نعم سورية ليست مصر ولا تونس
محمد فاروق الإمام
[email protected]
سألني العديد من الأصدقاء والمعارف في مكان إقامتي في منفاي
القسري عن عدم قيام جمعة الغضب التي نادى إليها الشباب السوري عبر الأنترت
والفيسبوك مطالبين برحيل بشار الأسد ولنظام البعث الشمولي الحاكم في سورية، والتي
كان من المفترض قيامها يوم الجمعة الماضية تزامناً مع قيام جمعة الرحيل في مصر، ولم
يحرجني هذا السؤال كون الإجابة حاضرة على لساني، وهي نفس الإجابة التي رد بها رأس
النظام في سورية بشار الأسد في مقابلته مع صحيفة (وول
ستريت
جورنال) على الصحفي الذي حاوره: (إذا أردت أن
تتحدث عن تونس ومصر، فنحن خارج هذا الأمر. وفي النهاية، نحن لسنا تونسيين ولسنا
مصريين).
النظام السوري هو ليس النظام المصري ولا النظام التونسي رغم
قسوة قمعهما للشعب في ذينك البلدين، فسورية التي تُحكم بقانون الطوارئ والأحكام
العرفية منذ نصف قرن، وسورية التي يحكمها العسكر وأجهزة الأمن والمحاكم العسكرية
والاستثنائية لنصف قرن، وسورية التي تقلب على قمع شعبها الحرس القومي ثم الوحدات
الخاصة ثم سرايا الدفاع وشبيبة الثورة، ثم أجهزة الأمن القومية والجوية والحرس
الجمهوري، سورية التي يقود المجتمع والدولة فيها حزب البعث الشمولي، ويتدخل بمفردات
حياة المواطن السوري منذ ولادته وحتى يطوي جسده الثرى منذ نصف قرن، ويمنع قبول أي
مواطن سوري مهما بلغت درجة كفاءته من القبول في وظائف الدولة أو الإلتحاق بالبعثات
العلمية إلا إذا كان بعثياً وعضواً عاملاً فيه، وجيش سورية ليس جيش مصر ولا جيش
تونس اللذان لم تدنسهما لعبة النظام القذرة ولم تتمكن من تدجينهما وإفسادهما كما
فعل النظام السوري في الجيش السوري، فقد كان أول عمل لحزب البعث الشمولي بعد نجاح
انقلابه في الثامن من آذار عام 1963 تسريح المئات من الضباط وضباط الصف المحترفين
الوطنيين غير المسيسيين، ومنع دخول الجيش أو القبول في مراتبه إلا الفاشلين
والمنحرفين والمنسلخين عن دينهم وأخلاق الإسلام وقيمه، والمنتسبين لحزب البعث
الشمولي حصرياً.. من هنا نؤكد على ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد: (سورية ليست
تونس ولا مصر).
جمعة الغضب التي نادى إليها لفيف من الشباب السوري المحتقن الذي
ولد ولم يعرف في حياته إلا الأسد وبحيرة الأسد وغابات الأسد وجداريات الثالوث
الأسدي (حافظ وباسل وبشار) التي تغطي الميادين والساحات العامة وواجهات وغرف
المؤسسات ودوائر الدولة والقطاع الخاص في دمشق والمدن السورية، وحرب تشرين
التحريرية وأسد إلى الأبد، وثالوثنا المقدس (وحدة حرية إشتراكية) وقول الشاعر: آمنت
بالبعث رباً لا شريك له .. وبالعروبة ديناً ما له ثاني، وبالروح وبالدم نفديك يا
بشار وبنحبك يا بشار، وبالمناسبة أروي هذه الطرفة: دخلت مرة إلى سفارة بلدي سورية
في البلد المنفي إليه قسراً فهالني ما شاهدت في قاعة الانتظار، فقد كان السقف
والجدران ملصوق عليها صور السيد الرئيس بشار الأسد بألوان صارخة مكتوب في أسفلها
(بنحبك) فقلت لأحد موظفي السفارة: لماذا نسيتم أرضية القاعة؟ فلم يعرف قصدي، فقال:
ما لها أرضية القاعة؟ قلت له: لقد نسيتم فرشها بصور السيد الرئيس بشار الأسد،
وعندما عرف قصدي التفت حوله مستنكراً: ماذا تقول؟ قلت له: لقد فضحتونا هذه سفارة
وليست مسرح أراكوز!!
نعم سورية ليست مصر أو تونس فصبراً أيها السوريون وصبراً ياشباب
الوطن، فلا بد أن تُعملوا العقل لتهتدوا إلى طريقة مختلفة عما فعل الشباب في تونس
وعما فعل الشباب في مصر، فلتونس خصوصيتها ولمصر خصوصيتها، تستطيعون من خلالها وبأقل
التضحيات الخلاص من حزب البعث الشمولي ورأسه، والمافيا الفاسدة التي حكمت سورية
ونهبت ثرواتها، وأهدرت كرامة المواطن السوري وأذلته وقمعته منذ نصف قرن!!