمقارعة أمريكا وإسرائيل من على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد . ويعتقد حزب البعث أن قتل المتظاهرين العزل هو بدء العد التنازلي للحرب الكبرى مع إسرائيل!!!!! أن منظر الدم يثير الإنسان أكثر مما تثير رائحته اسماك القرش . ومتى قتل النظام الشعب فقد المبرر الأخلاقي لوجوده ولا يحق له أن ينتمي إلى ما اكتشفته لركب الإنسانية الذي نعيشه .

الشعب السوري لم يدخل مرحلة الموات السياسي لكنه في حالة هدوء صامت وحذر مع انه يعاني من الاختناق السياسي والفقر. وهو  مرهق من الروتين الإداري ( احتلت سوريا مرتبه 147 عالميا في الفساد الإداري ) والواسطة والمحسوبية والرشوة .فمثلا رشوة الشرطي كانت 25 ليرة وارتفعت إلى 500 ليرة بسبب ارتفاع مستوى المعيشة .

 أسهل طريقة للتخلص من غريم وإصدار شهادة له بانتهاء صلاحيته من الحياة ، أن يحضر اثنان من الشهود ضده ويشهدوا انه سب الرئيس أو الحزب مع أن من يؤيد الحزب إما منتفع أو فاسد أو مكره  .

هناك من يقول أن الرئيس بشار الأسد محبوب لدى الشعب السوري وانه ربما اكره على تسلم رئاسة البلاد وهو واجه لقوى الفساد في سوريا التي هي أقوى منه ومتخفية بظله .

لماذا لا يسمح الرئيس بالاحتجاجات السلمية حتى يعرف مدى حب الشعب له بل انه يصر على أن يكون حكمه  غير طبيعي ؟ أم  ربما نرى الرئيس بشار كما يقول الصحفي البريطاني  باتريك سيل يشارك الشعب السوري بثورة احتجاجية  ضد سرطان الفساد الذي لم يستطع التخلص منه . أخشى أن يفعل الدكتور  بشار ما فعله القذافي " رجل  يحتل دولة ". عجبا!!