بسقوط الصنم الكبير في مصر, سقطت معه ورقة التوت الأخيرة,

د.عبد الغني حمدو

بسقوط الصنم الكبير في مصر,

سقطت معه ورقة التوت الأخيرة,

والتي كان يتستر فيها استبداد الأنظمة العربية

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

لابد من تقديم التحية بمختلف أشكالها , للشعب المصري العظيم في خروجه المفاجأ, ليجعل العالم أمام مفترق طرق متشعبة , من هول المفاجأة التي صدم فيها العالم الغربي والنظام المصري والنظام العربي , وأقول لهم بارك الله فيكم ونرجو من الله تعالى أن تحسنوا البناء والتقدم والترابط مع الأمة كما أحسنتم الثورة , وتخلصتم وخلصتم أنفسكم من المستنقع البغيض , مستنقع الظلم والفساد والاستبداد

في الثورة المصرية نستطيع أن نستخلص منها دروساً كثيرة , وتحتاج كتباً ضخمة لتغطي جزءاً من نتائجها الإيجابية , ولكن أحببت أن أستخلص بعض الحقائق منها , حتى تكون منارة لشعوبنا العربية , ومعول هدام لأنظمتها الفاسدة والقمعية والاستبدادية

بعد سقوط العراق بيد الغزو الأمريكي , واشتعال الحرب الطائفية البغيضة فيها , وضعت الأنظمة الاستبدادية في بلادنا العربية ورقة توت لتستر فيها عوراتها , مدعمة فيها ورقة أخرى سلاحها القديم والجديد والمستمر , المؤامرة

فكل من ينادي بحقوقه في هذه البلاد فهو عميل لجهات أجنبية وإسرائيلية وامبريالية , مع أن تلك الأنظمة هي المتعاملة مع تلك الجهات والمدعومة منها سياسيا وعسكرياً وإعلاميا

فأخافت الناس والشعب من النتائج المترتبة عن الإطاحة بالنظام الدائم منذ عقود طويلة , في مقابل معزوفة الأمن الوهمية التي يتغنى فيها قادة هذه البلاد , ومثالهم الدائم كيف أن الشعب العراقي يتمنى عودة النظام السابق على علا ته في مقابل الأمن , واقتنع الناس والشعب بذلك وعلى مضض واختاروا أهون الأمرين واستجاروا بالنار من الرمضاء

ولكن عندما سقط طاغية تونس بالسرعة الفائقة , مع خسائر قليلة  تلمس الحكام ورقة التوت ,هل مازالت في مكانها؟

فلم تحدث في تونس معارك وهمية كما كان يصورها النظام , وجعل النظام المصري شعبه على حافة الهاوية , في أن أي رياح تطيح في هذا النظام , فمصر مهددة تهديداً حقيقياً , ونشرت المخططات الإسرائيلية والأمريكية السرية , عن السعي لتقسيم مصر لدويلات طائفية , واصطنعت معارك بين المسلمين والأقباط , والنظام هو حامي الحمى للحمة الوطنية بين الشعب المصري وأبنائه , في مقابل ذلك الظلم والفساد والتغييب في المعتقلات وتدمير البلاد والعباد اجتماعيا واقتصاديا , ونزع الثقة من نفوس الشعب المصري , وإذلاله في الداخل والخارج

ولكن الشعب المصري عندما نهض من مستنقع النظام ليكون وبالا عليه والتخلص منه وتجفيفه والتخلص من روائحه العفنة وآفاته المفترسة , وقد سبق ذلك بالتحريض الطائفي في تفجير كنيستي الإسكندرية , وقف الشعب المصري يداً واحدة , وهتف بشعار واحد  فليسقط النظام

أقباطه ومسلموه في صلوات منفصلة في مكان واحد , يحرس القبطي المسلم عندما يصلي ويبادله المسلم نفس الحالة في صلاته من مجرمي النظام

ولم يستطع النظام استيعاب الموقف , فأصر على سلاحه القديم وإلقاء التهمة على رجال الثورة , وارتباطهم بأجندات خارجية , ويمثلون بحركتهم هذه أهداف لدول عدوة لمصر

فسخر الشعب المصري من نظامه , ولم يلتفت لتلك الاتهامات القديمة والحديثة المكررة والممضوغة والعفنة , فأسقط بثورته هذه سلاح المؤامرة وسلاح حفظ الأمن مقابل بقاء الاستبداد

