العشائر العَلوية التي تبرّأت من النظام السوريّ

د. محمد بسام يوسف

العشائر العَلوية التي تبرّأت من النظام السوريّ

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

منذ أن قفز الضابط (حافظ أسد) إلى كرسيّ الحكم، حاول أن يستندَ –داخلياً- إلى دعامتين رئيسيّتَيْن لاستمرار نظامه الشموليّ: حزب البعث، والطائفة العلوية. فاستخدم الحزبَ مَطيةً وطنية، وابتزّ الطائفة –بالترغيب والترهيب- لحملها على التخندق حول نظامه وبناء جدارٍ لحمايته من شعبه، فأوجد بذلك حاجزاً شاهقاً ما بين الطائفة والشعب السوريّ، يخوّفها من الشعب، ويخوِّف الشعبَ بها.. ضمن لعبةٍ طائفيةٍ خبيثة، كان الهدف الأول والأخير منها، هو حماية حكمه العائليّ الأسديّ، الذي أسفر عن وجهه بوضوح، بتحويل الجمهورية إلى جمهوريةٍ عائليةٍ وراثية، كانت إحدى عجائب هذا العصر!..

لقد استغلّ الأسديون الطائفةَ العلوية، لتضعَ نفسها في خدمة النظام، الذي وظّف كثيراً من طاقات أبنائها وبناتها في المفاصل الرئيسية للدولة، لاسيما على صعيد الجيش وأجهزة المخابرات والإعلام والاقتصاد.. وقد نجح بذلك في ضرب الوحدة الوطنية، التي طالما كانت مثار فخرٍ للسوريين، طوال تاريخهم الحديث الذي سطّروه بالتعايش والوئام والأمن والسلام بين جميع مكوّنات المجتمع، الدينية والعرقية والمذهبية.

*     *     *

الحركة الإسلامية -التي تنتمي إلى الأكثرية الكاثرة من الشعب السوريّ- أكّدت في مناسباتٍ عدّة، أنّها تحترم كل الطوائف والأقلّيات السورية، وتحترم حقوقها الكاملة في المواطَنة والحرية والمشاركة في بناء الوطن الواحد.. فالوطن لكل أبنائه، ومؤسّسات الوطن وأرضه وسماؤه ليست حكراً حتى على الأكثرية الكاثرة، وأنها ترفض التمييز والمنهج الاستئصاليّ الذي يسير عليه النظام الحاكم، وأنّ سورية لجميع أبنائها، وأنّ مبدأ تكافؤ الفرص الذي غيّبه نظام الحكم العائليّ.. ينبغي أن يعودَ إلى الحياة السورية بكل أشكالها، وأنه من مبدأ الالتزام بإسلامنا العظيم، الذي يأمر بقبول التعدّدية الدينية، ومن واقع الاعتراف بالواقع الديموغرافيّ التعدّديّ السوريّ.. فإنّ الحركة الإسلامية لا تقبل الحكمَ على أجيالٍ بجريرة جيلٍ سبقها، أو الحكمَ على طائفةٍ أو فئةٍ، بوزر مَن سبقوهم من بني جلدتهم (.. وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام: من الآية 164).. وبالتالي سيبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه إلى يوم الدّين، لمن يرغب في سلوك طريقٍ صحيحٍ قويم، يُفَاصِل فيه المجرمين الطائفيين الحقيقيّين السابقين والحاليّين، ويُفاصِل أخطاءهم وجرائمهم وانتهاكاتهم وعنصريّتهم، ويضع يده وإمكاناته في المسارات الوطنية المخلصة للتغيير المنشود، لإنقاذ سورية وتحريرها من هذا البلاء الطائفيّ، الذي ينفخ في (كِيره) نظامٌ حاكمٌ شديد الفساد، يحتلّ سورية من بابها إلى محرابها، ويشوّه وجهها الوطنيّ المتآلف المشرق، الذي طالما رسم معالِمَه تعاضدُ أبنائها على اختلاف منابتهم ومشاربهم واتجاهاتهم.. كل أبنائها بلا استثناء، ضمن واقعٍ من التعايش الذي ميّز الشعبَ السوريّ، ومن خلال حالةٍ جعلت من سورية بلداً مركّباً هذه التركيبة الفسيفسائية اللافتة، وأمّاً رؤوماً لكل شرائح نسيجها الاجتماعيّ والوطنيّ.

كما أكّدنا مراراً، بأنّ القانون الوطنيّ العادل النـزيه فوق الجميع، وفي ظل سيادة القانون ينبغي ألا يتوجّسَ الشرفاءُ من أيّ تغييرٍ يختاره الشعب السوريّ بكل شرائحه على أرض الواقع.. فالمجرم الفاسد وحده، هو مَن يتوجّس ويخاف في دولة القانون. ولطالما اعتقدنا أنّ الفرصة ما تزال سانحةً لمن يرغب من أبناء الطائفة بالانسلال من حظيرة النظام الحاكم الظالم، والخروج عن الصمت أو عن حالة تغطية جرائم هذا النظام وفساده، والانضمام إلى المشروع الوطنيّ الذي يجمع كل شرفاء سورية، الساعين إلى التغيير بمقاومة الاستبداد الأسديّ، وأنه ينبغي على العقلاء حسم الخيارات لصالح خيار القضاء على الاستبداد، دون تردّدٍ أو توجّسٍ من المستقبل، وبالتالي دون الخضوع إلى ابتزاز النظام وألاعيبه وتخويفه غير الواقعيّ لهم، وأنه على هؤلاء العقلاء أن يجرِّدوا النظامَ الأسديَّ من لعبته الماكرة، التي فتّت بواسطتها الوحدة الوطنية السورية.

*     *     *

إننا ونحن نطّلع على (بيان) بعض العشائر العلوية المنشور في 28 من شباط 2011م، التي أعلنت فيه براءتها من (نظام أسد) الدكتاتوريّ العائليّ.. لَــنَشدّ على أيدي المتبرّئين، المنتمين إلى عشائر: الميلاتيّة والحدّادية والكلبية والحيدرية، فنحن بذلك نقرأ السطر الأول من المستقبل السوريّ المشرق، في ظل لحمةٍ وطنيةٍ تُعيد أمجاد سورية، وتبشِّر بحياةٍ سوريةٍ يسودها التعايش والوئام والتعاضد والرخاء والعدالة والمحبة. مؤكِّدين ناصحين، بأنّ الأمن والاطمئنان على المستقبل، هو بيد الطائفة لا بيد غيرها.. حين يتخلّى أبناؤها كلهم عن هذا النظام العائليّ الفاسد، وحين تتحرّك أذرعها القوية النافذة المختلفة للانخراط بالمشروع الوطنيّ العام، وبالتالي لإقناع المواطن السوريّ العاديّ (المضطَهَد منذ عشرات السنين على يدي نظام أسد) بأنها (أي الطائفة) لا تدعم الدكتاتورية، ولا الطائفية والظلم والفساد والاستبداد والاستئثار، الذي يمارسه الأسديون.. إذ ينبغي عزل النظام الجائر، وإحكام الطوق حوله، وعدم تمكينه من العبث بمصير الطائفة ومستقبلها، كما يعبث الآن بمصير الوطن السوريّ كله.

(وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (يّـس:17).

                

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام