ذوقوا مما صنعته أيديكم
ذوقوا مما صنعته أيديكم..؟!
م. محمد سيف الدولة
لاشك أن كتابات د/ عبد المنعم السعيد في الأهرام، هي الأكثر تعبيرا عما يدور في الأروقة العليا للدولة .
وفى عدد الاثنين 22 نوفمبر الجاري، عبر السعيد عن القلق الشديد الذي يدور داخل النظام من المواقف الأمريكية الأخيرة، وذلك في مقال بعنوان ( تحالف واشنطن والشأن المصري)
بدأه بفاصل من الردح الصريح للأمريكان يعايرهم فيه بمشاكلهم المستعصية على الحل مثل العراق وأفغانستان والإرهاب وأسامة بن لادن وروسيا والصين والانقسام الأمريكي الداخلي ..الخ !
* * *
لينتقل بعد ذلك للتفرقة بين نوعين من التدخل الأمريكي في شئون مصر :
الأول هو التدخل المقبول من أمثال التعاون في قضايا السلام والصراع العربي الإسرائيلي وفى حرب تحرير الكويت والتعاون ضد الأفكار والنظم الراديكالية.
وكذلك التدخل المقبول في الشئون الداخلية مثل المطالب الأمريكية بإصلاح الاقتصاد المصري لأنها:
· كانت تدين مصر بسبعة مليارات $
· وكانت تعطينا معونات تصل إلى 2.2 مليار $ سنويا.
· وكانت تساعدنا في الحصول على مساعدات إضافية من عديد من المنظمات الدولية والدول الغربية وبنوكها
· فلها كل الحق في التدخل والتوجيه .
* * *
أما التدخل المرفوض فهو التدخل في الشأن السياسي الخاص بالانتخابات وما شابهها .
خاصة، كما قال، وان السياسات الأمريكية في العقد الأخير تتحمل الجانب الأكبر من المسئولية عن تراجع ملفات الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية في المنطقة .
فبسبب ما أثارته من فوضى واضطراب، تركزت الجهود الرئيسية لكافة الأنظمة العربية إلى مسألة وحيدة هي "الحفاظ على كيان الدولة من الانهيار" لتجنب ذات المصير الذي حدث في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن والسودان والصومال.
بالإضافة إلى جهودها في مواجهة الأصوليات الراديكالية في المنطقة التي أعطتها الفوضى الأمريكية مددا لا ينتهي من التعصب والكراهية
* * *
كل هؤلاء ضدنا :
ثم يختم السعيد المقال بالتعبير عن القلق الشديد من حجم التحالف الأمريكي الجديد وغير المسبوق ضد مصر والذي يطلق على نفسه ممثلو فريق العمل الأمريكي بشأن مصرworking group on Egypt والذي قسمه السعيد إلى ثلاثة اتجاهات:
· الأول لا تهمه مصر على الانطلاق، وإنما يعمل ضد إدارة اوباما في كثير من الملفات ومن ضمنها مصر .
· والثاني: اتجاه إسرائيلي يهاجم مصر بهدف تخفيف الضغط على إسرائيل في سياق اتهام كافة دول المنطقة بالفشل الداخلي فيما عدا إسرائيل.
· والثالث هو اتجاه ليبرالي يستند إلى معلومات تروجها بعض الجهات والشخصيات الليبرالية الهامشية في مصر.
* * *
كانت هذه هي خلاصة مقال السعيد
وهو كالمعتاد ، يظهر في القراءة الأولى ككلام مرتب ، مصاغ بلغة موضوعية من الناحية الشكلية .
ولكنه فى حقيقته خطاب يخفى و يقفز فوق المعضلات الرئيسية للمسائل:
· فالنظام المصري هو الذي أدخل الأمريكان مصر ومكنها منا .
· وهو الذي أعاد صياغة الدولة وكل شئونها على مقاس الكتالوج الأمريكي.
· ليس فقط في الإصلاح الإقتصادي، ولكن أيضا في الشأن السياسي الداخلي، فقد التزم بتعليماتها بتأسيس النظام الحزبي الحالي وذلك وفقا لما ورد في تصريحات متعددة للرئيس السادات نفسه وكذلك لرئيس وزراءه مصطفى خليل ولآخرين من رجال النظام ، بل أن السعيد نفسه قام كثيرا بالتنظير والدفاع عن تبعية مصر للولايات المتحدة.
· كما التزم النظام المصري الحالي بتنفيذ الشرط الرئيسي الذي طلبه الأمريكان والصهاينة في النظام الحزبي الجديد وهو أن يكون نظاما صديقا لإسرائيل حكومة ومعارضة، وان يكون السلام هو خياره الاستراتيجي، وأن تبقى كل القوى الوطنية المصرية المعادية لإسرائيل خارج شرعيته.
· كما أن النظام المصري الذي يشكو الآن من التدخل الأمريكي، هو نفسه الذي أطلق يد الأمريكان في إعادة تشكيل المجتمع اجتماعيا وطبقيا، فتمكنوا من خلال هيئة المعونة الأمريكية وتعليمات البنك وصندوق النقد الدوليين، من تصنيع طبقة جديدة من رجال الأعمال المصريين مرتبطة بأمريكا والغرب وصديقة لإسرائيل. وهى الطبقة التي تسيطر على البلد الآن وتدير مقدراته.
· والنظام المصري هو الذي مكن الأمريكان من المنطقة حين سلم لهم 99% من أوراق اللعبة، وحين أعطى الشرعية لاحتلالهم الخليج عام 1991 بمشاركته بقوات رمزية فيما عرف بحرب تحرير الكويت.
· ثم ما قدمه ويقدمه من تسهيلات عسكرية للأمريكان في حرب احتلال العراق 2003 ، سواء في المجال الجوى المصري أو قناة السويس أو في التدريبات والمشروعات المشتركة، أو في التعاون معهم في ما يسمونه بمقاومة الإرهاب.
· أي أنه ساعدهم على إثارة الفوضى غير الخلاقة التي تغضب الدكتور عبد المنعم السعيد ونظامه، وتجعلهم يحيدون عن الإصلاح الديمقراطي ليتفرغوا لمخاطرها.
· والنظام المصري هو الذي سمح للأمريكان بالضغط عليه وأقنعهم بجدوى هذا الضغط وفاعليته، وذلك عندما استسلم عشرات المرات لضغوطهم ونفذ تعليماتهم في مسائل متعددة آخرها حصار غزة وجدارها الفولاذي .
* * *
أما ما جاء في نهاية حديث السعيد من محاولة وصف التجمع الأمريكي الجديد المعادى لمصر بأنه تجمع مغرض لا يهتم بالشأن المصري، وإنما له أغراض أخرى.
فنقول له: ما الجديد في هذا ؟ و منذ متى كان للأمريكان مصداقية أو موضوعية ؟
فهذا هو أسلوبهم على الدوام معنا ومع غيرنا، وفقا لقاعدة اضغط هنا لتأخذ هناك. ولكن أليس هذا هو أسلوبكم أنتم أيضا، أليس مقالك هذا في حد ذاته هو تطبيق لذات الأسلوب، مجرد توظيف لخطاب وصياغات أكاديمية وتنظير سياسي كبير عن أمريكا والمنطقة والفوضى ..الخ لتبرير تزوير الانتخابات.
الكل مغرض يا عزيزي.
* * *
وفى النهاية أود أن أقول له: ذوقوا يا دكتور سعيد بعض مما صنعته أيديكم، ولا تذرفوا دموع التماسيح، وانظروا ماذا انتم فاعلون مع كبيركم وحليفكم الاستراتيجى.