ما لم يقله حسن نصر الله في خطابه

الطاهر إبراهيم

يوم 11 تشرين ثاني الجاري!.

الطاهر إبراهيم *

هناك قضية يجهلها كثير من الناس وتنبع من أدبيات الشعب اللبناني ، هي أن "آل الحريري" ومن ورائهم كل اللبنانيين الذين يحملون في قلوبهم المودة والاحترام للشهيد "رفيق الحريري" لا يسرّهم أن يكون قد اشترك في اغتياله أيادٍ لبنانية أو سورية. بل إنه لشرف لآل الحريري واللبنانيين جميعا أن يكون من اغتال "رفيق الحريري" يد الغدر الإسرائيلية. لذا فإنه لا سبيل أمام من يزايد عليهم بالقول: إنهم يسعون لإلقاء تهمة الاغتيال على زيد أو عمرو من لبنان أو من سورية، واستبعاد تبعة الجريمة عن إسرائيل. ويوم يثبت أن العدو الصهيوني هو من اغتال عميد آل "الحريري" فإنه سيكون يوم فرح كبير لهم، لأنهم لن يشعروا أن قاتل عميد أسرتهم هو لبناني أو سوري يعيش بين ظهرانيهم.

من هذا المنطلق نعتقد أنه لا مبرر للسيد "حسن نصر الله" مطلقا، أن يصدّع رؤوس اللبنانيين بين الفينة والأخرى عندما يخاطب أنصاره من على الشاشات العملاقة، فيهز قلب القاصي والداني، لا بفصاحته –وهو رجل خطيب وفصيح على كل حال- وإنما تخوفا من أن يكون الخطاب مقدمة إلى نزول ميليشيا حزب الله إلى شوارع بيروت، فيعاد سيناريو 7 أيار عام 2008، وأكثر الناس في لبنان لا ناقة لهم ولا جمل "يمشون الحائط، الحائط ويقولون يا رب الستر". وكيف لا يخاف اللبناني وقد امتلأ خطاب نصر الله تهديدا بقطع الأيدي. ولن يصدق اللبناني أن التهديد هو لإسرائيل وأمريكا والمحكمة والقرار الظني والإنتربول، "ومن يشد على أيدي هؤلاء"، لأن اللبناني يعرف أن التهديد هو للبنانيين "خص نص"، وليس لأولئك، وإلا كان نصر الله وجه الخطاب لأولئك مباشرة.

يهمني في هذه الأسطر أن أكمل بعض الحقائق التي ذكر "نصر الله" طرفا منها وقفز فوق المفيد منها. خصوصا وأنه عندما يتهم لبنانيين لا يقول فلان قال وعلّان لم يقل، وكان عليه أن يوجه الاتهام لواحد بعينه لأنه أهون من تركه ضائع بين جمع غفير من اللبنانيين.

أولا: ذكر "نصر الله" ضمن كلام طويل أن "هنري كيسنجر" وزير خارجية أمريكا في عهد الرئيس الأمريكي "نيكسون" وَخَلفِه الرئيس "فورد"، أرسل رسالة جوابية نشرتها "النهار" في حينها إلى "ريمون إدة" عميد الكتلة الوطنية في عام 1976؛ قال فيها "كيسنجر":(أن الحرب الأهلية في لبنان أمّنت لنا أرضية مثالية لتقسيم النفوس الموحدة وتدمير صيغة التعايش وإحداث خلل أساسي في النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة). في اليوم التالي لخطاب نصر الله أي في 12 تشرين ثاني الجاري نفت "النهار" أن تكون نشرت في حينه الرسالة التي ذكر "نصر الله" أن "كيسنجر" أرسلها إلى السيد "ريمون إدة". كما نفى "كارلوس إدة" شقيق الراحل "ريمون إدة" وجود رسالة من "كيسنجر" إلى أخيه ضمن إرشيف العائلة. فهل هذا من ضعف ذاكرة نصر؟ الله أم أن "المؤرشفين" في مكتبه لا يقدمون له المعلومة الصحيحة؟ وإذا كانت الأمور التي يجزم بها نصر الله على مثل هذا اليقين من التثبت والتأكيد عند حزب الله، فقل على اللبنانيين السلام الذين كتب عليهم أن يتعاملوا مع هذا الحزب.