يستخدم النظام السوري القمعي والاستبدادي نفس السلاحين وبشكل أكبر وأشمل في :

أنه مجاور لدولة عدوة هذه الدولة تفرض على النظام , العمل بقانون الأحكام العرفية ويذيق الشعب كما أذاقه بويلات تطبيق هذا القانون والمستمر منذ خمسين سنة , أبشع أنواع الجرائم الأمنية التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب السوري , مضافا إليها قوانين استثنائية , هذه القوانين الاستثنائية منها ما هو يبيح لرجل الأمن فعل أي جريمة وهو بعيد عن المحاسبة القانونية , بالإضافة لقانون الحكم بالإعدام على الفكر , وتعطيل المحاكم وتفريغها قانونيا بحيث يكون الحكم بيد الأمن فقط , والقاضي ما عليه إلا النطق بالحكم المقدم من الجهاز الأمني السوري , وتحويل المدنيين لمحاكمات عسكرية ميدانية

 وكانت أزمة العراق الورقة الرابحة للنظام , والكرت الأحمر المشهور بوجه الشعب السوري في أنكم إن لم تقبلوا بالأمن مقابل الاستبداد فمصيركم حرب أهلية طائفية

فالمجتمع السوري  متعدد الطوائف والقوميات وهو مهيأ للدخول في هذه الحرب , بين العرب والأكراد وبين السنة والشيعة وبين العلوية والسنة والمسيحية وفئات الشعب السوري المختلفة , وحتى يجعل الوهم حقيقة في قلوب وعقول المواطنين , اتبع خطط ووسائل في المجتمع السوري لكي تبدو للعيان أن هذا سيحصل قريبا في حال التخلص من النظام المستبد والقمعي في سورية

فحكم باسم الطائفة التي ينتمي لها النظام , وركز الظلم على الطائفة ذات الأغلبية في الوطن السوري , وجعل من طائفته العدو الأكبر لباقي فئات المجتمع السوري , مع أن نظامه نظام أسري متسلط وقع ظلمه على كل فئات المجتمع

ولم يكتف بذلك فسهل للنظام الإيراني الدخول في عمق تركيبة المجتمع السوري , وإطلاق حرية الحركة وبناء الحسينيات في سورية والدعوة للمذهب الشيعي علنا , حتى يزيد من انقسامات الشعب الطائفية والمذهبية , وكذلك ركز ظلما مضاعفا على فئة عرقية أخرى في المجتمع السوري وهم الأكراد السوريون ليحرمهم من حقوقهم الكثيرة , ونزع حقوق المواطنة عن عشرات الآلاف منهم

في العراق كانت سبب الفتنة فيها هم الأحزاب والاستعمار , وهذه الأحزاب لولا الدعم الأمريكي العسكري من المستحيل أن يكون عندها القدرة على الدخول في متاهات الحرب الأهلية , لأنها لن تجد لها رصيداً يذكر , فعمل الاستعمار على مقولته السابقة (فرق---- تسد)

فلقد أثبتت الثورة المصرية ضد النظام الفاسد فيها , أن ورقة العمالة واهنة جدا ولا يمكن للنظام التستر فيها , وأن الورقة الثانية الخوف من الانزلاق في حرب طائفية لهي أوهن منها بكثير , وأنه لا توجد عداوة لا عرقية ولا طائفية بين الشعب الواحد

وإنما هي وسيلة للنظام وجدار حماية له يروجها لبقائه على السلطة في مقابل الأمن , مع أن هذا الأمن وهو السخرية بحد ذاتها في معنى كلمة الأمن من هذا الأمن المروج له , فالأمن هو أمن النظام ووبال على الشعب , والقتل والتعذيب وسرقة أموال الشعب وعصابات النظام العائلية لهي أشد وقعا من أي عدوان خارجي

فعلى الشعب السوري أن يخرج من عمقه هذا النوع من الخوف , وعليه أن ينزع أوراق التستر عن النظام المستبد , ليثبت للعالم أنه لا يمكن إلا أن يكون شعب واحد , وأن يسقط ذرائع النظام تلك في أننا شعب واحد نعيش على تراب واحد وفي وطن واحد تجمعنا الصلة والقرابة وسر الوطن.