رسالة إلى الرئيس المخلوع

أ.د/ جابر قميحة

(بمناسبة ثورة الشباب التي هبت في  25 يناير 2011)

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

 إنها رسالة أوجهها إليك في منفاك بشرم الشيخ أو أي بلد تلجأ إليه لأقول : كم استهنت يا هذا بالشعب فحكمته بالحديد والنار ، وكنت أنت الدستور والقانون والآمر والناهي ، والعبقرية الفذة التي فاقت حدود العقل في التاريخ الإنساني كله !!!! .

واستمرأت كرسي الحكم ، وملاذ السُلطة ، وكان حكمك أطول حكم في تاريخ مصر إذ زاد على مدة حكم سلاطين الثورة جميعا ، وزاد على مدة حكم الملكين فاروق وفؤاد ، وكنت تنوي تجديد حكمك في ظل دستور كئيب ظالم ، طبخته بيديك ، يا مخلوع .

واستمرأت التزوير في انتخاب المجلسين الشعب والشورى ، وقلت بالحرف الواحد " إن الانتخابات جاءت نزيهة حرة ، وإن شابها بعض التزوير " ، مع أنها كانت كلها ــ يا مخلوع ــ تزويرا في تزوير . فمن حقي أن أسمعك هذه الأبيات  :

خلل ثوى في كفتيك فصرت ــ من خلل ــ قعيد

فالظلم عدل إن تشأ ... والعدل ظلم إذ تريــــد

ففإذا وعدت فلا وفاء بالعهود وبالوعـــــــود 

أوما ترى للص أصبح مالكا فيها يســـــود ؟ 

أما الديار فصحبها ... طرداء منها كالعبيــــد

********** /span>

وواستهنت ــ يا مخلوع ــ بكرامة الشعب وإرادته ، هل تنسى أنك قلت عن تجمع النواب الحقيقيين فيما يسمى بالبرلمان الموازي ... قلت مستهينا بهم وهم صفوة الأمة " يلا خليهم يتسلوا " . وما هكذا تعالج الأمور يا مخلوع ، فلم تكن واقعيا مع نفسك ولا مع الأمة . أما الإخوان فمرة تقول عنهم " مفيش حاجة عندنا اسمها إخون ، مفيش شيء عندنا اسمه إخوان "   أما الآن بعد أن ضاق بك الحال رأيناك تقول للغرب ولأمريكا بصفة خاصة " أنا لو تخليت عن الحكم ، فلن يحكم الشعب إلا الإخوان والفوضى " .

ورحلت يا مخلوع فلم يحكم الإخوان ولا الفوضى شعبنا الحبيب ، وعاد الأمن والاستقرار والانتاج والشعور بالأمان لكل فرد في هذه الأمة .

إن ظلمك دخل كل بيت في مصر ، فليس هناك أسرة إلا وفيها ضحية لك بتهم مخترعة منها : غسيل الأموال ، ومنها الانتساب لجماعة محظورة ، ومنها  محاولة قلب نظام الحكم . ولست أدري كيف يقلب نظام هو مقلوب بطبيعته ؟

وزوار الفجر  ــ يا مخلوع ــ وهم رجالك ، كانوا إذا اقتحموا في الليل البهيم مسكن واحد من الإخوان حطموا كل شيء فيه ، وصادروا الأجهزة والأموال وحلي النساء ولعب الأطفال وكتبهم ... كل ذلك غنيمة استحلها رجالك الأبطال ، ويجيء تقريرهم يدل على بغاء أصيل ، فمما يجيء في هذه التقريرات " وضبط عند المذكور آلاف من المنشورات لتوزيعها على الجمهور ، وكلها تحض على كراهية النظام " ونسي هؤلاء أنه لا قيمة لأي منشورات في عصر يعتمد فيه الناس على النت يستقون منه كل ما يريدون .

**********

لقد نسيت يا مخلوع  قوله تعالى " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) " آل عمران  106 – 108

 لقد اعتقدت يا مخلوع أن حوارييك من هامان والجنود سيغرسونك في الحكم إلى الأبد . ولقد قلت لك مرارا  وتكرارا " اذكر قول الإمام علي ــ كرم الله وجهه ــ " ضع فخرك ، واحطط كبرك ، واذكر قبرك " . ولكنك ــ يا مخلوع ــ  ظللت في كبرياء منفوشة ، تفخر على العالم جميعا بعبقريتك المدعاة ونسيت أن هناك ما يسمى الموت والحساب .

 وظننت أنك مالك الملك ... نعم نسيت قوله تعالى  "  قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)  آل عمران 26 – 27   

ونسيت قول الشاعر :

إذا  أنت  أفنيت  العرانين  والذرا         رمتك الليالي من يد الخامل الذكـر

وهبك اتقيت السهم من حيثُ يُتقى         فمن ليد ترميك  من حيث لا تدري

    ( والعرانين والذرا أشراف الناس وأطهرهم ) .

فما أغزر الدماء التي سفكت على يديك وأيدي حوارييك ، وظننت أنهم يحمونك من أي شيء ينالك ، أو ضربة توجه إليك ، ولكن يشاء الله أن تأتيك الضربة من خامل الذكر ، وأعني بهم الشباب الذين كانوا كمّا محتقرا في نظرك يا مخلوع ، وأتتك الضربة من حيث لا تدري .

سسبحان الله ما أقدره وما أعظمه ، فالحق يقول :

ما بين غمضة عين وانتباهتها        يغير الله من حال إلى حال

وها هي الأرض قد ضاقت عليك بما رحبت ، فقد حملت الأنباء أنك عرضت على بعض الدول الأوربية أن تلجأ إليها ، فرفضت ، ولم تنفعك بلايينك المهربة ، وضاقت عليك نفسك ، فعشت ميتا ملفوظا بعد أن وجَّهْت قواتك لضرب الشباب حتى سقط منهم مئات من الشهداء . ويبقى الدرس الخالد بعد ذلك ملخصا فيما يأتي :

1- أن إرادة الله أقوى من إرادتك وإرادة البشر جميعا ، فدستورها هو      " كن فيكون " .

2- أن إرادة الشعب المظلوم من إرادة الله سبحانه وتعالى ، فقد جاء في الأثر " اتقوا دعوة المظلوم  فليس بينها وبين الله حجاب " .

3- أن الشباب هم عنفوان الأمة ، وشعورها الحي ، وحماستها الدفاقة لذلك استطاع شبابنا بإيمانهم وإصرارهم أن يحققوا للأمة ــ بثورتهم الرشيدة ــ  ما لم يتحقق في تاريخ شعوب العالم ، وأصبحوا مثلا تلحاول الشعوب أن تأخذ نفسها به .  

   إنها دروس خالدة لا تموت .