لن تسرقوا ثورة أبناء الكنانة

حسام مقلد

حسام مقلد *

[email protected]

بكل أسف لم يستمع مبارك لأية نصائح، ولم يستجب لأية مناشدات وجهها له العقلاء بالتنحي الهادئ والرحيل الآمن وتَرْكِ الشعب يقرر مصيره بكامل إرادته الحرة واحترام خياراته، وبدلا من ذلك أظهر هذا الطاغية الطاعن في السن قدراً هائلا من العناد والتشبث بالسلطة رغم أن شيخوخته بادية جدا عليه، وما كان أجدره في مثل هذه السن أن يرحل بهدوء ويحقن دماء شعبه ويحمي وطنه من الفوضى، ولا أدري حقيقة ما سر كل هذا العناد؟ ولا أعرف سببا مقنعا لكل هذه الرغبة الجامحة في البقاء في الحكم، فكبر السن والشيخوخة والموت كل هذه حقائق إنسانية لا مجال للشك فيها، وعناد مبارك وصلفه وغروره أمر غير مفهوم وضد السنن الكونية والنواميس الإلهية، ومنافٍ تماما لما تقتضيه طبائع الأمور والأشياء!!

وفي ظل ثورة الشعب المصري المجيدة ورغبته العارمة في تغيير النظام وتحقيق الحرية والديمقراطية الحقيقية جرى الإعداد لمؤامرة خبيثة ترمي إلى اختطاف هذه الثورة المباركة، وهذه المؤامرة الخبيثة عنوانها الفوضى، وأسلوبها السلب والنهب والتخريب والترويع لإلقاء الرعب والفزع والهلع في القلوب، وكان مثيراً للشك والريبة منذ البداية الانسحاب التام لرجال الشرطة وجنود وزارة الداخلية من الشارع، والجميع يعرف أن منسوبي هذه الوزارة من الضباط وأمناء الشرطة والجنود يعدون بمئات الآلاف فأين ذهب كل هؤلاء؟! وكيف انسحبوا من الشارع بهذه الصورة المريبة؟! ولِمَ لا يقومون بدورهم في حفظ الأمن؟! وما سر اختفائهم بهذه الطريقة المفاجئة؟! وهل اختفوا بالفعل أم تحول دورهم لإحداث الاضطراب والفوضى وحرق أقسام الشرطة وإخراج المجرمين والبلطجية والمسجلين خطر لإحداث موجات من التخريب والتدمير والإحراق والسلب والنهب؟!! كل الشواهد تدل على أن النية كانت مبيتة لاختطاف ثورة الشعب المصري وتخويفه بالفوضى والفلتان الأمني!! وتخويف الشعوب العربية من القيام بثورات مماثلة!!

والسؤال الآخر هو أين ذهب المسؤولون المصريون خلال اليومين الأولين من الثورة؟! لماذا لمْ نستمع لأي واحد منهم؟! لماذا تُرِكَت الدولة لهذا الفراغ السياسي والأمني المتعمد والخطير؟! إن الثورة المصرية ثورة شعبية سلمية قام بها شباب مصر المثقفون الشرفاء من الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها، فلِمَ يتم تصويرها على أنها ثورة للجياع؟! ولِمَ يتم تخويف الناس من غضبة الرعاع والبلطجية وسكان العشوائيات؟! والله إن هذه لمؤامرة شريرة خبيثة!!! مؤامرة خارجية وداخلية لاختطاف الثورة المصرية والالتفاف عليها، وتشويهها حتى لا تُؤتِي ثمارها الإيجابية، ولا تكون نموذجا ومثلا تقتدي به الشعوب الأخرى في المنطقة.

لكن أيها الشباب أيها الرجال أيها المصريون الشرفاء اثبتوا وتماسكوا، أيها الأحرار الشرفاء كونوا على قدر الحدث، كونوا على مستوى وطنكم، وعلى قدر ثقله وحجمه التاريخي ووزنه العربي ومكانته الدولية، أيها الأبطال احموا ثورتكم، لا تستكينوا، لا ترضوا بالحلول الوسط، لا ترضوا بأي تغيير شكلي لا يحقق مطالب الشعب، الكل يريد رحيل مبارك ونظامه الفاسد المستبد الذي ضيع مصر وشعبها وكان سببا في تخلفها عن ركب الحضارة والتطور، وتأخرها في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير الحرية والكرامة لكل مصري ومصرية!! فاثبتوا واصبروا وتماسكوا واتحدوا،  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [آل عمران : 200].

                

 * كاتب إسلامي مصري