آذار الفلسطيني يهتف لربيع الوحدة

د. عصام مرتجى

آذار الفلسطيني يهتف لربيع الوحدة

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

آذار يأتي هذا العام كعادته دوما  ،  حائرا متقلبا بجنون ....

تارة ً يأتي مشمسا و تارات يعصف بالريح والأمطار ، يحنو عليك أحيانا بالدفء،  ويفاجئك أحيانا أخرى عاصفا بالزمهرير ويقرع النوافذ بالثلوج ، يقتلع الخيام ... يطفئ اللهيب .... أو يشعل النار بجنون.

آذار هذا العام يأتي بشكل مختلف، يأتي كعاداته القديمة  الأزلية ، يحمل في حشاياه أعاصير وزلازل، تهد جدران القصور، وتدك العروش ... وتتغير المواقع والمناصب والمنازل.

ولكنا كما نحن دوما، لا زلنا فلسطينيي الهوية والنكبة .... ولآذارنا الفلسطيني عبقٌ خاص ...  ونسيم لربيع فلسطيني لازالت تحتفل به الذاكرة الفلسطينية التي لا تنسى عشاقها ...

تحتفل المرأة في كل الدنيا بيومها وبأمومتها وبربيعها في آذار ؛ لكن للمرأة الفلسطينية يومٌ مختلف وأمومة مختلفة ، وربيع مختلف  .... وكيف تنسى المرأة الفلسطينية ربيعها الذي بدأ في صباح يوم 11 آذار 1978 ، حين كانت دلال المغربي تبحث عن ربيعها الواحد والعشرين على شواطئ فلسطين الحبيبة السليبة، تركب بحر النكبة وتصارع أمواج النكسة وتعبر عباب الموت لتجتاز حدود الهزيمة العربية، وتحتفل بأنوثتها وبأمومتها وبربيعها الفلسطيني الخاص على شواطئ يافا وهي تعانق  العلم الفلسطيني وتردد بنشوة العاشق الفلسطيني  :

بلادي... بلادي... بلادي //  لك حبي وفؤادي .... فلسطين يا أرض الجدود //  إليك لا بد أن نعود ...

وفي آذار فلسطيني آخر ، وبقلب عاشق واحد يعرف نفس القبلة، كانت آيات الأخرس تحتفل بربيعها الفلسطيني الثامن عشر في عام 2002 وتفجر نفسها عشقا لفلسطين والقدس على بوابات وجدران المدينة المقدسة.

وفي صباح الاثنين 3 آذار 2002 كان الشاب  ثائر حماد يحتفل بربيعه الثاني والعشرين تحت زيتونة فلسطينية تجذرت في جبال فلسطين لتبقى مطلة على القدس ، وعيونه الثائرة مطلة على حاجز عيون وادي الحرامية وهو يعبأ بندقيته  القديمة ، عمرها من عمر النكبة، ويقبلها كما يقبل يدي والديه  كلما قنص لصا من اللصوص والحرامية  الذين سرقوا الوطن....  ولا زال ثائر مع ألاف المناضلين الأسرى يرددون نشيد العشق الوطني خلف القضبان والأسوار التي شيدها لصوص الحرية و الوطن والتاريخ،لا زالوا  ينتظرون ربيع الحرية الآتي لا محالة.

هذا هو آذار الفلسطيني الذي  لا يشبهه آذار ...  وهذا هو الربيع الفلسطيني  الذي لا يشبهه ربيع آخر.... و هذا هو الشباب الفلسطيني الذي ينشد للوطن الأم ويهتف للحرية ويسقيها بالدم  ... وبهم لا زلنا نرفع أعناقنا ونفاخر.

لكن أذار هذا العام حزين، كأعوام أربع خلت، عانينا فيها من القحط السياسي والنضالي الذي أصاب البيت الفلسطيني. نعاني ونحن في بحرٍ لجي وظلمات انقسام وتشتت  بعضها فوق بعض،   وتاه  المركب الفلسطيني حين ضاعت البوصلة وضللنا الطريق عن القدس ويافا وحيفا وعكا  وصار البعض يشوي سمكه  "الثمين" في عرض البحر الغادر وهو لا زال يبعد ألاف الأميال عن شواطئ فلسطين التي ينشدها  قلبه ... فأضل قلبه وأرضى بطنه...!!؟؟

 في هذا الآذار العاصف من هذا العام الذي يحفل بالأعاصير والزلازل والأمطار على مستوى وطننا العربي وعلى مستوى العالم ... نشعر بمدى حاجتنا لربيع وحدتنا الذي هجرنا منذ سنين، ونشعر بمدى حاجة الطفل والشاب والشيخ والمرأة لننقذهم من نكبتهم بهذا الانقسام اللعين ، وبحاجة فلسطين كل فلسطين لوحدتنا.

وفي آذار الذي نعيش فيه الآن ، نهض الشباب الفلسطيني، الذي مضت أربع سنوات من بداية شبابه في ظل الانقسام اللعين ، تنتشي بهم رغبة الحرية والوحدة وعشق الوطن وعبق الكفاح الفلسطيني. نهض يطلب الوحدة وهو يفتش عن البوصلة التي ضاعت ليسأل من نحن وماذا نريد؟! 

وهذا النهوض يبعث فينا الآمل ويطرد الإحباط  الذي ساد المجتمع الفلسطيني من ثقافة الازدواجية والتناقض التي طغت على الخطاب السياسي للفصائل الفلسطينية المختلفة  وواقع حالهم  الحقيقي يقول : ....

                                    " قلوبنا مع المصالحة وسيوفنا عليها "

لقد ملَّ الناس من هذا الخطاب ويريدون تغيير حقيقي في هذا الواقع الفلسطيني البائس المزري.

الكل الفلسطيني مجمع على ضرورة المصالحة ووجوبها، وكل الفصائل تدين الانقسام، وكل الفصائل تخرج مسيرات تنادي وتنشد للوحدة ....  والفصائل دخلت في حالة من الجمود الفكري والسياسي الخطر الذي يهدد الحالة الفلسطينية بكليتها. 

الوقت يمر لصالح عدونا ، وفصائلنا لا زالت في جدل سفسطائي لا فائدة منه ... فالبعض يريد العربة أمام الحصان ويبغي النتائج قبل الحوار ، وآخرون يريدون الحوار قبل النتائج ..... ولا زلنا معهم في أحجية البيضة تسبق الدجاجة أم العكس ............

فأين الخلل ؟!  لقد دخلت الفصائل في سراديب المجهول والشعب لا زال ينتظرها ....  فهل الخلل في الفصائل أم في الشعب ؟

ولكن، إن ضل بعضنا عن الطريق، فلا زال عدونا واحد !!  ولا زالت أرضنا مغتصبة تنادينا... ولا زالت القدس تستصرخنا وآلاف الأسرى ينتظروننا أن نأتي لهم بربيع الحرية .... ولا زالت بندقية دلال المغربي ودماؤها  وبندقية ثائر وحريته ودماء آيات الأخرس ومعهم عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى ... لا زالوا هم البوصلة التي تدلنا على الطريق إن نحن انحرفنا عنها ...

ومن هنا نقول نعم للوحدة قبل أي شيء ، نعم للمصالحة قبل أي شيء، ونعم لربيع الوحدة الذي يهتف وينشد له الشباب الفلسطيني في منتصف آذار من هذا العام الفلسطيني الحزين.