القاعدة والتمرد الطائفي
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
التهديد الورقي الذي أصدره ما يسمى بتنظيم القاعدة في العراق ضد الكنائس المصرية
كان خيرا لمصر وأهلها بالمفهوم الإسلامي ، وكان ذلك على النحو التالي :
*
أنه أسقط مقولة الاضطهاد الإسلامي للنصارى الأرثوذكس ، وهو ما كان يروجه المتمردون
الطائفيون الخونة في الداخل والخارج ، فقد استنكرت الهيئات الإسلامية المختلفة في
مصر ؛ فضلا عن الجهات الرسمية التهديد المذكور ، وأعلن المصريون المسلمون أنهم
يرفضون الزج بهم في مثل هذا البيان المشتبه به .
*
أن السلطة الرخوة في مصر نشطت وأعلنت عن رفضها لهذا البيان ، ووضعت حماية على
الكنائس وأماكن تجمعات النصارى أخذا بالأحوط ، مما يعني أن النصارى المصريين ليسوا
محل اضطهاد أو إهمال . وبالطبع فإن التشكيلات العسكرية الطائفية التي تسمى "
الكشافة " ، أصبحت غير ذات قيمة ، مع أن الذين أنشأوها تصوروا أنها تشكل جنينا
للجيش المتوقع تكوينه لحماية دولة التمرد الموعودة !
*
أن البيان كشف عن فقدان السلطة المصرية للسيطرة القانونية والدستورية على الكنيسة
التي صارت دولة فوق الدولة . ومعني أن تقوم الكنيسة باحتجاز مواطنات بغض النظر عن
ديانتهن ولا تستطيع السلطة حمايتهن ، فهي شهادة علنية بأن السلطة عاجزة عن حماية
بعض شعبها من أنياب الكنيسة ، ولا تستطيع أن تخلصهم من سجونها ، ولذا وجد التنظيم
المذكور – وسيجد غيره –فرصة للكلام عن تحرير الأسيرات المسلمات وغير المسلمات في
بيوت الخدمة الكنسية أو الأديرة . وبالطبع لن يجدي الرد السخيف : " وهما مالهم ! "
.
*
أن الأبواق المأجورة والمرتزقة والمتنصرين يقتنصون فرص الأحداث الإرهابية وفقا
للأجندة الغربية الاستعمارية الصليبية ، ويوجهون سهامهم للإسلام والمسلمين ، مع أن
المسلمين هم أول الضحايا للإرهاب الصليبي الاستعماري كما نرى في العراق وأفغانستان
ومن قبلهما فلسطين والبوسنة والهرسك والشيشان والصومال والسودان .. ومن ذلك ما قاله
بوق مأجور حول مسئولية الإخوان المسلمين عن أحداث كنيسة النجاة في العراق وعن
الأحداث التي ستحدث مستقبلا !
*
أن الإرهاب الحقيقي الوحشي هو ما تصنعه الولايات الأميركية المتحدة ومعها دول أوربة
الصليبية ( خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا ) والقاعدة العسكرية الصهيونية في فلسطين
المحتلة ؛ من قتل للشعوب الإسلامية ، وسرقة لثرواتها وتراثها ، مع تجييش العملاء
والمرتزقة للقيام بعمليات القتل والاغتيال .. لقد تم قتل أكثر من مليون عراقي على
يد القوات الأميركية والبريطانية والعملاء العراقيين ومرتزقة البلاك ووتر بأبشع
الوسائل وأحطها ، وتم قتل نصف مليون أفغاني بالوسائل ذاتها .
*
أن التنظيمات الوهمية أو الضعيفة التي تنفخ فيها الآلة الدعائية الاستعمارية
الصليبية ، مثل القاعدة ودولة العراق الإسلامية ؛ إنما تمثل ساترا للتدخل العسكري
الاستعماري الصليبي الوحشي في العالم الإسلامي مما يعني أن بعض هذه التنظيمات إن لم
يكن كلها ، صناعة استعمارية صليبية صهيونية ، وهاهي قصة الطرود المفخخة التي
يصنعها الموساد عادة ، يتخذها الغرب الاستعماري الصليبي وسيلة للتدخل في اليمن
السعيد ، بحجة القضاء على القاعدة ، تمهيدا لتمزيقه ، بل تمزيق الجزيرة العربية
كلها .. هل كان تمرد الحوثيين بعيدا عن هذا المخطط الصليبي الإرهابي ؟
*
أن الولايات المتحدة ومعها الكيان النازي اليهودي الغاصب في فلسطين ، ودول غربية لا
تكف عن التدخل في الشئون المحلية للدول العربية الإسلامية ، لإثارة الفتن والقلاقل
، وتمزيق الدول ، عن طريق النفخ في نار الطائفيات والعرقيات والمذهبيات .. وقد
اعترف رئيس المخابرات العسكرية الصهيونية المنصرف ؛ الجنرال عاموس يادين أن الأجهزة
الاستخبارية الصهيونية تدخلت في الدول العربية واخترقت المؤسسات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية ، والطائفية ، لإشعال الفتن وتمزيق البلاد ، وفي مقدمتها
مصر التي وقعت اتفاقية سلام عام 1979م .. وذلك حتى لا تقوم لها قائمة في المستقبل ،
وقد نشرت الصحف المصرية جميعا تصريحات السفاح الصهيوني الذي اعترف مفاخرا باغتيالات
الأجهزة الصهيونية لشخصيات عربية عديدة ، وللأسف فإن هذه التصريحات لم تجد تعقيبا
من السلطات الرسمية في البلاد العربية ، ولا من أبواقها المأجورة التي تنتشر
كالجراد في الصحف والإذاعات والفضائيات والمحليات .
