شاهدوا مخازي النظام السوري على موقع قناة الجزيرة
شاهدوا مخازي النظام السوري
على موقع قناة الجزيرة
محمد فاروق الإمام
[email protected]
لأول مرة تنشر قناة الجزيرة على موقعها في صفحة تقارير وحوارات
تقريراً عن مجزرة سجن تدمر الصحراوي التي ارتكبها النظام السوري بحق مجموعة من
سجناء الرأي في سجن تدمر الصحراوي، والتي راح ضحيتها نحو ألف سجين قتلوا بدم بارد
من قبل مجموعات من سرايا الدفاع صاحبة المهمات القذرة والسمعة السيئة التي كان
يقودها العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1980، ومع أن التقرير
جاء متأخراً إلا أنه من واجبنا تقديم الشكر لقناة الجزيرة التي عودتنا منذ نشأتها
أنها صوت من لا صوت له، وقناة الجزيرة – على خصوصيتها الفريدة – تبقى وسيلة إعلام
تحاكي الحدث وتحلله عبر نخبة من المثقفين والسياسيين والإعلاميين والعسكريين حسب
طبيعة الحدث وأهميته، وهذا ما شهدناه عبر أحداث ثورة تونس وفرار طاغيتها، وثورة مصر
وخلع طاغيتها، واليوم تبث بالصوت والصورة والتحليل الأحداث الدامية في ليبيا واليمن
على مدار الساعة، وهذا جهد تفتقده كل القنوات العربية والأجنبية، وهذا ما دفع وزيرة
خارجية الولايات المتحدة هلري كلينتون على الاعتراف بأسبقية قناة الجزيرة وتفوقها
على القنوات الأمريكية والأوروبية في متابعة الأحداث وبثها عبر شاشاتها من خلال
المئات من مراسليها المنتشرين في كل بقاع الأرض وخاصة في بؤر الأحداث الملتهبة،
متيحة الفرصة بكل مهنية عالية للرأي والرأي الآخر.
كما قلت فإن الجزيرة تبقى وسيلة إعلام تتابع الحدث وتتفاعل معه
بحسب أهميته، وشح المواضيع التي تتحدث عن سورية ليس للجزيرة ذنب فيه، إنما الذنب
يعود علينا نحن السوريين، وللحقيقة نقول معترفين بأننا أسوأ محامين عن أعدل قضية،
فسورية التي يجسم على صدرها نظام سادي وشمولي وديكتاتوري يحكمها تحت مظلة قانون
الطوارئ والأحكام العرفية منذ ما يقرب من نصف قرن، وفعل ما لم يفعله نظام بشعبه في
العصر الحديث من مذابح ومجازر طالت الأطفال والنساء والشيوخ، ولم يسلم من بطشها دور
العبادة والمدارس والمعاهد والمراكز الثقافية والنوادي الرياضية وأحياء المدن
التاريخية ومعالمها الحضارية في طول البلاد السورية وعرضها دون استثناء أو مفاضلة
أو تمييز، وإذا ما تحدثت الجزيرة – مشكورة - عن مجزرة تدمر بعد كل هذه السنين، وقد
سبقتها مجازر ومجازر، وجاء بعدها مجازر ومجازر قد لا يعرف عنها الكثيرون حتى من
أبناء سورية من الأجيال الشابة، لأن النظام السوري كان يرتكبها في ظل تعتيم إعلامي
محلي ودولي، حيث كان يحاصر بمدرعات جيشه وفرقه العسكرية وميليشياته وأمنه المدينة
التي كان يرتكب فيها مجازره ويمنع تسريب الأخبار منها وإليها بكل وسائل القمع
والإرهاب، ولعل من المفيد أن أضع أمام القارئ حادثة قد يحسبها من نسج الخيال، وهي
حقيقة بعض أصحابها لا يزالون أحياء، وقد وقعت هذه الحادثة عند انتفاضة حلب الشعبية
السلمية عام 1980، والتي قادتها النقابات المهنية والطلبة والمدرسين:
أقدمت السلطات العسكرية التي كانت تحتل المدينة (الفرقة
الثالثة) بقيادة العميد شفيق فياض على قتل أحد المحتجين الذين شاركوا في تلك
الانتفاضة وكان طالباً جامعياً، وعلقته في مؤخرة مدرعة عسكرية وراحت تتنقل به
المدرعة في أحياء مدينة حلب لترهب الناس، ثم استدعت أبويه للتعرف عليه فأنكر
الأبوان معرفتهما له، خوفاً من أن يلهب هؤلاء القتلة ظهريهما بالسياط، وهذا ما حدث
للكثيرين.