ثانيا: أكد "نصر الله" في خطابه في أكثر من مناسبة أنه لن تكون هناك فتنة سنية شيعية. مع ذلك ذكر في خطابه تحت بند ثالثاً (لقد كان السيد جورج بوش موجوداً بالبيت الأبيض عندما حصلت أحداث السابع من أيار2008 فماذا فعلت إدارة بوش لحكومة السنيورة الديمقراطية)؟ ثم يتابع نصر الله فيقول:(القرارات التي اتخذت بتأييد أميركي وكان الهدف إحداث صِدام بين المقاومة والجيش وإحداث فتنة مذهبية بين السنة والشيعة، حصل ما حصل في 7 أيار وسقط الفصل ومجددا أخطأتم ، أخطأتم في حساباتكم، أخطأتم في فهم خياراتنا). وليلاحظ القارئ معي أن الكلام الأخير غير مترابط، كأنما قصد نصر الله منه عندما ذكّر بأحداث 7أيار التي لا علاقة لها بموضوع الخطاب من قريب أو بعيد، إنما أراد أن يشير إلى هذه الأحداث وأن "يظهر العصا من تحت العبا" وهذا ما يفهم من كلمة "خياراتنا"، فيقول لتيار المستقبل ولأهل بيروت: إن عدتم عدنا. أما ما لم يقله "نصر الله" وكان يتوجب عليه -بدل الإصرار على ما حدث في 7 أيار وإن اختلف معهم- أن يقدم اعتذاره لإخوانه في الوطن والدين لأنه استقوى عليهم بسلاح "المقاومة"، فاللبناني يستقوى بأخيه اللبناني ولا يستقوي عليه.

ثالثا: أما ما ذكره "نصر الله" عن القرارات التي اتخذتها حكومة السنيورة في 5 أيار، فإن ما لم يقله أن الحكومة اتخذت القرارات بعد أن هدد وزراء "وليد جنبلاط" بتقديم استقالاتهم، ما يجعل الحكومة مستقيلة حكما، لأنهم مع وزراء حزب الله وأمل المستقيلين من قبل يشكلون أكثر من الثلث، فتدخل البلاد في فراغ، وكانت الأمانة تقضي أن يعرف الناس ذلك الأمر.

رابعا: "نصر الله وهو يتباسط مع المستمعين المشدودين إلى الشاشات العملاقة، أورد حادثة (أدركتُ أنا وأدرك غيري أنها تختلف عن الحقيقة التي نعرف). تحدث نصر الله عن مقابلة بين (رجل –من حزب الله- ما زال على قيد الحياة ومسئول علاقات دولية وأصبح نائباً، لكن في الحرب كان مسئول علاقات دولية –يعني "نواف الموسوي"- اتصل بالفرنسي قال له لاقيني، كلمْته بمحل في بيروت لأنه ليس لدينا محل نلتقي فيه، قال له يا حبيبي الأمور خالصة بمجلس الأمن، الأمريكان موافقين الفرنسيين موافقين الإسرائيليين موافقين الكل موافقين لكن حكومتكم ليست موافقة، –يعني حكومة السنيورة- أنا لا أفتري على أحد، هذه التسجيلات كلها المتعلقة بمجلس الوزراء موجودة كلها موجودة بالصوت، كلها موجودة).( ما بين القوسين كله من كلام نصر الله) وقد كرر النائب في حزب الله "نواف الموسوي" في 13 -10 – 2010 هذا الاتهام عندما قال أنه هو من قابل المسئول الفرنسي.

ما لم يقله "نصر الله" أنه سوف يعرض على اللبنانيين هذه التسجيلات. حزب الله كان يكشف أقل من ذلك لينال من خصومه، فلماذا لا يعرضها؟ بصراحة لأنه لا يوجد هكذا تسجيلات. وقد عودنا حزب الله أن يدّعي وجود أشياء، لكنه حتى الآن لم يعرض منها شيئا. ومتى كان حزب الله حريصا على سمعة خصومه وهو لا ينفك يسيء لسمعة خصومه.

خامسا: ما لم يقله "نصر الله" أيضا (وهو يعلم أن كثيرين ممن كانوا يسمعون خطابه يعرفون أن الحقيقة هي غير ما قال)؛ أن مسودة مشروع القرار -وكان يصوغه مجلس الأمن أثناء حرب تموز 2006- كانت ستصدر تحت البند السابع ضمن شروط مجحفة أخرى أخرى،ما جعل حكومة "فؤاد السنيورة" ترفضها، كما ذكر وزير الخارجية بالوكالة. كما أن الصياغة التي صدر بها القرار عرضت على حزب الله قبل أن توافق الحكومة اللبنانية عليها وقد وافق عليه "نصر الله" شخصيا؛ وكان رئيس المجلس النيابي "نبيه بري" يواكب المفاوضات مع مجلس الأمن ساعة بساعة.

وما لم يقله "نصر الله" أيضا أن حليفه "نبيه بري"، وهو يتجول بين أنقاض العمارات التي تم تدميرها أثناء حرب تموز أشاد أمام الصحافيين بحكومة "فؤاد السنيورة" وقد أطلق عليها اسم حكومة المقاومة، وكانت تضم وزراء من حزب الله ومن حركة أمل .. فمن نصدق؟

       

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.