لا
ريب أن أعدى أعداء الأمة هو الغرب الصليبي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية
وقاعدتها العسكرية الصهيونية في فلسطين المحتلة ، وهذا العدو لن يتوقف ولن يترفق
بنا نحن المسلمين أو غير المسلمين في البلاد العربية والإسلامية ، وحين يتصور بعض
الخونة أ ن الغرب أكثر قربا لهم وحنوا عليهم من أهل الوطن ، فهو تصور خاطئ وغير
عملي وغير مقنع .. لأن الغرب الصليبي الاستعماري لا علاقة له بالمسيحية من قريب أو
بعيد ؛ اللهم إلا اتخاذها شعار جذب لبقية الاستعماريين المتوحشين لمشاركته في
الجريمة واقتسام الغنيمة وفقا لقدرات كل وحش .. أما ما يقوله ويردده عن حماية
الأقليات غير الإسلامية أو العرقية غير العربية فهو محض هراء لا قيمة له ..
لقد
دخلت قوات الغزو الاستعماري الصليبي الوحشي إلى العراق قبل سبع سنوات تقريبا ،
فماذا جرى لنصارى العراق ؟ لقد هربوا من العراق ، وانخفض تعدادهم إلى النصف أو أقل
من النصف ، وكان من المفترض أن يعيشوا في أمان ، وفي جو أفضل في ظل الاستعمار
الصليبي وعملائه ، ولكن الوحشية الاستعمارية الصليبية لا تعبأ بالدين ولا الأخلاق
ولا القانون ، وسلطت على نصارى العراق مرتزقة البلاك ووتر وعملاء آخرين لممارسة
عمليات القتل القذرة ، وإلصاقها بمن يسمونهم المتطرفين الإسلاميين .. وبدأ نصارى
العراق الرحيل عن بلادهم دون أن تحميهم سيدة العالم الاستعماري الصليبي!
كتب
روبرت فيسك قبل أيام مقالا حول النصارى في العالم العربي ، فأشار إلى تناقص أعدادهم
وهجرة كثير منهم إلى خارج العالم العربي ، خاصة نصارى فلسطين ولبنان والعراق
والأردن ومصر .. لم يذكر فيسك الأسباب الحقيقية لهذه الهجرة أو الأسباب الرئيسية ،
التي تتركز فيما يقوم به الغرب الاستعماري الصليبي من إثارة الفتن والقلاقل في
العالم العربي ، واعتماده على بعض معدومي الضمير من العرب ؛ مسلمين وغيرهم ليقوموا
نيابة عنه بما يعجز عن القيام به !
وللأسف فإن التمرد الطائفي الخائن في مصر لم يتعظ من التاريخ ولا من الواقع ، وما
زال سادرا في غواية أفكار جماعة الأمة القبطية الإرهابية التي تحلم بتحرير مصر من
الإسلام ، وإقامة دولة نصرانية خالصة على غرار ما جرى في الأندلس وفلسطين المحتلة ،
وعزل الطائفة عن محيطها الاجتماعي ، وإلغاء اللغة العربية ، وإعادة المسلمين إلى
الجزيرة العربية !
إن
التاريخ يؤكد أن الشعب المصري لا يستجيب لدعوات الأشرار الذي يعتدون عليه أو يخططون
لتمزيقه .. لم يستطع نابليون مثلا أن يمزق مصر ، مع أن بعض الخونة بقيادة المعلم
يعقوب شكلوا جيشا ، كرنك في الرويعي بعد أن تحالف مع الغزاة الصليبيين ، وأطلق
القذائف على الشعب الطيب المتسامح ، وكان مصير الخونة هو الفرار من أرض النيل إلى
أرض سادتهم المجرمين !
ولم يستطع الإنجليز أن يحققوا الغاية نفسها مع أنهم عاشوا لأكثر من سبعين عاما في
مصر يصنعون نخب الخونة من مسلمين وغيرهم على أعينهم ..
واليوم يقوم الأميركان الاستعماريون الصليبيون المتوحشون مع خدامهم من اليهود
الغزاة بالأمر نفسه ، فيشكلون النخب العميلة من اليساريين والعلمانيين والليبراليين
وأشباههم ، ويحرّضون النصارى والنوبيين وأهالي سيوة بحجة أنهم أمازيغيون وليسوا
عربا على الانفصال عن مصر المحروسة ، وإعلان هويات مخالفة ، وكيانات جديدة أسوة بما
حدث ويحدث في العراق والسودان واليمن السعيد ، ولبنان من قبل .. ولكن هيهات !
لعل
حادث كنيسة سيدة النجاة يعيد المتمردين الطائفيين الخونة إلى صوابهم ، فيكفوا عن
إجرامهم وتحرشهم بالوطن الطيب ، ويتقبلوا أن يخضعوا للدستور والقانون ، ويوقفوا
عمليات الابتزاز التي يمارسونها ، ويطلقوا سراح السجينات البريئات ، فالشعب - وليس
الحكومة الرخوة - هو الذي سيدافع عن وحدته وأبنائه ومستقبله مهما كانت التضحيات .