مفكِّرون!.. وإسلاميّون أيضاً

د. محمد بسام يوسف

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

هل سمعتم بالحكم (الفقهيّ): قلة الأدب؟!..

هل سمعتم عن عصرٍ مرّت فيه هذه الأمة.. يكون فيه الأمّيّون أشدّ وعياً للخطر الذي يتهدّد الإسلام والمسلمين.. من (مفكِّريها) الذين يملأون الدنيا صراخاً واعتراضاً.. وهراءً، ويتصدّرون القنوات الفضائية والصحف والمجلات والمواقع الإليكترونية.. للدفاع عن الباطل وتضليل أمة الإسلام، بل والجناية بحق الإسلام والمسلمين؟!..

في أكثر من مقابلةٍ ومنتدىً وندوة.. يكرّر أحد مُعتَنقي خرافة (التقريب) من المفكِّرين الإسلاميّين إجابته، حول رأيه بسبّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبالطعن بأمّ المؤمنين عائشة رضوان الله عليها.. فيجيب (على قناة الجزيرة وغيرها)، بأنّ ذلك كله: (قلة أدب)!..

تصوّروا، أنّ أبا جهلٍ أو أبا لهبٍ أو أميّة بن خلف أو عبد الله بن أبيّ بن سلول.. سيحاسبهم الله عزّ وجلّ على (قلّة أدبهم)!!..

أطلِقوا العنان لخيالكم، وتخيّلوا أنّ أمّتنا مرّت بعصرٍ (ذهبيٍ) يتنطّع فيه فطاحل المؤرِّخين، ليدوِّنوا لنا تاريخ أمّتنا، فيقولون –مثلاً-: [لقد كان أبو لؤلؤة المجوسيّ (قليل الأدب)، فقتل الخليفةَ الراشد الثاني للمسلمين: الفاروق عمر بن الخطاب، غدراً، وعن سبق الترصّد والإصرار]!..

لا تعجبوا!.. هذا بالضبط ما يفعله، بل ما يقترفه الطابور الخامس (التطوّعيّ) من أهل السنّة، بل من الذين يُسمَّوْنَ بمفكِّري هذا العصر والأوان والزمان، دفاعاً عن شتّامي عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بل تضليلاً للجماهير والشعوب، لتبييض الوجه القبيح العدوانيّ الشعوبيّ، للعدوّ الفارسيّ الصفويّ الرافضيّ، حليف العدوّ الصهيونيّ الأميركيّ.. بل حليف كل عدوٍّ لأمة العرب والإسلام.. على مَرِّ التاريخ!.. فأيّ جريمةٍ تاريخيةٍ يقترفها هؤلاء (المفكِّرون) وأمثالهم، بحق دِينهم وشعوبهم وتاريخهم؟!..

هل سَبُّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الذين رضي الله عنهم في كتابه العزيز.. هو مجرّد (قلّة أدب)؟!.. (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18).. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (مَن سَبَّ أصحابي، فعليه لعنةُ الله، والملائكة، والناس أجمعين) (حديث حسن - الألباني – صحيح الجامع - 6285).

وإذا كانت أطهر نساء المسلمين وأفضلهنّ، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.. قد برّأها الله عزّ وجلّ من فوق سبع سماواتٍ، بآياتٍ قرآنيةٍ.. فهل الطعن بها وبشرفها، وتكذيب الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلّم وكتابه سبحانه وتعالى، من قِبَلِ أولئك الزنادقة الشعوبيين الروافض الخونة.. مجرّد (قلة أدب)؟!.. كما يزعم الزاعم المفكِّر (الإسلاميّ) المؤدّب المحترم بطل أسطورة (التقريب)، بالفم الملآن دون أن يرفّ له جفن.. وما أكثر أمثال هذا الذي لا يرفّ له جفن بين ظهرانينا هذه الأيام!..

