ليست هذه مصر التي نعرفها

عبد الرحمن بريك

عبد الرحمن يوسف بريك

الشواشنة / الفيوم /مصر

[email protected]

تروي إحدى النكات أن رجلاً ذهب إلى حديقة الحيوانات – في بلاد الواق واق بأقصى تخوم الأرض - فرأى أمراً عجيباً ، رأى الأرنب يقوم بدور الأسد ، والقط بدور النمر ، والكتكوت بدور النعامة ، فاستدار راجعاً وهو يضرب كفاً بكف من تبدل الأوضاع وانقلابها ، فأوقفه حارس الحديقة متسائلاً عن سر دهشته فقص عليه ما رأى فتبسم الحارس قائلاً : لا تتعجب فقد مات بالأمس مدير الحديقة وحل الحمار مكانه .

تذكرت هذه النكتة القديمة وأنا أتابع ما يحدث ببلدنا الحبيب مصر التي لم تعد مصر التي كنا نعرفها ، فقد تبدلت الأوضاع وتغيرت ، وانقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ، وأصبح أصحاب الذمم الواسعة في الصدارة وأصحاب الحنكة والخبرة والثقة في الذيل ، هذا إن لم يتم إلقاؤهم في صندوق النفايات .

فعلى مستوى العمل الإداري أصبح التعيين لقيادات العمل الإداري في كل المصالح الحكومية لأصحاب الامتثال والطاعة العمياء والولاء المطلق لمن بيدهم مقاليد الأمور حتى وإن كانوا أقل الناس كفاءة ، هذا لأنهم يقومون بدور المنفذ الأعمى لما يملى عليهم ، كما أنهم في الوقت ذاته أبواقاً أمنية من طراز فريد ، يستطيع الواحد منهم  في لمح البصر – كأنه جان النبي سليمان – أن ينقل ما يحدث في مصلحته لأجهزة أمن الدولة في التو واللحظة ، لذا فإن مؤسسته ينجح فيها أمثاله والصامتون الذين لا يعنيهم إلا مصلحتهم الشخصية وحسب ، أما مريدو الإصلاح والرقي بالأمة فلا مكان لهم بين جدران مؤسسته ، وإن شذ أحدهم وظل في المؤسسة فلحاجة المؤسسة إليه لأنه – غالباً – يكون عملة نادرة لا يمكنهم الاستغناء عنها ، وسرعان ما يتم التخلص منه عند أول بادرة لأي فرد يقوم بدوره .

وعلى مستوى التقدم العلمي والتقني تذيلنا بحمد الله – الذي لا يحمد على مكروه سواه – كل الأمم في الرقي والتقدم ، حتى صارت أغلب الدول النامية تسبقنا في سلم التقدم والرقي .

حتى على المستوى الرياضي فقد تفوقت قطر – تلك الدولة الصغيرة – على أكبر دولة في العالم أمريكا واستطاعت الفوز بتنظيم كأس العالم 2022 ، في حين حصلت مصر من قبل على صفر المونديال المشهور ، وتقهقرت الفرق الكروية المصرية أمام الزحف الأفريقي القادم من وسط القارة السمراء ، حتى أن فريقاً مثل مازيمبي الكونجولي وصل لنهائي كأس العالم للأندية التي ظللنا نتغنى بحصول أحد فرقنا – وهو النادي الأهلي – على ثالث العالم في نفس البطولة منذ سنوات .

أما على المستوى الأخلاقي فقد خربت الذمم وانتشرت الأمراض الاجتماعية الفتاكة في المجتمع بصورة تدعو للدهشة والتأمل ، أهذا هو المجتمع المصري الذي نعرف ؟ ! أهذه مصر التي كانت مضرب المثل في الأخلاق الفاضلة والشهامة ؟ أم أن نظامها حولها بسبب سياساته إلى مجتمع نفعي تسقط أمام نفعيته كل القيم والأعراف ؟

فأي قيم تعلمها من زور الانتخابات وحول دفة الحق إلى غياهب النسيان ؟

أي قيم تعلمها من رأى بعيني رأسه التزوير الفاضح أمامه ثم خرج علينا يتحدى من يدعي أن الانتخابات شابها التزوير ؟

أي قيم تعلمها من رضي أن يكون عضواً ببرلمان مصر بفضل هراوات الشرطة وأقلام المزورين ؟

ماذا يقول هذا لأبنائه عندما يسألونه كيف حصلت على مقعدك بالمجلس ؟

أسئلة حائرة لن يجيب عليها إلا من بقيت لديه بقية من قيم مصرنا الغالية الحبيبة التي يريدون طمس ماضيها المشرق بحاضر ملأه العفن وعاث فيه دود الانحطاط ، ولا منقذ مما نحن فيه إلا الله .