أفتيت فأصبت وحكمت فعدلت

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

ترددت - وأنا رجل حقوقي وأدعو إلى الحوار واحترام الرأي الآخر - في قبول فتوى الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي التي أطلقها من على شاشة الجزيرة يوم الاثنين الماضي يدعو فيها إلى قتل العقيد معمر القذافي, محرضاً العسكريين الليبيين على عدم إطاعة أوامره بإطلاق النار على المتظاهرين الليبيين، مؤكداً على فتواه بقوله: (وأنا هنا أفتي .. من يستطع من الجيش الليبيى أن يطلق رصاصة على القذافي فليقتله ويريح الناس من شره)، واعتبرت أن هذه الفتوى متسرعة، وتمنيت على الشيخ العودة عن هذه الفتوى.

ولكنني وجدت نفسي – بعد أن سمعت خطاب القذافي الذي ألقاه مساء يوم الثلاثاء – أمام رجل عارف تقصر قامات المفكرين عن وعيه وقراءته للأحداث والأشخاص، فلا فض فوك يا شيخنا فإنك أفتيت فأصبت وحكمت فعدلت.

مساء الثلاثاء تابعت كما تابع الملايين مشاهدة أمين الأمة وملك ملوك أفريقيا وعميد الزعماء العرب الديكتاتور الأرعن العقيد معمر القذافي وهو يلقي خطابه من أحد أوكاره التي يختبئ فيها في حالة من عدم التوازن في الشكل وفي المضمون، وكانت فرائصه ترتعد ويداه ترتعشان، موجهاً خطابه إلى الليبيين في جمل سفيهة وكلمات بذيئة غير متجانسة، واصفاً المحتجين والمتظاهرين بأنهم جرذان ومرتزقة وكلاب وجراثيم يريدون تحويل ليبيا إلى إمارة إسلامية ظلامية تدين بالولاء إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، داعياً الناس الذين يحبون القذافي إلى الخروج يوم الأربعاء إلى شوارع العاصمة طرابلس للتصدي لهؤلاء القلة من المتمردين الجبناء، الذين حكم عليهم مسبقاً بقوله: (إن المحتجين يستحقون الإعدام وفقاً للقانون الدولي والقوانين الليبية، لأنهم يريدون تحويل ليبيا إلى دولة إسلامية.. إلى افغانستان جديدة).

مردداً وصف المحتجين (بأنهم عصابات وجرذان ومرتزقة لا يمثلون الشعب الليبي)، معلناً (أنه ليس رئيساً ولا يحتل أي منصب لكي يستقيل إنما هو قائد ثورة ومناضل) مؤكداً (أنه باق في بلده حتى استشهاده)، وأعلن (أنه أعطى أوامره إلى الضباط الأحرار للقضاء على الجرذان) في إشارة إلى الثائرين الذين تمكنوا من تحرير العديد من المدن الليبية من قبضته.   

لقد بدا هذا الديكتاتور الأرعن في خطابه أكثر إصرارا على مواجهة التظاهرات الشعبية العارمة المطالبة برحيله، بينما تتوارد أنباء عن خروج مدن ومناطق بأسرها في شرق ليبيا وغربها عن سيطرته واتساع نطاق عزلته الداخلية والدبلوماسية.

هذا الديكتاتور الأرعن الذي سخر في خطابه من الليبيين ونعتهم بالسذاجة، واتهم المحتجين بالمهلوسين والجرذان والكلاب وشذاذ الآفاق والعمالة للغرب وأمريكا والصهيونية، هذا الديكتاتور بشر الليبيين في خطابه بحمام من الدم يصبغ أرض ليبيا ومدنها ونجوعها وواحاتها وقراها من أقصاها إلى أقصاها، ويقسم ليبيا إلى قبائل وكونتينات متصارعة ومتحاربة، مؤكداً على حقه في ارتكاب الجرائم والفظائع بحق المحتجين أسوة بما فعله الرئيس الروسي السابق يلتسن عندما وجه الدبابات لحرق المعتصمين من النواب في مجلس الدوما (البرلمان)، وما ارتكبه الجيش الأحمر من مذابح في مواجهة الطلاب الصينيين المحتجين والمطالبين بالديمقراطية والإصلاح السياسي، واستخدام بيل كلينتون الرئيس الامريكي الغاز لسحق الطائفة الداوودية، وتدمير جورج بوش الابن مدينة الفلوجة واقتحام بيوتها بيتاً بيتاً لسحق انصار القاعدة.

واستعان القذافي بفقرات من قانون الجنايات الليبي (وقد داس عليه واحتقره لأكثر من أربعين عاماً) الذي يجيز نصب المشانق والمقاصل لإعدام المتمردين والثائرين على حكمه، مؤكداً بكل صفاقة وحماقة أنه لم يستعمل القوة في مواجهة المحتجين حتى الآن، وكأن قصف الطائرات ومدفعية الدبابات القنابل على رؤوس المحتجين المسالمين العزل كان لعب اطفال بما يبشر به الليبيين في خطابه، مهدداً من أنه سيتستعمل القوة في مواجهة المحتجين ويستعمل سلاحاً لم يستعمله من قبل، وأنه سيظل يحارب الليبيين حتى آخر نقطة دم، وأنه لن يستسلم، وأنه سيعيد ليبيا إلى عصر ما قبل التاريخ.

لقد ردد هذا الديكتاتور الأرعن مختلف مفردات القتل والحرق والإبادة والتدمير في خطابه، بهدف إرهاب الليبيين وإخافتهم، وجاء الرد سريعاً بالأحذية تصفع وجهه الذي ظهر على شاشات تلفزيونية عملاقة في العديد من المدن الليبية المحررة وهو يلقي خطابه، وإقدام العديد من كتائب الجيش والأمن إلى الانضمام إلى الثورة، واستقالة أهم المقربين منه عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الداخلية اللواء الركن (عبد الفتاح يونس) الذي قال: إن القذافي قد يقدم على الانتحار وليس الهرب من ليبيا فهو رجل عنيد ولا ينهزم بسهولة مستبعدا فرضية الهرب من البلاد التي راجت، واصفاً خطاب القذافي بأنه كان مخيب للآمال وكنت أتوقع أن يعتذر للشهداء وأكد أن جميع القبائل باتت ضد حكم العقيد الليبي، مؤكداً أن العامل الوحيد الآن الذي يقوي القذافي هو المزتزقة التي قبضت مئات الآلاف من الدولارات من الزعيم الليبي. واستقالة وزير العدل الدكتور (مصطفى عبد الجليل) الذي قال في حديث لقناة "الجزيرة": (إن اسرائيل لم تفعل مثل قوات نجل الرئيس الليبي خميس القذافي). واستقالة العشرات من السفراء والدبلوماسيين الليبين المتواجدين في مختلف دول العالم ووفي مقدمتهم البعثة الليبية في الأمم المتحدة والبعثة الليبية في الجامعة العربية، إضافة إلى استقالة أهم الشخصيات التي رافقته على مدى أربعين عاماً من الضباط الأحرار وموظفي قصوره وكاتمي أسراره.

أخيراً أتقدم من الشيخ يوسف القرضاوي بعظيم الإكبار والامتنان على فتواه التي أصدرها بحق العقيد الأرعن معمر القذافي، الذي يستحق عن كل روح أزهقها من أبناء ليبيا الأحرار ألف قتلة وقتلة!!