والحديث عما ارتكبه النظام السوري من فواحش وفظائع وجرائم بحق
الشعب السوري منذ تسلق بعض ضباطه المغامرين جدران السلطة على ظهر دبابة ضالة أدارت
ظهرها للعدو الصهيوني في الثامن من آذار 1963 أمر يدمي القلوب.
لم يكتف النظام السوري بما سفك من دماء، وما زج في السجون
والمعتقلات وأقبية المخابرات، وما دفع بالآلاف إلى المنافي والمهاجر القسرية، وما
ساق إلى المحاكم الاستثنائية والميدانية العسكرية من خيرة شباب الوطن ورجالاته
وشرفائه، ولعل نموذج من راح في مجزرة تدمر التي ذكرتها الجزيرة المثال الحي لسادية
النظام وحقده على العلم والمتعلمين، فقد كان ضحايا المجزرة كلهم من العلماء والضباط
والأطباء والمهندسين والمحامين وأساتذة الجامعات وطلبتها ونشطاء حقوق الإنسان
والمجتمع المدني والإعلاميين.
أقول لم يكتف النظام بكل ما اقترف من جرائم دموية بحق الشعب
السوري، بل راح يجوّعه ويفقّره ويجهله وينهب ثروات الوطن ويسرق جيوب المواطنين عبر
سلسلة من القوانين والمراسيم والقرارات التي تسهل له ذلك، فتسجيل المولود عليه رسوم
وضرائب ودفن الميت عليه رسوم وضرائب وبين الولادة والموت سلسلة طويلة من الضرائب
والرسوم ترافق المواطن في حياته فتحيلها إلى كابوس يؤرق يومه وليله.
أما عن ملاحقة أمن النظام من خلال فروعه المتعددة (أمن الدولة،
المخابرات العسكرية، مخابرات الدفاع الجوي، مخابرات فرع فلسطين، الأمن السياسي،
وغيرها مما لا يحضرني اسمها) تعد على المواطن السوري أنفاسه وترصد حركاته منذ أن
تتفتح عينه على الدنيا وحتى يواري جسده الثرى.
يتحدث الناس اليوم عن القذافي وما يفعله بالشعب الليبي عبر
تشكيلاته الأمنية التي يواجه بها هذا الشعب الأعزل، وقد دمر الجيش وحيّده وجعله
جيشاً رمزياً لا فاعلية له ولا قوة، والذي فعله النظام السوري بجيش سورية الوطني هو
أفظع وأمر، فبعد الأوامر التي صدرت لهذا الجيش للانسحاب الكيفي من مرتفعات الجولان
وإعلان سقوط القنيطرة قبل دخول الجنود الإسرائيليين إليها بثمانية عشر ساعة وترك
أسلحته - وكان بعضها لا يزال في المستودعات والمخازن بشحمه لم يستعمل بعد - لقمة
سائغة للعدو الصهيوني، وفرار قائد الجبهة العميد محمد المير - بعد أن استولى على
لباس وحمار أحد الرعاة في المنطقة وتخلص من سلاحه الفردي - إلى دمشق، ولم يتخلف عن
قائد الجبهة قادة الفرق والألوية والأفواج، اللهم إلا من قلة رفضت تنفيذ أوامر
الانسحاب المخزية، وآثرت الشهادة دون ثرى الوطن، وكان منهم الرائد محمد يونس
والنقيب نورس طه وآخرون لا تحضرني أسماؤهم، وكان قد سبق فرار هؤلاء القادة
العسكريين قادة البلاد السياسيين من رجالات حزب البعث الذين حملوا معهم الأموال
التي نهبوها وعيالهم وأولادهم فارين إلى مدينة حمص تاركين دمشق تقف مكشوفة للأعداء
دون أية حماية.
