بقي من المشروع الأمريكي:إسرائيل 1
بقي من المشروع الأمريكي:إسرائيل (ج1)
(1-2)
سري سمور/ جنين ـ فلسطين المحتلة
هناك إجماع على أن الولايات المتحدة الأمريكية هي امبراطورية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني ؛فهي بقوتها العسكرية وقدراتها الاقتصادية وغزوها الثقافي والسلوكي،وما يدعم ذلك من تكنولوجيا متقدمة في شتى المجالات استطاعت التأثير في كل فرد على سطح كوكب الأرض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وكان على كل دولة أو مجموعة أن تتعامل معها ؛فهناك-الغالبية- من أعطاها الولاء واتبع خطاها أو على الأقل عمد إلى مداراتها ومهادنتها اتقاء لشرها وطمعا في ما توفره العلاقة معها من ميزات؛وهناك من اختار الصدام معها-وهم القلة- ومع حلفائها،وكلا الطريقين أي الولاء أو الصدام ،سبب اضطرابات كبيرة على كوكبنا انعكست على شكل حروب مدمرة أو أزمات اقتصادية كبيرة لا تزال تتدحرج وتتفاعل.
(1)
لمنطقتنا العربية والإسلامية أهمية في الفكر السياسي والتخطيط الاستراتيجي الأمريكي؛فمن الطبيعي أن امبراطورية عابرة للقارات بما تمتلكه من أدوات تقنية وجيوش جرّارة وأموال طائلة أن تهتم بمنطقتنا الغنية بالنفط والطاقات البشرية والطرق الرئيسة والبحار الهامة،وأن تسعى واشنطن لتطويع منطقتنا والهيمنة عليها والاستئثار بكل ما تملك من ثروات وسكان،وفي سبيل هذا الهدف جندت الولايات المتحدة ورشة كبيرة من الخبراء والمراكز البحثية،وأرسلت الجيوش ودعمت قوى ودولا ضد أخرى،واستخدمت الإعلام كسلاح عصري فعال لترسيخ هيمنتها المطلقة على هذه المنطقة،وعدم إفلات أي من مكوناتها من قبضتها الامبريالية الناعمة أحيانا والخشنة القاسية أحايين أخرى،واعتبرت بقاء سيطرتها على منطقتنا خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه،سواء أكان القابع في المكتب البيضاوي جمهوريا أم ديموقراطيا،فالولايات المتحدة تقبل ولو على مضض أن تخسر حتى في نطاقها الجغرافي،في أمريكا اللاتينية أو في دولة آسيوية مثل فيتنام،إلا أن الخسارة والانكفاء في منطقتنا غير مقبول بحال من الأحوال،حتى لو اضطرت إلى استخدام أساليب الحروب الاستباقية والحصار القاسي وإغداق المال أو منعه؛ وبهذا تبلور في منطقتنا مشروع أمريكي يختلف إلى حد ما عن المشاريع الأمريكية في مناطق أخرى من العالم ،ولو اتفقنا على أن الهدف كولونيالي بامتياز،ولكن ما يسمح به في مناطق أخرى ممنوع بتاتا هنا؛فمثلا قبل الأمريكيون على مضض كوريا الشمالية بنظام شيوعي يمتلك قنابل نووية وصواريخ باليستية بعيدة المدى؛وهو أمر يرفضونه بشكل مطلق غير قابل لأي تسوية أو صفقة إبداعية هنا،وما حدث للعراق وصدام حسين خير مثال على ذلك.
(2)
كي لا يبقى الحديث هلاميا عموميا علينا أن نحدد الملامح العامة للمشروع الأمريكي في المنطقة؛لأن هناك من يرى أنه يتطابق مع المشاريع الأمريكية الأخرى في العالم،بل هناك من ذهب إلى اعتبار فكرة وجود مشروع أمريكي في منطقتنا مجرد إفراز «لنظرية المؤامرة» أو مبالغات ذات طابع أيديولوجي سببها الرغبة في تعليق هزائم الأمة وإحباطاتها وتراجعها في شتى مجالات العلم والسياسة والاقتصاد وتهتك نسيجها الوطني والاجتماعي ،على شماعة المشروع الأمريكي.
لأمريكا مشروع واضح المعالم في المنطقة،وهي تعمل بجد لإنجاحه وإسقاط كل من تسول له نفسه التصدي له،أو حتى عدم التماهي معه بنسبة مئة بالمئة وأبرز هذه المعالم والأهداف يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:-
1) ضمان أمن إٍسرائيل المطلق الغير قابل للتهديد من أي طرف ،وهذا يتطلب إضافة لتقوية إسرائيل بأسلحة نوعية واحتفاظها بجيش قوي ضارب،رفاهية اقتصادية لسكانها،وتقدم تقني بحيث تظهر الفجوة واسعة بينها وبين محيطها العربي.
2) تحويل المنطقة العربية إلى سوق استهلاكي للبضائع الإسرائيلية والحيلولة دون حدوث أي نهضة علمية لدى العرب،وعلى نوابغ العرب أن يظهروا نبوغهم في أي مكان آخر إلا أوطانهم.
