بعد أن قتل الأب ...خامنئي يسقط الابن..

احمد الأحمدي

احمد الأحمدي

بات واضحا أن واقع العراق السياسي اليوم مشابه إلى حد التطابق مع واقع لبنان , فكل الخيوط في كلا البلدين تمسك بها إيران. وان إيران إذا دخلت أرضا أفسدتها وجعلت أهلها أذلة .. ومع إن معادلة الأكثرية والأقلية معكوسة في البلدين إلا أن ذلك لا يعني لإيران شيء ما دامت قد أحكمت سيطرتها على مقدرات وسلطات البلدين . فحسن نصر الله  هو دولة كاملة السيادة داخل كيان الدولة اللبنانية, غير انه موال بشكل كامل الولاء لإيران, باعتبار أن مرجعه الديني الأعلى ونائب المهدي الذي بيده سلطة الدين والدنيا موجود هناك. حتى انه لا يترك مناسبة إلا ويعبر  فيها عن ولائه وإتباعه لقائده وولي أمره وامتداد المهدي, الولي الفقيه ,الخامنئي. فيما تسعى ايران جاهدة لاستنساخ تجربتها اللبنانية في العراق عن طريق دعم مقتدى الصدر, الذي لم يستطع ان يرقى لدرجة حسن بسبب الفوارق الشخصية والثقافية والكارزمية, حتى بعد 3 سنوات قضاها في التدرب على القيادة في ايران .

نعم كل شيء بيد ايران. وما حادثة اسقاط الحكومة اللبنانية الا دليل على ذلك . ولفهم ملابسات الموضوع دعونا نبحث في التفاصيل . حيث يمكث الشيطان دائما في التفاصيل. الجميع يعرف ان حسن نصر الله وحزبه ما كان لهم ان يحركوا ساكنا ولا يضعوا حجرا على حجر دون اذن الولي الفقيه, فهو كما اسلفنا يحمل اعلى صفات القداسة حسب نظرية الولي الفقيه المعصوم, التي جاء بها الخميني في ستينات القرن الماضي والتي كانت مثار جدل واعتراض من قبل اصحاب النظرة  الشيعية الاصولية, التي تتخذ من النجف مقرا لمدرستها عبر مر القرون,  والتي ينادي اصحابها والى يومنا هذا ان كل راية تخرج قبل راية المهدي المعصوم هي راية باطلة لا ينبغي الوقوف معها. اما الخميني وخلفه الخامنئي فقد وضعوا حدا لتلك المدرسة من خلال طرحهم الجديد الذي يقول ان العصمة ليست حكرا على المهدي المنتظر فقط, بل يمكن الوصول الى درجة العصمة عن طريق الدرس والاجتهاد. وهذا ما يؤمن به حسن نصر وبايع الخامنئي عليه .غير ان مرجعية النجف ما زالت تنظر بانزعاج الى تلك النظرية باعتبارها خروجا على فكر السلف الشيعي الذي يرى ان العصمة موقفة على الذكور من نسل علي بن ابي طالب (رض).

حسن نصر الذي يتهم حزبه بالوقوف خلف جريمة اغتيال الحريري, لم يكن في الحقيقة سوى منفذ لرغبة قائده, الذي تعتبر طاعة  أوامره طاعة لله ولرسوله ولأهل البيت. وحيث ان الحريري الاب وهو السني قد انتشل لبنان من مصاف الدول الفقيرة الى مصاف الدول سريعة النمو المترافق  مع حملة علاقات دولية واسعة, فقد دق ناقوس الخطر عند الخامنئي . اذ ان هذا السني الصاعد قد يضرب مثلا على النموذج الانساني الراقي,  قد يصبح عبئا على النموذج الايراني الذي يتخذ من التشيع غطاء لمد نفوذه الامبراطوري في المنطقة , لذلك كانت تصفيته  امرا لابد منه. ولان هذه المعلومة هي ما توشك ان تفضحها  المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري . فقد كان لزاما على ايران ان تحرك جنودها في لبنان لعرقلة وتخريب الاجواء اللبنانية واسكات صوت الحق . لذلك قام حسن نصر الله باصدار الامر الى جنوده الذين يتسنمون المناصب الوزارية في لبنان للانسحاب من الحكومة بهدف اسقاطها. ولان عدد الوزراء الموالين له عشرة . واسقاط الحكومة يتطلب انسحاب احد عشر وزيرا لذلك فقد وجبت طاعة الاوامر الايرانية وبشكل ملزم  لجميع الشيعة اللبنانين حتى من هم خارج منظومة نصر الله وقد تحقق اسقاط الحكومة والامتثال للامر عندما انسحب الوزير عبد الحسين وهو المرشح اصلا من قبل رئيس الجمهورية المنتمي الى الطائفة المسيحية.  قد يتظاهر حسن بالخوف او الحرص على اعضاء حزبه ولكن الحقيقة انه انما يخاف على سمعة مرجعه الديني الذي امره بالقتل. لان تلك المحكمة لن تقف عند حدود اتهام منفذي عملية الاغتيال بل و لابد ان تمتد لمعرفة  وفضح الراعي الاكبر لتنفيذ تلك الجريمة. وهو ما لا ينبغي المساس به (من جهة نظر حسن نص الله) . وهكذا سقطت حكومة سعد الحريري بجرة قلم ايراني . وبناء على ما تقدم ينبغي على الجميع ان يعلم ان العراق وبعد ان خضع للسلطة الايرانية فانه لن يخرج منها الا بالقوة . وان كل المحاولات التي قد يلجاء اليها السياسيون العراقيون من غير الموالين لايران (في المستقبل طبعا) لن تاتي بنتائج جدية لخروج العراق من سطوة القبضة الايرانية التي احكمتها على العراق. فلإيران عشرات السيناريوهات المعدة لابقاء العراق تحت السيطرة , سياسيا وعسكريا واقتصاديا بل وفكريا واجتماعيا ايضا . إيران اليوم لها القدرة على اصابة اي حكومة عراقية حالية ومستقبلية  بالشلل ان هي خرجت عن طاعتها  ويكفي ان تنظر للعراق اليوم نظرة عاجلة وبلا تمحيص لكي تعرف حقيقة ما ذهبت اليه. ولعلي لا افشي سرا ان قلت ان نفوذ ايران لن يقتصر على لبنان والعراق فعما قريب ستشهد منطقة الجوار الايراني تسابقا لكسب رضا وليها الفقيه في محاولات  لتجنب شروره. ولكن ساعة مندم فالخطة الايرانية الخمسينية هي في طور طرح الثمار التي كان يزرعون بذورها منذ 30 عاما . ولكن يبقى بصيص الامل قائم .ورغم ان الثقة بزعماء المنطقة قد وصل الى الحضيض الان الثقة بالشعوب الحرة باق بعد الثقة بالله. فان نجى نظام ايران من غضب الشعب العراقي فانهم لن ينجو من غضب شعب ايران الذ تضطرم نيرانه...وما احداث تونس منا ببعيد.