لن تسلم رؤوس العرب

جميل السلحوت

جميل السلحوت

[email protected]

كلما زادت وسائل العربية في الحديث عن الضغوطات التي تمارسها"الصديقة" أمريكا على اسرائيل كي تجمد الاستيطان في الضفة الغربية وجوهرتها القدس ثلاثة أشهر فقط، فإن حكومة نتنياهو تزودهم بمادة اعلامية جديدة، من خلال الإعلان شبه اليومي عن اقرار وتخصيص ميزانيات جديدة لبناء وحدات استيطانية جديدة، أو من خلال البدء بتجريف أراض جديدة تمهيدا لاستيطانها، أو من خلال اقرار ميزانيات والبدء العملي بتغيير جديد وتهويد جديد وواسع لحائط البراق-الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك- أو المباشرة باغلاق يباب العامود –الباب الرئيس للقدس القديمة تمهيدا لحفر أسواقها وقتل الحياة التجارية فيها بذريعة اعادة ترميم البنى التحتية، لكن الدلائل كلها تشير الى الاعداد لربطها بالكامل مع القدس الغربية من خلال باب الخليل الذي يقع في الجهة الغربية من سور القدس التاريخي، أو من خلال الاستيلاء على بيوت جديدة في الشيخ جراح وسلوان وقمة جبل المكبر المطلة على المدينة المقدسة، أو سقوط اشجار معمرة وظهور حفر عميقة في ساحات المسجد الأقصى جراء الحفريات تحت المسجد، أو هدم البيوت الفلسطينية في القدس بحجة عدم الترخيص، وهذا يعني تهويد القدس بشكل تام ونهائي، فهل نعزي العرب والمسلمين بذلك؟ أم نقول لهم: لا سلمت رؤوسكم بعد القدس؟ لكن المثير للإنتباه-ولا عجب في ذلك-هو الضمانات الأمريكية لاسرائيل مقابل تعهدها بوقف الاستيطان لثلاثة أشهر، ومن ضمنها تزويد اسرائيل بطائرات "اف35" المعروفة بطائرات الشبح، وهي تمثل آخر ما أنتجته تكنولوجيا الحرب ليس في أمريكا فقط، بل في العالم جميعه، وكذلك الالتزام الأمريكي بأمن اسرائيل،  وكأن أمريكا لم تكن ملتزمة بأمن اسرائيل من قبل، وتأتي العروض الأمريكية لاسرائيل كمكافأة بدلا من عقابها والضغط عليها، ومكافأة امريكا لاسرائيل تأتي لرفضها الرضوخ لبدهيات متطلبات السلام حتى من المنظار الأمريكي، هذا المنظار الذي لا يرى الشرق الأوسط الا بالعين الاسرائيلية، وهذه المكافأة تعني تعزيز الاحتلال الاسرائيلي للأراضي المحتلة.

في حين أن أمريكا وحلفاءها يهددون بقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية اذا ما قالت "لا" لهذه الابتزازات، علما أن التمويل المقدم للسلطة الفلسطينية هو في غالبيته من الدول العربية، التي تدفعه من خلال البنك الدولي الذي يخضع للاشراف الأمريكي، في حين أن بعض المساعدات الأوروبية تصل للسلطة مباشرة، ودون وساطة البنك الدولي...وبالتأكيد فان المسؤولين العرب دبلوماسيين وعسكريين يعلمون أن طائرات "ف35" لن تستعمل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ليس رحمة من اسرائيل بهم، بل لعدم حاجتها لها، فيكفيها الأباتشي وطائرات الاستطلاع بدون طيار لاصطياد أهدافها في الأراضي المحتلة، وستكون هذه الطائرات جاهزة للاغارة على أيّ قوة محتملة في العالم العربي، أو لتدمير المنشئات النووية الإيرانية، أو لحرب قادمة مع سوريا ولبنان، أي أن رؤوس المواطنين العرب في الدول العربية لن تسلم منها. واسرائيل التي تواصل استيطانها ستصل الى المرحلة التالية وهي تنفيذ سياسة الطرد الجماعي لفلسطينيي الأراضي المحتلة لإقامة وطنهم البديل خارج حدود فلسطين التاريخية، وعندها سيصبح هدم الأقصى علانية، وبتغطية اعلامية مباشرة، فهل السكوت العربي الرسمي على ما يجري سيحمي الأنظمة العربية الصامتة صمت أهل القبور؟  وهل ستبقى رؤوس عربية سالمة بعد ذلك لتتقبل العزاء؟ انني أشك في ذلك لأنهم لم يستوعبوا الحكمة الخالدة والقائلة"أُكلت يوم اُكل الثور الأبيض".