وقبل هذه الهزيمة بسنوات أقدم النظام على تسريح معظم ضباط الجيش
المحترفين الوطنيين بحجة معاداتهم للثورة، واستبدالهم بالضباط الاحتياط من أعضاء
حزب البعث الذين كانوا يفتقدون لأي خبرة عسكرية.
وفيما بعد أنشأ النظام وحدات خارج مؤسسة الجيش وسلحها بأحدث
الأسلحة المتطورة ورصد لها ملايين الدولارات كرواتب وحوافز ومكافئات لأفرادها
مهمتها حماية النظام (الوحدات الخاصة، وسرايا الدفاع، وسرايا الصراع، والحرس
الجمهوري، وشبيبة الثورة)، أما الجيش فيمكن القول أنه كباقي هذه التنظيمات جعل
النظام مهمته ليس الدفاع عن الوطن وحماية حدوده أو استرجاع أرضه المحتله، بل مهمته
الدفاع عن النظام، ففي العاصمة دمشق وكل المدن السورية تتوزع الفرق والألوية
العسكرية لإجهاض أي تحرك شعبي أو انتفاضة شعبية سلمية كتلك التي حدثت في تونس أو
مصر، ولعل ما يؤكد ما نقول هو الحال الآمن والمستقر في الجولان المحتل منذ العام
1973، حيث لم يرصد المراقبون سماع طلقة واحدة تعكر أجواء المنطقة التي ينعم العدو
الصهيوني بخيراتها وثرواتها الهائلة.
إضافة إلى كل ما تقدم فقد أقدم النظام على إفساد هذا الجيش بما
يغدق على قادته من امتيازات ومكافئات جعلت أحد قادة هذه الفرق (اللواء شفيق فياض)
أن يقيم حفلة عرس لابنته في منتكارلو بفرنسا، ناهيك عن ما يتقاضاه بعض الضباط من
رشاً من العسكريين لقاء إمضاء خدمتهم العسكرية في بيوتهم أو في مزارع هؤلاء الضباط
أو في خدمة منازلهم ورعاية أولادهم وتعشيب حدائق فيلاتهم.
ولهذه الأسباب وغيرها فإن التغيير والإصلاح في سورية يقع على
عاتق الشباب الذين هم وحدهم يستطيعون فعل ذلك أسوة بما فعل أشقاؤهم في تونس ومصر
وما يفعله أشقاؤهم اليوم في ليبيا واليمن، ولابد من تقديم الثمن فالحرية لا توهب بل
تنتزع، وسنكون نحن - وقد هدت أجسامنا المنافي وشظفها (30 سنة) - معهم بالكلمة
الشجاعة الحرة وبالاتصال بكل المنظمات الحقوقية العالمية وسفارات الدول التي نتواجد
على أرضها لشرح قضيتنا العادلة، وتقديم كل ما يطلبه الشباب منا إذا ما أعلنوا
انتفاضتهم، وسنكون الجنود المجهولون لهذه الانتفاضة حتى إسقاط النظام ورحيله.
ختاماً نتوجه إلى قناة الجزيرة – إضافة إلى الجهد العظيم
والكبير الذي تقوم به – أن تستضيف رجالات سورية في المنافي ليضعوا العالم أمام
الحقائق التي تجري في سورية وما يتعرض له الإنسان السوري من قمع وإذلال وإفقار
وتجهيل، وما يتعرض له الوطن من فساد للمجتمع ونهب لثرواته وسرقة لعرق المواطن
السوري وجهده.