لقد فشلت في الرهان, أيها الحاكم المغرور والمستبد

د.عبد الغني حمدو

لقد فشلت في الرهان,

أيها الحاكم المغرور والمستبد

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

اعتاد الحكام العرب على الرهان , والرهان كان دائماَ هو :

إنني الحاكم الأوحد والذي لا يعترض عليه أحد , وهذا الرهان أكسبه في كل استفتاء , ولا يمكن أن يكسبه غيري والسبب:

أنني أسير على خطط مرسومة , لا تقبل الخطأ , هذه الخطط  آتية من محورين

المحور الأول : مكاني محفوظ ورهاني أكسبه دائما , في أنني كسبت الرأي الخارجي المؤثر , وأرضيت غرورهم وأمنت لهم كل مصالحهم , ووهبت لهم  حريتي كلها , فأصبحت عندهم العبد المخلص

المحور الثاني : عملت حفلة شواء  , ودعوت إليها الناس , فاستجاب للحفلة عدد كبير من الناس , ولما تجمعوا حول الطعام قلت لهم :

هذا لحم بشر من عامتكم , فمن طعمه فهو مني , ومن لم يطعمه فهو ليس مني

فمن منكم يستسيغ هذا الطعام ؟

فالذين أكلوا منه كانوا خاصتي , والذين رفضوه كان السجن مصيرهم

فهؤلاء الخاصة عرفت أنهم في مقابل رغباتهم , لا يتورعون عن فعل مشين أبداً , وهم كحيوانات شرسة همها الوحيد هو الشهوة والسيادة على الآخرين , فكان منهم ما أردت , وفوق ما أريد

التعذيب والقهر والاغتصاب , والسرقات , والعمل على إفساد القيم والأخلاق وتحويل الناس لأشكالهم , وتمزيق المجتمع , ونزع الثقة من النفوس , والتمجيد لي وباسمي فقط , وتحول الناس لعبيد , وبهم وعليهم وبذلهم وخذلانهم وتسليمهم , أكسب الرهان

وظن نفسه هو الإله , ومن حوله له ساجدون ومادحون

فالعامة من الشعب ركنت من الخوف والفقر والحاجة

ورجال الأعمال لا يهمهم سوى المال والسياسة عندهم هو زيادة الثروة  فقط

وبقي الخطر الوحيد الكامن في عقول المفكرين , فمن عاند منهم كان القبر أولى فيه , ووزعتهم لفرق ونحل , واشتريت البعض , فكانوا من الحاشية

وبذلك كان يكسب الحاكم الرهان

فلا مجال للسقوط , فلا يوجد عدو خارجي له ,قوي يمكن أن يزيحه من مكانه , لأنهم لم يجدوا خيرا منه لمصالحهم وأمنهم , ولا ثورة شعبية تطيح فيه , فالأمة ممزقة , ومحكومة بآكلي لحوم البشر

سنين طويلة مرت , والرهان الذي راهن عليه الحاكم , ثابتا لا يتغير

وكانت المفاجأة العظمى , والتي صعقت الحاكم العربي ثورة تونس , ثورة الجياع والبطالة وقمع الحريات , ولم يستطع حاكم تونس الصمود أقل من شهر , مع أنه كان يكسب الرهان لثلاث وعشرون سنة كانت قد مضت أو مرت

لقد قامت ثورات مشابهة في أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة , كانت تلك الثورات مدعومة من القوى الإمبريالية , والمفاجأة الكبرى هي:

أن الإطاحة بالظالم كانت داخلية بحتة ليس لها دعم ولا تشجيع من أي طرف في العالم ونجحت , وسقط المحور الأول في الرهان , أن هذه الأنظمة المستبدة لا يمكن إسقاطها إلا بواسطة تلك الدول , وسقط رهان الحاكم ورهان الدول المناصرة له في حركة واحدة , بانتفاضة شعب لم يستطع الصبر على العبودية أكثر من ذلك

وبقية الحكام لم تتعظ , وقالوا نحن محصنين أكثر , ولا نشبه الآخر , ولم تصل كلماتها إلى أذنهم , حتى ظهرت في مصر لتقول للحاكم فيها جاء دورك , وبنفس الأسلوب

ولم ينفع الدعم الخارجي ولا من حول الحاكم , على موائد اللئام , فهربوا وتركوه , ليلاقي مصير الحاكم المستبد عندما يحين وقت القصاص منه ومن ذويه وحاشيته

ففشل الرهان عند ابن علي هذه السنة , وأعقبه فشل الرهان عند مبارك

وحتما الرهان سيفشل عند البقية , ولكن يوجد عندهم طريق واحد , أو مسلك واحد , للحفاظ على أسرته وما تبقى من حياته

هذا الطريق هو الوحيد , وعليه أن ينفذه فوراً , لكي لا يضيف جرائم أخرى لجرائمه السابقة , ومزيد من الخراب والدمار للوطن , والكثير من سفك الدماء

وهو الخروج بهدوء

أن يلغي الأحكام العرفية , ويخلي المساجين من معتقلي الرأي , ويحل البرملان الشكلي , وحرية تعدد الأحزاب , والدعوة لتشكيل حكومة إنقاذ وطنية مهمتها التمهيد لصياغة دستور جديد في البلاد , وإجراء انتخابات جديدة في مدة لا تزيد عن ستة شهور

ولم يبق بيديه إلا هذا الرهان , وفي هذا الرهان يكسب وجوده في وطنه هو وأسرته , ويجنب البلاد والعباد مآسي كثيرة , هذا إن كان عنده ذرة من تفكير سليم