سنخسر السودان ونربح البشير
جميل السلحوت
تشير كل الدلائل أن الجنوب السوداني سائر بخطى ثابتة وواثقة نحو الانفصال، فور الاعلان عن نتائج الاستفتاء الذي سيجري في التاسع من كانون ثاني –يناير –المقبل، ويندرج هذا ضمن برنامج مخطط الشرق الأوسط-الأوسخ- الجديد، الذي طرحته امريكا زمن الرئيس سيء الذكر جورج دبليو بوش، والذي تعرقل قليلا في اعقاب حرب اسرائيل على لبنان عام 2006، ويبدو أن السودان كان هو الخاصرة الضعيفة في بلاد العربان، بعد تدمير العراق العظيم واحتلاله وقتل شعبه ونهب خيراته، في آذار 2003 تمهيدا لتقسيمه الى دويلات، وما يصاحبه هذه الأيام من محاولات تصفية القضية الفلسطينية حسب المشروع الصهيوني، والذي تشارك امريكا في تنفيذه وسط صمت عربي مخيف.
ومع ان مشاكل الجنوب السوداني ليست جديدة، فغالبية مواطنيه ليسوا عربا وليسوا مسلمين، الا أن الحكومات السودانية المتعاقبة أهملتهم منذ استقلال السودان في العام 1956وحتى الآن، أهملت ثقافتهم وأهملت مشاريع التنمية في مناطقهم، حتى أن حكومة عمر البشير التي تتستر بالاسلام حاولت تطبيق الشريعة الاسلامية عليهم مع أنهم ليسوا مسلمين، الى ان وصلت الأمور درجة الانفجار بحرب اهلية استمرت حوالي عشرين عاما، بتدخل وسلاح ومال امريكي واسرائيلي، ويلاحظ النشاط الأمريكي المحموم، وكثرة المبعوثين الأمريكيين للخرطوم، من أجل تنفيذ الاستفتاء الذي سيقود حتما الى الانفصال، ونصلي لله أن لا تصاحبه حروب ستدمر السودان جنوبا وشمالا، ومن حق المرء أن يتساءل عن سبب موافقة حكومة الرئيس البشير على استفتاء معروفة نتيجته سلفا، وهو الانفصال الذي سيقود الى انفصالات اخرى، وكيف سيجري استفتاء جزء من الشعب السوداني على أنه سوداني أم لا؟ ونستذكر هنا كيف رفضت جبهة التحرير الجزائرية ايام حرب الاستقلال في نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي، العرض الفرنسي باستفتاء الشعب الجزائري حول ان يكون فرنسيا وجزءا من فرنسا، أم أنه جزائري، ووصفت العرض الفرنسي بأنه سخيف، وهذا يقودنا الى مخاوف أخرى قد تحصل في السنوات القادمة، وهي الضغوط الأمريكية لاجراء استفتاءات مشابهة في بعض دول الخليج العربي، التي تسمح بتجنيس المهاجرين اليها من دول جنوب شرق آسيا، وخاصة من الهند، وستكون النتائج اقامة ولاية هندية او أكثر في جنوب الجزيرة العربية.
وواضح أن الأنظمة العربية التي لم تدرك أن بلدانها في الطريق الى الضياع بعد ضياع فلسطين، لا تدرك الآن أن انفصال جنوب السودان، سيقود الى انفصال غرب السودان- اقليم دارفور- وانفصال شرقه، وما يترتب على ذلك من أضرار على الأمن القومي العربي، والذي سيكون في مقدمته تهديد الأمن المائي المصري، والذي سيقود أيضا الى تقسيم دول عربية أخرى منها العراق واليمن وحتى المملكة العربية السعودية.
ويبدو أن الرئيس البشير خاضع للضغوطات الأمريكية لتقسيم السودان كي ينجو بنفسه من تهم جرائم الحرب الموجهة اليه في اقليم دارفور، والتي تتابعها وتحرض عليها امريكا ومن لف لفها...ولن يدرك الا متأخرا أن وحدة السودان وقوته، ومواطنيه هم درعه الحصين، وأنه اذا ما فرط بهم فان سيفرط بنفسه، وبما أن السودان الوطن أهم من أي حاكم، مثله مثل بقية الأوطان في العالم، فان البشير مطالب بتسليم الحكم لأحزاب المعارضة، ومن ضمنها الأحزاب العاملة في الجنوب، كي يحمي السودان من التقسيم، والا فانه سيبقى رئيسا للخرطوم وحدها، وعلى الحكام العرب ان ينصحوه بذلك، وان يقدموا له المشورة الصادقة، لأن النار القادمة لن تحرق السودان وحده، أم أننا سنخسر السودان ونربح البشير.