*     *     *

يا دكتور (سليم العوّا)، ويا أمثاله من الواهمين: لن نقول: اطّلعوا على التاريخ البعيد.. بل اطّلعوا على التاريخ المعاصر الذي تعيشونه يوماً بيوم، ولحظةً بلحظة.. وكونوا أمناء على ما يجري حولكم، وبلِّغوا رسالة الإسلام من غير مواربةٍ أو تضليلٍ أو هوىً، فالتقرّب إلى الله عزّ وجلّ وقرآنه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وإلى أمّهات المؤمنين الطاهرات.. خير لكم من التقرّب إلى الزنادقة الهدّامين لدين الإسلام بعقائدهم الشاذّة المناقضة للإسلام، الذين يضحكون عليكم، ويستغلّونكم لتضليل الناس والعرب والمسلمين.. واعلموا بأنكم مسؤولون أمام العزيز القدير الجبّار المنتقم، في الدنيا والآخرة، ولن ينفعكم خميني ولا خامنئي ولا سيستاني ولا حسن نصر خامنئي ولا شيرازي.. ولا غيرهم من أمثالهم وشيعتهم.. وإنما تنفعكم كلمة حقٍ في دين الله العزيز الحكيم، وثبات على منهج الله عزّ وجلّ، وحِرص على عقيدة الإسلام، وذَبٌّ عن عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفاع عن صحابته الكرام، وعن أمّهات المؤمنين الطاهرات التقيّات المجاهدات.. فالتاريخ الذي نعيشه يقول:

منذ أن سيطر الحرس الثوريّ الإيرانيّ على مقاليد الأمور في إيران عام 1979م.. أطلق الخميني شعاره لتصدير الثورة الشيعية إلى أنحاء العالم العربيّ والإسلاميّ: (إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى خارج إيران)!.. (خطاب الخميني في الذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة الخمينية، بتاريخ 11/2/1980م). وقد تركّزت الخطط الإيرانية منذ ذلك الوقت، على تحقيق هذا الهدف: (تصدير الثورة الشيعية الخمينية) بكل عقائدها الفاسدة، فحاولت الدولة الإيرانية الشيعية الوليدة اجتياح العراق، لكنها اصطدمت بمقاومةٍ شرسةٍ قوية، أحبطت كل المخططات الفارسية الشيعية الشعوبية لاجتياح الدول العربية والإسلامية، ومزّق العراقيون شعار الخميني، بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً من أرواحهم ودمائهم وثرواتهم ومستقبل أبنائهم وتطوّر وطنهم، مثلما دفعوا البلاء والشرّ القادمَيْن من بلاد فارس، عن كل أوطان العرب والمسلمين.. إلى أن احتلّت أميركةُ العراقَ في ربيع عام 2003م، بتواطؤٍ إيرانيٍ كامل، لتحين ساعة نفث الأحقاد التاريخية والهمجية: أميركة تنتقم من العراق الذي تحدّى جبروتها وطغيانها، ولم يقبل أن يكون رقماً في حاسوب البيت الأبيض.. وإيران تنتقم منه بسبب إلحاقه أكبر هزيمةٍ بها في العصر الحديث، وتهشيمه الرأس الفارسيّ الصفويّ، بالقبضة العراقية المتينة!..

