إعادة جدولة الخسائر

أدباء الشام

إعادة جدولة الخسائر..

تدفع مؤسسات حقوقية ومنظمات مدنية في العراق الآن لمقاضاة أعضاء مجلس النواب العراقي، طالبي منهم إعادة أربعين مليون دولار تسلمها النواب كرواتب لهم رغم أنهم لم يحضروا سوى جلسة واحدة مدتها عشرون دقيقة في آذار (مارس) الماضي..

وبعيداً عن الظروف السياسية والصراع الدائر على السلطة في العراق، الذي تسبب في تعطيل البرلمان العراقي ووقف جلساته لأكثر من سبعة أشهر، تبقى الدعوة القضائية التي يطالب بها شباب حقوقيون عراقيون تحمل من الجدية والطرافة بقدر ما تستفز المواطن العربي لأن يسأل كيف ومتى وأين..؟!

يبدأ المسؤول العربي بالاستجابة للأسئلة التي تلح علينا جميعاً كل يوم.. من أين لك هذا؟، وكيف ستعيد ذلك الذي أخذته أو"استعرته" من قوت الشعب؟، ومن سيدفع ثمن أخطائك وعثراتك ورعونة خططك وضحالة استراتيجيتك بعد أن تغادر؟، محفوفاً بالشكر والتقدير وبوعد لوظيفة قادمة على رأس مجلس إدارة أو بعثة دبلوماسية أو أقلها مستشار؟!

أتساءل كما سأل أولئك العراقيون.. أيحق لنواب وممثلين للشعب أن ينالوا كل هذه الملايين لقاء عملٍ لم يقوموا به..!؟

وأذهب بعيداً.. لأقترب أكثر، أيحق لبعض النواب الذين عُيِنوا بقرار نافذ كممثلين للشعب، أن ينالوا كل هذه المزايا والرواتب والمناقصات من قوت الناس، رغم أنهم لم يُنتَخَبوا أصلاً من قبل الناس..

ماذا تحقق على صعيد المسيرة الديمقراطية بسبب التجربة الأخيرة..؟. ألم تتزايد نسب عزوف الشباب عن المشاركة الانتخابية؟، ألم يزهد الناس بالديمقراطية كلها.. وهم يتساءلون بحسرة عن مصداقية الصناديق..؟.

أليس من حقنا، مثل أولئك الشباب العراقيين أصحاب الدعوة الجادة الطريفة، أن نسأل من يتحمل تبعات القرارات الحكومية الخاطئة والرعناء..؟ ممن ستُسَدَدُ أو لعلها سُددت بالفعل من أعباء الناس..؟.

أتذكرون مشروع الكازينو الذي ذهبنا به بعيداً فسقطنا نحن والكازينو والملايين التي ذهبت غرامات وشروطا جزائية.. خرج أصحاب الرؤية "السديدة" من دون أن يُسأل أحدهم.. فقط (يسأل) من يدفع فاتورة خطئه وسوء تقديره؟.

ثم أتساءل بإلحاح كيف لمسؤولين مقصرين.. فشلوا في كل مناصبهم.. وأوقعوا قطاعات عملهم وخطط وزاراتهم والبلد كلها في مآزق لا قبل لنا فيها.. أن ينالوا رواتبهم ومكافآتهم ومياوماتهم وبدلاتهم من دون أن يُسألوا عن كل هذه الأخطاء..؟. ثم يغادروا ليجدوا مؤسسة أخرى جاهزة ليبدأوا معها من المربع الأول.. وهكذا دواليك..

أتعرفون أيها السادة.. كم من المشاريع الكبرى، اكتشف القائمون عليها أن ثَمةَ أخطاء فنية وهندسية قاتلة تعتريها..؟ وقتها يكون السيف قد سبق العذل.. وسددت الفواتير وتسلم أصحاب المناقصات والمشاريع حقوقهم.. ويبقى على المواطن أن يتعايش مع هذه الأخطاء كيفما اتفق.. دونما شكوى حتى!

وبالمناسبة أدعوكم فقط لإبقاء مشروع الباص السريع نُصب أعينكم.. فالأخبار المحيطة به تثير المخاوف..!

من، إذن، المسؤول عن رواتبَ وزراء مُهمِلين.. ونواب معينين.. ومسؤولين مُقَصِرين.. وموظفين يتقاضون رواتبهم.. ويقضون نهاراتهم في دواوين السياسة ومجالس الإشاعة والنميمة، وتصفح حكايات الناس وأحلام المستوزرين، وتحليل الدوائر الانتخابية الوهمية والرئيسية، وتتويج بعض المرشحين وإسقاط الآخرين؟.

أتذكرون كارثة نتائج التوجيهي قبل عامين، من تحمل، مسؤوليتها أو هل سمعنا عن مُقَصرٍ حكومي دفع ثمن (بهدلة) الناس، وضياع الشباب وليالي العائلات الطويلة بانتظار نتائج ابنائهم..؟ لا أحد.

مشاكل إقامة حجاج بيت الله من البعثة الأردنية، أقصد المشاكل السنوية التي تتكرر كل عام، من سُئل عنها يوماً؟ لا أحد.

صورة ما وصل إليه التلفزيون الأردني من مستويات إنتاجية ونسب مشاهدة متواضعة من دون استطلاعات رأي تجميلية مخادعة، هل سُئل عنها أحد؟!

في مصر استقال وزير النقل بعد تصادم قطارين، وفي أزمة انفلونزا الخنازير "استشعر" وزير الصحة البريطاني إخفاقاً في التعاطي مع الأزمة.. فاستقال. وزير بريطاني آخر استقال بعد أن ثبت تلقيه أموالا من دون وجه حق.. واستقال وزير الزراعة الياباني بعد استيراد أرز ملوث، فيما استقال وزير خارجية كندا بعد نسيانه لملفات حساسة.. عند صديقته!

أليس من المعقول أن يُسأل أحدٌ عن أي شيء: فشل، خطأ، إخفاق، سوء تقدير أو حتى نسيان ملفات حساسة..

غداً، ربما تكون صفحة جديدة في حياتنا ونحن بمواجهة استحقاق الانتخابات وممارسة دورنا في اختيار من يمثلنا لا من يعينون على رؤوسنا ورؤوس الأشهاد.. لنفعلها لعلنا نقدر يوماً أن نسأل أحداً عن أي شي!.