لا للحرية والديمقراطية للعرب

م. محمود الدبعي

لا للحرية والديمقراطية للعرب

م. محمود الدبعي

حينما تسأل غالبية المعادين للإسلام بالغرب والذين يتخوفون من حكم الإسلام : هل قرأتم القرآن ؟ وهل تعرفون شيئاً عن شرائع الإسلام ؟ و هل تعرفون أي شيء عن رسول الإسلام ؟ و هل لكم أصدقاء مسلمين ؟ سيقولون لك لا... و بالرغم من أنهم لا يعرفون كل ذلك ينادون بمحاربة القرآن و نبي الرحمة و الإسلام و يطالبون بترحيل المهاجرين المسلمين الى أوطانهم الأصلية و ينشرون ثقافة الخوف (الإسلاموفوبيا) بين الغربيين من خلال مشاهدة بعض مقاطع على اليوتيوب فيها مشاهد عنف لإسلاميين والتي ترسخ لديهم قناعات أن الإسلام دين عنف وإرهاب !!

إنه التعصب الأعمى المنتشر في كل المجتمعات الغربية و الذي لا يرى أمامه سوى الحقد والكراهية البغيضة ، يتخوف من مشاركة الإسلاميين في الحكم من خلال الإحتكام لصناديق الإقتراع لأن الكثير منهم على قناعة أن الإسلام هو إرهاب وعنف ، وأن هذا الكلام موجود في القرآن الكريم الذي لم يكلف أحد حاله بقراءته ، و فورهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بدأت الآلة الإعلامية الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية تؤصل لفكرة أن الجناة هم إرهابيين مسلمين ، وأن الإسلام هو من أمرهم بذلك وأن هذا موجود في كتابهم المقدس، بل أن في بعض بلادنا العربية و الإسلامية من كان يقر ويقسم بأغلظ الأيمان بأن ضرب البرجين منصوص عليه في القرآن ولو فتحت سورة التوبة آية كذا لوجدت بالتفصيل العملية الناجحة لضرب البرجين . لهذه الأسباب شاهدنا اعتداءات همجية على القرآن الكريم حيث دنس و احرق و ديس عليه في الأحذية ووضع هدفا يتدرب عليه الجنود.

لم يكن الاستخفاف بعقول الناس والذي تبنته الآلة الإعلامية الغربية ، وصدرته لبلادنا العربية و الإسلامية ، وعارضت أي وجهة نظر أخرى مثل أن للفاعلين توجهات أخرى غير الإسلام ، وقضت تماماً على أي توجه آخر أو حتى أي احتمالات أخرى من أجل مصالح امريكا في حروبها  على الإرهاب في كل من أفغانستان والعراق .

لم يكن هذا الاستخفاف من قبيل المصادفة ، بل هي لعبة معروفة حيكت بمنتهى الدقة والإتقان ، ونشرت هذه الآلة الإعلامية شديدة الثراء والتأثير لدى الرأي العام فكرة أن الكتاب الذي يحتوي على دستور العنف والإرهاب للمسلمين ، و الذي يرسم لهم طريقة معيشتهم يؤثر في المسلمين تأثيراً خطيراً ،  و يربي الشباب المسلم على حمل السلاح و قتل الأبرياء.

زرعت الآلة الإعلامية الغربية الكثير من المغالطات في حق الإسلام و القرآن الكريم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وظهرت الشخصيات الموتورة  و التجمعات و الأحزاب من اليمين المتطرف في كل الدول الغربية بلا استثناء ، فوجدنا متعصب يقتل مسلمة في ألمانيا من أجل حجابها ، ووجدنا قائد باص يرفض أن تركب معه سيدة لأنها منتقبة ، ووجدنا متعصب يجذب سيدة من حجابها لأن شكلها لا يعجبه بالحجاب ، ونجد شخص يمشي في الشارع فيجد سيدة منتقبه فيبلغ الشرطة لأنه ارتاب فيها ، ونجد قوانيين حظر النقاب في الأماكن العامة في فرنسا ، ونجد قوانيين وقف بناء المآذن في سويسرا ، ونجد تضييق رهيب في بناء المساجد في معظم الدول الغربية بلا استثناء ..

لدرجة أن المسلمين في الغرب عموما لا يجدون مسجداً  جامعا للصلاة فيه ، و يكتفون بإستئجار الأقبية للفحفاظ على الشعائر الإسلامية و عدد المساجد التي بنيت بالغرب لا تكفي حاجة 15 % من المسلمين البالغ عددهم اكثر من 25 مليونا. حتى المدارس الإسلامية يضيق عليها بدعوى أنها تخرج إرهابيين محتملين. ماكنت اتتوقع أن يصل التعصب بالناس إلى هذه الدرجة – إنها العنصرية البغيضة التي لا ترحم ، وجهها حالك الظلمة وشديد السواد ، عيونها تطاير منها الشرارة كأنها رأس شيطان قادم من أعماق الجحيم .