في حقيقة الأمر، بعد أن هُزِمَ الفرس الصفويون واقتنعوا بأنّ تصدير ثورتهم بالقوّة أمر غير ممكن، أعادوا النظر في استراتيجيّتهم، من غير أن يتخلّوا عن هدفهم: تصدير الثورة، فكانت –في الوقت نفسه- على الجانب الغربيّ من الهلال الخصيب، مؤامرة نشطة، تجري فصولها بوحيٍ من شعار الخميني لتصدير ثورته، أبطالها: النظام السوريّ الطائفيّ، وحركة أملٍ الشيعية، والسفارة الإيرانية في دمشق، والوليد الجديد من رحم حركة أمل: حزب الله الشيعيّ، الذي قدّم قادته (المصنَّعون فارسياً إيرانياً) بَيعتهم للخميني، معاهدين على الطاعة والإخلاص لـ (الوليّ الفقيه): الخميني، والالتزام بأوامره ونواهيه، وذلك عن طريق السفير الإيرانيّ في دمشق آنذاك (علي أكبر محتشمي بور)!.. ومنذ ذلك الحين، فتح النظام السوريّ بقيادة الطائفيّ (حافظ أسد) أبواب سورية لرعاع الثورة الشيعية الإيرانية، كما أشرف على بناء حزب الخميني الجديد في لبنان، وتسليحه وتقويته، وتواطأت الأطراف الثلاثة على تصفية المقاومة اللبنانية السنيّة للكيان الصهيونيّ، لاسيما المقاومة الفلسطينية، وترافق ذلك مع إبرازٍ تدريجيٍّ لِحُرّاس الكيان الصهيونيّ الجدد، الذين أطلقوا عليهم اسم: (المقاومة الإسلامية اللبنانية)، وهي التشكيل الذي استقبل أبناؤه وجماهيرهم الجيشَ الصهيونيّ بالأزهار والأوراد، أثناء اجتياحه لبنان عام 1982م.. لتبدأ بعدها فصول المخطّط الطائفيّ الرهيب في منطقتنا، لتفتيتها والاستيلاء عليها والسيطرة على أوطانها ومقدّراتها، بمختلف السبل الميكيافيلية الخبيثة، وبكل وسائل الخداع واستخدام الأقنعة، التي كان أشدّها صراخاً: شعارات المقاومة والصمود والتصدّي والممانعة وأكذوبة الوقوف بوجه الغرب وأميركة والكيان الصهيونيّ!.. إلى أن تبلور المشروع الطائفيّ الشيعيّ الفارسيّ، بمزاياه الجغرافية والديموغرافية والعقدية والدينية والاستراتيجية، وبدأت تتعمّق معالمه وضوحاً، وذلك مع تنصيب الطائفيّ (بشار أسد) ديكتاتوراً وراثياً على سورية!.. ثم مع احتلال أفغانستان والعراق.. وحين وجد أركان هذا المشروع الطائفيّ الفارسيّ المشبوه أنفسهم يملكون بعض أوراق القوّة، التي اكتسبوها من تواطؤهم مع أميركة ومشروعها المشبوه في المنطقة.. بدأوا بتسريع تنفيذ مخطّطهم الخبيث القديم الجديد: تصدير الثورة الخمينية، واللعب بالأوراق التي امتلكوها على حساب العراق وأفغانستان والشعبَيْن السوريّ واللبنانيّ، فكانت الحرب المفتَعَلَة مع العدوّ الصهيونيّ في صيف عام 2006م، التي تمّ فيها تدمير لبنان، واستقدام قوات اليونيفيل لحماية الكيان الصهيونيّ، وتسديد ضرباتٍ موجعةٍ للاقتصاد اللبنانيّ، والتنكيل بالآلاف من أبنائه بين قتيلٍ وجريحٍ ومُهَجَّر، وكان أسوأ ما في تلك الحرب المفتَعَلَة، هو تصريح زعيم حزب خامنئي اللبنانيّ: (لو كنا نعلم أنّ خطف الجنديَّيْن الإسرائيليَّيْن سيؤدي إلى هذه الحرب المدمِّرة.. لما قمنا بعملية الخطف هذه)!.. وذلك بعد أن أعلن عن (نصره الإلهيّ)، الذي لم يدرك الراسخون في العلم قصدَه في ذلك الوقت، لأن قلةً من العرب والمسلمين فحسب، كانوا يُدركون أنّ هذا الزعيم الصفويّ، كان يعني تماماً ما يقول، فقد انتصر مشروعه الفارسيّ الصفويّ، وحقّق أصحابُ هذا المشروع المشبوه كلَّ ما هدفوا لتحقيقه من إشعال تلك الحرب على لبنان: كسب إيران لنقاطٍ إضافيةٍ أمام منافسيها الأميركيين على المنطقة، وحماية النظام السوريّ القاتل من السيف المسلط على رأسه: المحكمة الدولية، وتعبئة الشعوب العربية والإسلامية وتجييش عاطفتها لصالح الفرس الشيعة وحلفائهم، تحت الشعار الخادع الكاذب: مقاومة العدوّ الصهيونيّ!..

*     *     *

لكنّ الشعوبَ العربية والإسلامية كشفت أركان اللعبة الخبيثة، ولاعبيها الحاقدين، وبدأت تدخل مرحلة الوعي الجماهيريّ لما يحيكه علاقمة العصر ضد هذه الأمة وعقيدتها ودِينها وأوطانها، وقد كان المشهد بالغ الوضوح في العراق وسورية ولبنان واليمن والسعودية والكويت والبحرين والإمارات ومصر والمغرب والجزائر و.. إلا لبعض (المفكِّرين الإسلاميّين)، الذين استعصوا على البصر والبصيرة، ليثبتوا أنهم: إما من المصابين بـمرض (النُّوَام المزمن)، أو من المبتَلين بداء (التومان الإيرانيّ) اللامع!.. ولله في خَلْقه شئون!..

                

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام