الأنظمة العربية ومحاولات الترقيع السياسي والاقتصادي

م. هشام نجار

الأنظمة العربية

ومحاولات الترقيع السياسي والاقتصادي

م. هشام نجار

najjarh1.maktoobblog.com

أعزائي القراء

السياسه والإقتصاد إختصاصان متكاملان وهما بمثابة قاطره ومقطوره, فتارة تلعب السياسه دور القاطره تجر وراءها مقطورة الإقتصاد وتارة يحصل العكس فلا يمكننا إطلاقا التفريق بينهما في العلاقات الدوليه.

لا أدعي الكمال في شرح النظريات الإقتصاديه (فهو ليس إختصاصي المهني كما هو معروف) وإن كنت قد درست علم السياسه والإقتصاد من قبيل التعرف على هذا الإختصاص بشكل يسمح لي بإعطاء فكره ولو مبسطه عن محاولات بعض حكام العرب من  إجراء عمليات ترقيعيه تمس السياسه والإقتصاد في بلدانهم .إن عملية الترقيع أو التصليح تختلف كلياً عن إصطلاح الإصلاحفالتصليح يعني وجود نظام سيئ وفاسد تحاول الأنظمه من خلاله بإجراء عمليات جراحيه  لقصقصة بعض العورات في الثوب الإقتصادي والسياسي ثم حشو الفراغات بترقيعها من قماش مستورد وبعضها محلي فينتج  ثوب بإلوان زاهيه وإذا ما أرتدته الشعوب لظهرت وكأنها مُهرّج في سيرك ,وهذه الحاله تشبه إلى حدٍ كبير حالة سياره روسيه من طراز لادا مثلاً نحاول تجديدها بقطع غيار من طراز فورد الأمريكيه,وعلينا أن نتصور هذا المنتج الكاريكاتوري الجديد ومدى قدرته على منافسة حقيقيه في اسواق العالم. إن عملية الترقيع هذه لاتعدو عن كونها محاولات لإرضاء الشعوب قد تخدم النظام عاماً أو عامين تعود بعدها الشعوب إلى التململ مرة أخرى وهكذا يتم إضافة رقعات جديده للثوب وعندما يبلى ويفقد الحكام الحيله طيلة عشرات السنين من حكمهم تثور الشعوب تماماً كما حصل في بعض الدول العربيه ودول أخرى مرشحه  لثورات مماثله فيقع الفأس في الرأس وتصر الشعوب على نيل حقوقها دون مواربه وتسيل الدماء أنهاراً عندها يشعر الحكام بثقل المصيبه وقساوة الكارثه التي كانوا هم سببها  فلا يجدوا أمامهم سوى طريق الرحيل آخذين معهم ماسلبوه من مليارات الدولارات واليورات والتي كانت أحد اسباب الترقيع ..

إن أسوأ أنواع الترقيع أعزائي القراء ما كان مصمماً لإمتصاص ثورات شعبيه فتحاول هذه الأنظمه إجراء عملية تجميل إرتجاليه تبدو وكأنها رشوه مقابل إخماد ولو بشكل مؤقت هذه الثورات,الا أن دراسة اربع حالات لثورات شعبيه مرت أمامنا بسرعة البرق حاول الحكام ومازال بعضهم يحاول إجراء ترقيع لإقتصادهم وسياستهم ومن ثم تقديم هذه الترقيعات كرشوه لشعوبهم مع عمليه دعائيه مرافقه ظناَ منهم انهم كسبوا الشعوب بمقتضى تقارير رؤساء مخابرات هؤلاء الحكام والذين يعرفون الحقيقه ولكنهم يزينون لهم عكسها .ففي هذه التقارير تكمن مصالحهم ومفاسدهم , الا ان ذلك لم يعد يفيد وسط إصرار الشعوب على رفع شعار واحد لم تتخلَ عنه حتى يتم لهم تحقيقه.

 أعزائي القراء

 إن لجوء معظم الأنظمه العربيه لترقيع قوانينها الإقتصاديه يعود لسبب رئيسي لاحاجة للإسهاب في شرحه فقد تفضل الأساتذه الأفاضل زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك ومعمر القذافي والحلقه المحيطه بهم بإثبات ذلك عملياً

 فقد تبين حسب مصادر مطلعه وموثوقه ان الثروه المنهوبه من قبل هذه الأنظمه الثلاثه تبلغ حوالي ٣٠٠ مليار دولار لو تم تشغيل هذه المبالغ في مشاريع منتجه لما وجدت إنساناً عاطلاً عن العمل,ولما وجدت إنساناً بدون تأمين صحي , ولما وجدتَ شاباً  يبحث عن بيت يجمعه مع زوجته وأولاده ولما وجدت مواطنا يشكو من زيادة الأسعار او يشكو من إضطراره للعمل في وظيفتين او ثلاث ليؤمن لقمة أولاده ولما وجدت شعوباً عربيه تركب المخاطر هاربة من واقعها الإقتصادي التعيس أو السياسي الأكثر إيلاماً إلى ديار الغربه القاسيه رغم تحصلهم على أعلى المؤهلات  وجميعهم يطلب الأمان والعيش الكريم.بينما تمتلئ مدن الغرب بقصور الحكام العظام من أصحاب المليارات والتي بدأت تتكشف للشعوب والتي بسببها تثور وستبقى الثورات مشتعله حتى تعود الحقوق إلى أصحابها

 أعزائي القراء

أما عن عملية الإصلاح فهذا يستدعي إعادة دراسه شامله لسياسة البلد وإقتصاده يشترك فيها أخصائيون لايراعون حاكماً ولايغازلون نظاماً واضعين نصب أعينهم مصلحة الوطن وشعبه بكل فئاته بعيداً عن الحزبيه والمحسوبيه والقرابه مع ضمان نظام محاسبه صارم لكل من يحاول العبث بإقتصاد الأمه حتى ولو جاء العبث من رأس النظام  .

أعزائي القراء

من المفيد ان نعرج على التجربه الألمانيه في إصلاح إقتصادها.صحيح أن الولايات المتحده قدمت لأوروبا بعد الحرب العالميه الثانيه المساعدات الماليه تحت مايسمى بمشروع مارشال بقيمة ١٣ مليار دولار بأسعار تلك الأيام ولكن المال وحده لايكفي إذا لم يصاحبه إخلاص للوطن وأمانة في التنفيذ وخبرة في العمل. فنجحت المانيا  وغيرها من الدول كاليابان والصين والهند ورسبنا نحن بالإمتحان لأن حسابات البنكيه للأنظمه اهم بكثير من إصلاح الوطن فهناك علاقه عكسيه بين الفساد وبين الإصلاح, فزيادة الفساد يعني تدهور الإصلاح . لقد قامت الوحدة الألمانية في القرن التاسع عشرعلى أساس الفلسفة الاقتصادية المسماة «الزولفرن» كما أن الوحدة الألمانية المستعادة قامت على الأساس نفسه وتحملت ألمانيا الغربية (سابقاً) تكلفة كبرى لرفع مستوى المواطنين في ألمانيا الشرقية (سابقاً) استناداً إلى أن الشعب الألماني واحد، ولابد أن يتحمل الجميع عبء التقدم وتحقيق مستوى معيشة متقارب ,فقد أضطرت الحكومه الألمانيه بعد إلتئام وحدتها إلى إجراء مراجعه شامله للمصانع المقامه في المانيا الشرقيه سابقاً حيث أضطرت إلى عرض معظمها للبيع  في مزاد علني وبأسعار بخسه بسبب إنخفاض الستاندرد الشرقي عن مثيله في المانيا الغربيه ,فآثرت المانيا الإصلاح ونبذت الترقيع وتفوقت إقتصادياً على كافة دول اوروبا .

إن العمل الوحدوي بين الألمانيتين يعني التضحية، ويعني المساواة في الحقوق والواجبات، ويعني الإيمان بالوطن.

أعزائي القراء

إن نجاح الإصلاح الإقتصادي مرهون بالإصلاح السياسي .فإذا وُجد في عالمنا العربي حاكماً يسعى لإجراء إصلاح إقتصادي في دولته متجاهلاً الإصلاح السياسي  فإني أقول له واثقاً ان ينسى هذا النوع من الإصلاح, فالمحاوله محكومة بالفشل وأقولها بالثلاث.فالإصلاح السياسي بدايته محاربة الفساد .ومحاربة الفساد لا ينجح الا بإقامة نظام ديموقراطي متكامل,وإقامة نظام ديموقراطي متكامل لاينجح الا بإشراك جميع مكونات الوطن بحمل مسؤولية هذا الوطن .وعلى الحاكم أن ينسى أن الشعوب ليست فوتو كوبي منه فإن كره نظاماً فعلى الشعب أن يكرهه ,وإن أحب نظاماً فعلى الشعب أن يحبه .

الأمه العربيه اليوم على مفترق طرق,والطريق الأمثل للحكام والشعوب هو سلوك طريق الإصلاح السياسي والإقتصادي معاً دون سيد أو مَسود ,اما البديل لهذا الطريق فهو ثوره إصلاحيه شعبيه  تمتزج معها التضحيات الغاليه .فهل وفرّنا على أمتنا هذه التضحيات وإلتزمنا جميعاً بالطريق الأول...آمل ذلك.

مع تحياتي