3) كون إسرائيل مختلفة عن المحيط العربي في الدين والمعتقد والثقافة ونظام الحياة الاجتماعي يتطلب إيجاد صيغة لدمجها مع بقائها ذات يد طولى وهيمنة مطلقة؛لهذا اقترح شمعون بيرس ما أسماه بالشرق الأوسط الجديد الذي يقوم حسب تصوره على المياه التركية ونفط السعودية والأيدي العاملة المصرية والعقول الإسرائيلية،لاحظوا كيف أهمل عن عمد شعب فلسطين رغم أن كيانه قام على أنقاضه بتشريده واحتلال أرضه،أو صيغ من قبيل حوض المتوسط،وصيغ أخرى قد يتم اقتراحها لاحقا نظرا لفشل فكرة بيرس،لكن الأهم فيها تفوق إسرائيل واعتبارها كيانا ليس بالعادي،وقبول تكديسها للسلاح وتوجيه الضربات بحجة مخاوفها الأمنية التي لا حدود لها إطلاقا،وهذا أمر خطر جدا لأن سكان المنطقة تجمعهم روابط ثقافية واجتماعية بل صلات قربى مباشرة ولا يعقل اعتبار القادم من بولندا أو روسيا أو أمريكا أو غيرها ضمن هذا النسيج،سيما في ظل إصراره على امتلاك القوة الفائضة والتعامل العنصري مع المحيطين بمن فيهم سكان فلسطين المحتلة سنة1948م.
4) الحد من صعود قوى كبرى وإحاطتها بجيوش أو أنظمة موالية للأمريكيين،واحتلال أفغانستان من الأمريكيين لم يكن بعيدا عن تحجيم التنين الصيني الصاعد وكذلك التوغل في جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت ضمن المنظومة السوفياتية البائدة،وبهذا تهديدا استراتيجي لطموحات الروس باستعادة مجدهم الغابر،وإحاطة الصين الصاعدة اقتصاديا بحزام أمريكي ناعم وخشن في آن واحد؛رغم أننا نتحدث عن مناطق خارج العالم العربي إلا أن ما يجري فيها ينعكس على العرب مباشرة نظرا للالتصاق الجغرافي والتشابه أو التطابق العقدي والثقافي والتاريخي بين هذه المناطق وبين العرب.
5) استمرار تدفق النفط بأسعار يحددها أباطرة الشركات الأمريكية العابرة للبحار دون أي منغصات،وضمان مطلق بعدم تكرار ما جرى أثناء حرب رمضان سنة 1973 بأي ثمن.
6) حرب أو حصار أي دولة تفكر بالخروج من بيت الطاعة الأمريكي،فمثلا أذكى الأمريكيين أوار حرب دامت بضع سنين بين العراق وإيران،وقد تحدث الرئيس صدام حسين صراحة عن ذلك في رسالة إلى الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني سنة 1990م،ثم عمد إلى تدمير القوة العسكرية العراقية في أوائل سنة 1991م،بحجة تحرير الكويت، ورغم خروج القوات العراقية من الكويت استمر الأمريكي في حصار العراق بشكل إجرامي وصولا إلى احتلاله بالكامل في نيسان/أبريل سنة 2003م بحجج ومبررات اعترف هو بكذبها وعدم واقعيتها،ثم يستمر الأمريكيون في فرض عقوبات على إيران والتحريش بينها وبين العرب.
7) إذكاء النعرات الطائفية والإقليمية بين المكونات في المنطقة بشكل علني أو مستتر،فهم يسعون بكل جهدهم إلى حرب سنية-شيعية وحرب عربية-كردية ويعملون ليل نهار لترسيخ انفصال الجنوب السوداني تمهيدا لتحويل سياسة التقسيم والتجزئة إلى أمر لا مفر منه وحتى الآن حققوا نجاحات واختراقات كبيرة في هذا المجال،وما لا يقسم اليوم سيجد نفسه غدا أو بعد غد أمام تقسيم طوعي أو إجباري تحت يافطات مختلفة مثل الاضطهاد العرقي أو الطائفي أو السياسي،وللأمانة في النقل فقد سمعت درسا للشيخ محمد راتب النابلسي،حفظه الله،ينقل عن أحد مفكريهم القول:لم لا يكون في العالم خمسة آلاف دولة؟! طبعا هو لا يقصد أن تصبح كاليفورنيا دولة وبنسلفانيا وأوهايو وتكساس دولا أخرى بل عينهم أساسا علينا نحن!
8) في سبيل نجاح ما ورد أعلاه لابد أن يتحول الفرد العربي إلى كائن استهلاكي معولما إلى أبعد الحدود،لا يهمه إلا ذاته وإشباع رغباته،ولا تحتل قضايا أمته نصيبا في تفكيره ولو أراد غير ذلك فإن واقع معيشته الصعب يقف سدّا منيعا أمامه،أو –للقلة- مظاهر الترف والبذخ تشغله رغما عنه ،فليس اليوم للأفراد عموما قضية مركزية تجمعهم والهم الفردي يطغى على الهم العام،علما بأن الأول نتيجة مباشرة وطبيعية للثاني.
هذه باختصار أبرز معالم المشروع الأمريكي...ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن،فأمريكا أصيبت بجراح بليغة يصعب أن تتعافى منها،ورغم إقراري بالرأي القائل أن أمريكا امبراطورية تسعى لتجديد نفسها،إلا أنها تغرق أكثر فأكثر،وأفضل حل لعودة أمريكا إلى مجدها هو انكفائها إلى داخلها،بحيث تسحب جيوشها وتكف عن أو تخفف من تدخلها ببلدان العالم ومجتمعاته،والمفكرون والعقلاء فيها يدركون ذلك،إلا أن ثمة عدم شجاعة وكبرياء زائفا يدفع دهاقنة المال والسياسة الممسكين بزمام أمر الإمبراطورية المجروحة إلى الاستمرار في سياساتهم التي جلبت لامبراطوريتهم ولشعوب العالم الدمار والخراب.
على كل يمكن قراءة ما كتبه الأستاذ عامر عبد المنعم عن موت أمريكا وانتظار تشييعها ،ورد القيادة الأمريكية المركزية مرتين على ما كتب،والرد ينم عن كثير من الهواجس........يتبع