تجميل الوجه الأميركيّ

د. محمد بسام يوسف

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

لِيُغمض كل منا عينيه، ثم ليتخيّل أو يحلم بأنّ مصّاص الدماء (دراكولا)، قد تحوّل إلى مخلوقٍ وديع، يملك وجهاً أبيض اللون يُشِعّ نوراً وضياءً، كالقمر الذي عكّر أجواءه الأميركيون حين وطئت أقدامهم سطحه، أو كمصباحٍ أبيض اللون من تلك التي تُستخدَم لتوفير الطاقة!.. ثم لنتخيّل (دراكولا) هذا، ذا الوجه الأبيض المشعّ، مستلقياً على سريرٍ فضيّ، ومتدثّراً بغطاءٍ حريريٍّ ناعمٍ ناصع، يزيد جسمَه ذا اللون الورديَّ نوراً على نورٍ وطُهراً على طُهر!.. وذلك في فندقٍ فاخرٍ من فئة السبع نجوم، حيث يتجمّع حوله جَمْعٌ من الأطفال كالأزهار، ينشدون له أجمل الأناشيد، ويتنافسون على لمس شعره الحريريّ الأملس الطويل الأشقر، وعلى رؤية بَسَمَاته الشفّافة الرقيقة، التي تكشف عن أسنانٍ لؤلؤيةٍ ناصعة البياض، من تلك التي يستعمل أصحابها معجون الأسنان الأصليّ (كولجيت) أربع مراتٍ في اليوم!..

تخيّلوا أنّ خنـزيراً ضخماً، شوهدَ وهو يغادر صالوناً للتجميل من فئة الخمس نجوم، وقد تخلّى عن وجهه الخنـزيريّ، ووضع مكانه وجه غزالٍ أو ظبيةٍ غضّة، لم تبلغ من العمر سوى بضعة أشهر، وقد غطّى جسدَه فراءٌ مصنوعٌ من فرو القطط الأهلية الناعمة الجميلة، التي لا يتجاوز عمر الواحدة منها بضعة أسابيع.. كما وضع على حدقتيه عدستين لاصقتين زرقاوين، كزرقة السماء في يومٍ من أيام شهر نيسان الهادئة الوادعة، أو عدستين خضراوين، كلون (المنطقة الخضراء) في بغداد، التي لا يجرؤ الحكّام الأميركيون وعملاؤهم من حكومة الاحتلال والعار الفارسية.. على مغادرتها، بسبب (نعيم) الأمن والأمان الذي انتشر بشكلٍ مذهلٍ بفضل (خيرات) الاحتلال الوارف، وكذلك بسبب نعمة الهدوء والاستقرار التي عمّت أرجاء الوطن الجريح، بعد احتلال أميركة وإيران الصفوية الخمينية للعراق الأبيّ، لجعله أنموذجاً حياً للديمقراطية الأميركية، والتسامح (الإقصائيّ) الدمويّ الفارسيّ الرافضيّ!..

*     *     *

لا تندهشوا.. هذا بالضبط ما فعلته أميركة وتفعله، لتجميل وجهها (الدراكوليّ) القبيح في العالم الإسلامي، وأمام الشعوب الإسلامية!.. وهذا ما يدأب البيت الأبيض الأميركيّ -في كل الإدارات المتعاقبة- للقيام به، لتسويق أميركة لدى الشعوب الإسلامية، بعد اتخاذ كل الإجراءات الديكورية، لتجميل الوجه الأميركيّ القبيح، الذي أصبح خلال مدةٍ قصيرةٍ أكثر قبحاً وتنفيراً، وهو يزداد بشاعةً مع مرور الزمن!.. وهذا بالضبط، ما تحرّكت له السفارات الأميركية في العالم الإسلامي، بمحاولاتٍ يائسةٍ بائسة، لتجميل وجه واشنطن وإداراتها العدوانية، الذي سقطت عنه كل الأقنعة، بالجرائم الهمجية التي ارتكبتها القوات الأميركية والغربية، وما تزال ترتكبها في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، وبخاصةٍ في العراق الأشمّ وأفغانستان المسلمة، بالتعاضد والتعاون مع إيران الفارسية الشيعية!.. فهل الولايات المتحدة والغرب من الغباء الشديد، إلى درجة أنهم لا يستوعبون، أنّ قطرة دمٍ واحدةٍ تُسفَك بيدٍ أميركيةٍ أو بريطانيةٍ أو غربيةٍ أو فارسيةٍ أو صهيونية، لطفلٍ مسلمٍ في العراق أو فلسطين أو أفغانستان أو في أي مكانٍ من الأوطان الإسلامية.. تجعل كل إجراءاتهم وحواراتهم وخدعهم وجهودهم وهذيانهم وصفقاتهم.. تنهار دفعةً واحدة، فيظهر للعيان، الوجهُ الحقيقيّ البشع لـ (دراكولا)، ويسقط (قناع الغزال) الوديع عن وجه (الخنـزير) الضخم القبيح القذر؟!..

هل نحن الذين أعلنا الحرب على أميركة، وأعلناها حرباً صليبية؟!.. وهل نحن الذين ننهج أبشع حملة إذلالٍ في التاريخ ضد الإسلام والمسلمين، بدأت في (غوانتانامو)، ولم تنتهِ في (أبو غريب) و(بوكا) وسراديب الأجهزة الطائفية الساديّة؟!.. وهل نحن الذين نجتاح البلاد الأميركية والإيرانية، ونعتدي عليها، ونحتلها، ونشرّد أهلها، وندمّرها، وننهب ثرواتها، ونُنَصِّب على الأميركيين والإيرانيين شذّاذَ الآفاق ومجرمي الحرب واللصوص الطائفيّين، ونصنع لهم حكومةً عميلة، لم توفّر وسيلةً للاضطهاد والاستبداد والظلم والقهر والعدوان وسفك الدم.. والحقد الأعمى.. إلا ارتكبتها، بأبشع الطرق وأقذرها، وأشدها نذالةً وصفاقة!..

*     *     *

ما يحسّن صورة الوجه الأميركيّ شديد القبح، هو أن تتخلى أميركة عن لغة الاستكبار والغرور في تعاملها مع الأمم والشعوب، وأن تقوم بقراءة العالَم بعينٍ أكثر عدلاً وأقلّ تسلّطاً وبلطجة، وذلك بمراجعةٍ حقيقيةٍ مع النفس، فتتوقف عن دعم عدوّنا الصهيونيّ في فلسطين العربية المسلمة، وعن مَدّه بكل أسباب القوة والحياة، للاستمرار في احتلاله وبطشه وظلمه وعدوانه.. وتقوم بإنهاء احتلالها للعراق العربيّ المسلم وأفغانستان المسلمة، وتكفّ عن بيع أوطاننا للصفويين الفرس، وتعوّض البلاد والعباد عن كل الخراب والتقتيل والنهب والعبث الذي ارتكبته عامدةً مع سبق الإصرار.. وأن تتوقّف عن دعم الأنظمة التي تحكمنا بالاستبداد والحديد والنار وانتهاك كل حقوقنا الإنسانية. ذلك وحده، ما يُحسِّن الوجه الأميركيّ القبيح، ومن دون ذلك، لا شكّ ستدور على الظالم الدوائر، وسيُخسَفُ الباطل الأميركيّ الصهيونيّ الفارسيّ، ويُدمَغ بالحق، حق الله الجبار المنتقم، وحق الشعوب التي عانت من ويلات أميركة وممالئيها وعملائها ومنافقيها.. لا نشك في ذلك أبداً!..

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18).

       

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام