شيخ مقاومي الانبار

احمد العسافي

يملك الملايين ولا يستطيع دفع فاتورة العملية ! ..

احمد العسافي

هذه ليست قصة من نسج الخيال بل هي قصة واقعية حدثت قبل ايام في احد مشافي دمشق. وبطل هذه القصة احد ابرز شيوخ قبائل الانبار بل وشيخ مقاوميها اثر الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 .. الشيخ مظهر الخربيط الذي عاش واحدة من اكثر القصص ماساوية بعد الاحتلال من سجن الى مطالبة من قبل الانتربول الى افراج تبعه منحه حق اللجوء السياسي كأول عراقي يمنح هذا الحق.. لكنه ما ان خرج من سجن مشفى بيروت (تصوروا حتى سجونه عبارة عن مشافي نظرا لما لحقه من امراض) جاء الى دمشق العروبة واقام فيها رافضا كل العروض التي قدمت له من عواصم عربية وبلدان مختلفة. لقد فضّل الشيخ  دمشق على سواها لانها تذكّره ببغداد فهما رغم بعد المسافات صنوان لايفترقان.. فرائحة دمشق تذكره ببغداد ورائحة بغداد جزء لايتجزا من روح دمشق العروبة وعبقها. مظهر الخربيط الذي ينتمي الى بيت عز وشرف وسؤدد لم ير العوز في حياته فمنذ نعومة اظفاره كان كل شئ طوع أمره .. مضيف مفتوح للرائح والغادي والملايين بين يديه وطوع بنانه ومع كونه تاجرا معروفا فقد وظف أمواله في أبواب عمل الخير أولا وأخيرا ولم يبتغ غير وجه الله تعالى ورضاه وخدمة أبناء شعبه.. واليوم شاء له القدر ان يمرّ في ظرف هو الاصعب بالنسبة لمن هو في مكانه ومقامه. هذا الرجل (المليونير) وجد نفسه عاجزا عن دفع حتى (فاتورة ) ماتبقى من مبلغ عملية جراحية اجراها في احد مشافي دمشق ومقدارها (6 الاف ليرة سورية) فقط أي مايعادل 130 $ دولارا أميركيا.
وفي المشفى ولدى اجراء عملية ناظور وبعد تخديره وجد اطباؤه انفسهم امام موقف غريب.. فهذا الرجل الذي لم تتمكن الجرعة الاولى والثانية من التخدير ان تأخذ مفعولها حتى الجرعة الثالثة وبمساعدة ثلاثة اشخاص كانوا يمسكون به كان ينادي بصوت نابع من دواخله وخلجاته هاتفا كما السياب من قبل (عراق .. عراق .. ليس سوى عراق) .. بل زاد على السياب بان بدأ ينادي بآسم كل محافظات العراق واحدة واحدة من البصرة حتى السليمانية ومن الانبار حتى النجف ومن العمارة حتى اربيل ومن الموصل حتى كربلاء ومن المثنى حتى دهوك ومن صلاح الدين حتى واسط. كان نداؤه يشبه من يحدو بالابل متذكرا وذاكرا جميل العراق عليه رافضا ان يجعل ما قدمه للعراق بقدر ما قدمه العراق له برغم ما يعانيه الان بسبب حجز امواله في البنوك العربية والعالمية وهي الاموال التي تجعله يعيش كواحد من الملوك والامراء مثلما كان عليه امره بالفعل من قبل. طبيبه المعالج الدكتور "علي سعده" الذي يمارس مهنة الطب منذ نحو اربعين سنة وجد نفسه امام حالة غريبة.. وحين سال عن هذا الشخص (المهوّس) بحب العراق والعروبة وماهو عمله خصوصا وانه رآه باللباس العربي (الدشداشة) قالوا له انه يعمل تاجرا.. لكن الطبيب نفى ان يكون من يحمل كل هذا الالم الداخلي وعنفوان العلاقة  والتجذر بالوطن مجرد تاجر. مواطن سوري اخر كان بالقرب منه عبر عن موقف مماثل لاسيما بعد ان وجد ان الرجل يوصي الاشقاء العرب بالوقوف الى جانب العراق .. هذا العراق الذي وقف دائما الى جانب كل العرب. الخلاصة ان ماحصل ويحصل للشيخ الكريم يدا وسجايا مظهر الخربيط حتى اللحظة هو ثمن موقفه من الاحتلال الاميركي وعدم مساومته الاميركان برغم كل ماعرضوا عليه من مناصب وامتيازات من اجل أن يكون مع صفهم  بل ان الاميركان عرضوا عليه المساعدة في استرداد امواله المحجوزة في عدد من الدول العربية والاجنبية  مقابل ذلك ولكنه ابى وتتوج بعز العراق وجهاد شعبه ومجيد تاريخه .. نعم ان هذا الرجل الوطني العروبي الصامد الذي يملك عشرات الملايين المحجوزة في البنوك العربية والعالمية بسبب مواقفه المشهودة لايملك الان 130 دولارا لاغير لكي يدفعها ثمنا لماتبقى من تكاليف عمليته الطبية الأخيرة فماذا يعني ذلك ؟.. نقول على الرغم من صعوبة الموقف وماساويته الا انه يعني ان العراق لم يخب أمله بمن أنجب من الرجال الأماجد وأنه بخير طالما يوجد من هو مستعد للتضحية بكل شئ في سبيله .. فالمبادئ والقيم ليست مجرد  تمائم أو تعويذة أو شعارات تعلق على الجدران اوقات المناسبات والانتخابات ثم ترفع مثلما ترفع ( القطرات من جبين البعض) من اللاهثين خلف المناصب والامتيازات بل انما هي سلوك ومواقف تنوء بحملها الجبال.

شيخ مقاومي الانبار ...يملك الملايين ولايستطيع دفع فاتورة العملية ! ..