الإسلام أصبح يضيق عليه في الغرب بحجة محاربة الإرهاب ،و لا تستطيع المنتقبة أن تسير بنقابها في شوارع باريس ولا المحجبة  تستطيع أن تسير بمأمن في الطريق دون أن تجد متعصب يضربها بسكين أو متطرف ينزع منها حجابها ، هذه هي بلاد الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان ، هذه هي البلاد المتقدمة التي تراعي آدمية الإنسان ولا تفرق بين الناس بسبب جنس أو عرق أو لغة أو دين .

كانت صدمة شديدة التأثير على حكام الغرب أن يستيقظ الواحد منهم يوماً ليجد تقارير محطات التلفزيون العالمية التي رصدت ثورة الشعب التونسي و التي اطاحت بزين العابدين بن على و مطالبة التونسيين بإقامة دولة العدل و القانون من خلال ممارستهم للديمقراطية في انتخاب ممثليهم  و  ما كادت تونس تستقر حتى برزت الحالة المصرية من خلال ثورة الشباب على نظام حسني مبارك و مطالبتهم برحيل الطاغية و حل مجلسي الشعب والشورى و تعديل الدستور ليصبح ديمقراطيا وشفافا. و صدرت التعليمات بإنفاق مئات الملاين من الدولارات في تشويه صورة الثوار و صورة الإسلام عبر إعلامهم البغيض و إعلامنا العربي الذي يعتاش على فتات الغرب، أو من خلال لفت الأنظار لخطورة تنظيم الإخوان المسلمون و أنهم بطريقهم لأسلمة مصر و بقاء نظام حسني مبارك هو الضمان الوحيد لحفظ الأمن والسلام في المنطقة.  ولكن رغم ذلك فثورة الشباب تحولت الى ثورة التغير و يشارك بها ملايين المصرين على مختلف مشاربهم و ثقافاتهم و اديانهم و افكارهم ، وسبحان الذي قال في كتابه ..

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }الأنفال

تحذر الصحف الغربية و محطات التلفزة ، وصحف اليمين المتطرف فى تقاريرها عن الصحوة الشعبية، من تنامى مشاعر العداء للغرب في تونس و مصر. و نشاهد ملصقات يوزعها اليمين المتطرف كتب عليها "أحب الحرية.. وأحارب الإسلام"، و يعقدون المؤتمرات تحت شعار "لنتصدى لأسلمة أوروبا"، المتشددين الإسلاميين يجب وضعهم تحت مجهر الأجهزة الأمنية، و برزت رسوم كاريكاتورية جديدة مسيئة للرسول في الدنمارك والسويد...  وعبّروا جميعهم عن خوفهم على الأقليات المسيحية بالوطن العربي و خاصة في مصر والعراق بعد سلسلة هجمات استهدفت كنائسهم خلال الشهور الماضية، كان أعنفها الهجوم على كنيسة "سيدة النجاة" بحي الكرادة وسط بغداد الذي أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصًا و الهجوم على كنيسة القديسين بالإسكندرية  والذي ادى الى مقتل اكثر من 20 شخصا و جرح العشرات وسط مطالبات من بعض المسيحيين بمنحهم حكمًا ذاتيًا في العراق و مصر.

 ونقلت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية عن ايزلا اوسجور المسئولة في الاتحاد السرياني الأوروبي وهي سويدية من أصل تركي "نريد أن تتخذ الأمم المتحدة قرارًا بإنشاء منطقة حكم ذاتي في العراق لشعبنا". و تحذر الصحف الغربية أن حزب الله الشيعي سيفرض سيطرته على لبنان بعد نجاح الحزب بتجميع اكثرية برلمانية اطاحت بحكومة سعد الحريري و أن الحزب سيشكل دولة شيعية تسير على النهج الإيراني. وتخشى الصحف من تصاعد العمليات الإرهابية في اليمن و أن تتحول الى مركز للقاعدة يهدد مصالح الغرب في المنطقة. و لكن سرعان ما وجهت أصابع الإتهام للأجهزة الأمنية الرسمية و التي تريد احداث فوضى و تمرير مخطط شيطاني لتصفية المعارضين و زعزعة الأمن في مناطق تجمع الأقليات غير المسلمة.  

من الواضح أن ملف الاهتمام بالإسلام عاد إلى الواجهة، بعد ثورة الشعبين التونسي و المصري ولكن طبعًا بالصورة السلبية التي يقدم بها عادة وهو ما يعكسه تناول الإعلام عبر بث التقارير الأمنية المحرضة ضد المسلمين والتنظيمات الإسلامية. إن الإسلاموفوبيا تحولت إلى داخل المؤسسات الأوروبية ذاتها وإن كانت في السابق تتمثل في اتهام هذا أو ذاك بالإرهاب.. فإنها اليوم أصبحت تمس رموز الإسلام ذاته، فعلى سبيل المثال عندما تدخل امرأة محجبة إلى إدارة حكومية من أجل وثيقة أو غيرها فإن أول ملاحظة يرددها الموظفون هي "انزعي حجابك من فضلك فنحن في أوروبا.