امبراطورية السلام الأمريكية
امبراطورية السلام الأمريكية
جميل السلحوت
تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون بخصوص مشروع القرار الفلسطيني المقدم لمجلس الأمن الدولي، بخصوص الاستيطان الاسرائيلي في أراضي الدولة الفلسطينية، تؤكد من جديد عدم جدية ادارة الرئيس أوباما في السعي لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، وأن الادارات الأمريكية المتعاقبة تتساوق مع المشروع الصهيوني القائم على التوسع والاحتلال، فالوزيرة الأمريكية تقول بخصوص مشروع القرار الفلسطيني"يتوجب على الجانبين الإسرائيلي الفلسطيني التوصل إلى تسوية سلمية ولا يمكن لأي نشاط في الأمم المتحدة أو في أي من المنتديات الدولية الأخرى أن يساعد على تحقيق هذا الهدف". وهي بهذا تؤكد رضوخ ادارة الرئيس أوباما لسياسة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو التي تواصل فرض سياسة الأمر الواقع من خلال البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وجوهرتها القدس، مما يجعل امكانية اقامة دولة فلسطينية أمرا خياليا...وهي بهذا تتنكر للشرعية الدولية وللقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي، بل تصل الى درجة تشريع الاحتلال وتأييد ارهاب الدولة الذي يتمثل في استمرارية احتلال أراضي الغير، فوقف الاستيطان من خلال مجلس الأمن الدولي أو المنتديات الدولية غير ممكن حسب رأي الوزيرة الأمريكية، وعلى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي التوصل الى تسوية سلمية، وما لم تقله الوزيرة هو أن على الفلسطينيين الاستسلام لشروط نتنياهو التي تثبت يوما بعد يوم أنه لا لدولة فلسطينية غربي نهر الأردن، وأن دولة الفلسطينيين هي في الأردن كما أكد ذلك نتنياهو في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان" مكان تحت الشمس" وهذا كرم من نتنياهو لأن اراضي المملكة الأردنية الهاشمية-حسب زعمه- جزء من "أرض اسرائيل" التي تطل على الصحراء العربية، والمقصود طبعا هو الجزيرة العربية، ولا حاجة للتذكير بكيفية تراجع الرئيس أوباما عمّا طرحه في خطابه الموجه للعرب والمسلمين في جامعة القاهرة في حزيران 2009، تماما مثلما هو الاحتلال العسكري الاسرائيلي المستمر للأراضي العربية منذ الخامس من حزيران 1967 بالسلاح والمال الأمريكي، وأن الاستيطان ممول أمريكيا على حساب دافع الضرائب الأمريكي، أو من خلال تبرعات اليهود الأمريكيين المعفاة من الضرائب، مثلما يفعل اليهودي الأمريكي موسكوفيتش الذي يدعم تهويد القدس العربية المحتلة واستيطانها بعشرات ملايين الدولارات سنويا، والمراقب للسياسة الأمريكية بخصوص القضية الفلسطينية والدول العربية لن يحتاج الى كثير من الذكاء ليستنتج أن أمريكا تشن حربا مفتوحة على العرب، فهي الممول لاسرائيل بالأسلحة والمال، وهي التي تستعمل حق النقض-الفيتو- باستمرار في مجلس الأمن الدولي لمنع أيّ ادانة للسياسات الاسرائيلية العدوانية، وهي التي دمرت العراق واحتلته ولا تزال، وقتلت أكثر من مليون مدني عراقي، وما يتبع ذلك من عائلات ثكلى وملايين الأطفال الأيتام والنساء الأرامل، وتغذية للطائفية وتمزيق هذا البلد تمهيدا لتقسيمه، ودعم مجموعة السراق واللصوص الذين عادوا لحكم العراق على ظهور الدبابات والطائرات الأمريكية، وهي وحليفتها اسرائيل الداعمتان الرئيسيتان لحركات الانفصال في جنوب السودان وغربه-اقليم دارفور- وهي الداعمة والحامية للأنظمة القمعية الحاكمة في بعض الدول العربية، وهي الرافضة لأي نتائج انتخابات ديموقراطية في العالم العربي ان لم تكن نتائجها حسب المواصفات الأمريكية والاسرائيلية. وهي التي تعمل على تفتيت وحدة أراضي الدول العربية تنفيذا لمشروعها" الشرق الأوسط الجديد" الذي طرحته في عهد الرئيس الأسوأ جورج دبليو بوش. وكل ذلك تمارسه أمريكا التي تملك اكثر من خمس عشرة قاعدة عسكرية في المشرق العربي وحده.
فهل كانت أمريكا ستواصل هذه السياسة لو أنها سمعت كلمة"لا" من القادة العرب؟ لا لمزيد من الاذلال، ولا لمزيد من امتهان الكرامة، وكفى للاحتلال...فالعلاقات بين الدول تقوم على المصالح، ومصالح أمريكا في العالم العربي كبيرة جدا، لكن أمريكا على قناعة بأن مصالحها مؤمنة في الدول العربية من خلال اسرائيل قوية وعرب ضعفاء، وغالبية القادة العرب لا يعارضون ذلك، لكن أمريكا وبعض القادة العرب لم ينتبهوا الى أن الشعوب العربية لن تسكت الى الأبد، وقد انطلقت الشرارة من تونس، فهل وصلهم لهيب نارها؟ وهل يتعظون من ذلك؟ والدلائل تشير أن الطغاة والامبرياليين لا يتعلمون من التاريخ.