التجربة الفلسطينية ... أين الخطأ والصواب

أسعد العزوني

التجربة الفلسطينية ...

أين الخطأ والصواب ؟؟!!

أسعد العزوني

[email protected]

بما أن الستارة أسدلت على المشهد الفلسطيني فقد بات لزاما على المثقفين الفلسطينيين والعرب الموضوعيين قراءة ملف الثورة الفلسطينية 1965-1993 والوقوف ما امكن على مفاصل التجربة من أجل وضعها أمام من سيحركون الساكن لاحقا .

وأجد نفسي أول المبادرين في هذا المشروع  بما لدي من تجربة جد متواضعة في هذا الشأن وأشدد الدعوة على الجميع ان يسهموا في هذا الملف لاغنائه شرط التزام الموضوعية واعطاء كل ذي حق حقه .

معروف أن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي اغتاله السادات سما بفنجال القهوة حسب شهادة الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل  كلف الراحل أحمد الشقيري عام 1964 بدراسة الواقع الفلسطيني  ، لكن الأخير عاد اليه في قمة 1964 بمشروع تأسيس منظمة التحرير  الفلسطينية الأمر الذي أزعج عبد الناصر وقال  له : طلبت منك دراسة عن الواقع الفلسطيني ، وليس مشروعا لمنظمة تحرير !!  لكن الشقيري أصر على موقفه وهدد بعقد مؤتمر  صحفي  على هامش القمة يقول فيه أن ناصر رفض مشروعا لتحرير فلسطين  ! وقال له أيضا : لقد احضرت المولود وأرجو ان تكون قابلته !! وهكذا نشأت منظمة التحرير الفلسطينية ، وليتها ما نشأت لأنها التهمت فتح التى انطلقت في الفاتح من كانون ثاني 1965 ، والتهمتها السلطة التي انبعثت عن اوسلو عام 1993 كما التهمت فتح أيضا ، وها هوه الشعب الفلسطيني بلا مرجعية  مقاومة ، خاصة وأن حركة حماس اسيرة ظروف تأسيسها وواقعها ورغبتها بتولي السلطة ودعوتها الى هدنة طويلة ، اضافة الى أن بقايا فتح وجدت نفسها  متسهدفة من قبل كل من رئيس وزراء السلطة القادم من البنك  الدولي سلام فياض الذي فتحت له خزائن امريكا لتمزيق ما تبقى من فتح من خلال استئجار بعض القادة " المستثمرين " في النضال لتشكيل تنظيمات منشقة عن فتح تكون سندا له في صراعه مع رئيس السلطة محمود عباس الذي يعمل هو الآخر على قتل كل مظاهر المقاومة .

وللانصاف ، فان الحديث عن فصائل منظمة التحرير يكاد يكون مخجلا لصاحبه بل وعبئا غير محمود عليه لأن قادتها ضاعوا بعد أن أضاعوا ، ولم يتبق من الحالة الفلسطينية   سوى حركة الجهاد الاسلامي التى تستهدفها حركة حماس في غزة  حتى تثبت للعالم انها الآمر الناهي في القطاع ، وأنها راغبة بأن يتحدث اليها المجتمع الدولي .

كما قلت ، لن اكون منحازا ، مع أنني أتألم  من داخلي حد التمزق ،كوني عايشت مساحة كبيرة من هذه المرحلة .

ومع ذلك أقول أن أن اول خطأ ارتكبه القائمون على الشأن الفلسطيني هو التركيز على الوجود الخارجي واهمال الداخل وداخل الداخل ، أي عدم تركيز  الثورة في الضفة والقطاع وتفعيل الأهل في فلسطين المحتلة عام 1948 الذين يعيشون بين ظهراني الاسرائيليين ويتحدثون بلغتهم وكان بالامكان الاستفادة منهم ولكن.. !!

هناك ظاهرة برزت في الضفة وغزة بعد الاحتلال ، وهي أن المصانع والمزارع وورش البناء الاسرائيلية فتحت أبوابها للعمال الفلسطينيين ودفعت لهم أجورا مجزية بعد أن كانوا – شأنهم شأن اهالي الضفة والقطاع- يعانون من الضائقة المالية والجوع .

وهؤلاء احتلوا مكان الجنود الاسرائيليي الذين التحقوا بالجيش الاسرائيلي ابان حرب الاستنزاف والفترة الذهبية للمقاومة الفلسطينية التى اوجعت العدو ، ولم يتم الاستفادة منهم لتعطيل الانتاج الاسرائيلي ، وقد استهدفهم الاهمال المزدوج الفلسطيني سابقا والعربي حاليا الأمر الذي أوقعهم في الفقر والفاقة مجددا بعد أن منعتهم اسرائيل من العودة الى مصانعها ومزارعها وورش بنائها  بعد ان انتفى الخطر الفلسطيني العربي على حد سواء ، وأصبحت اسرائيل هي الصديق   المهين       والذي ينسق ويتحالف معه من  أجل التخلص من حزب الله والخطر الايراني المزعوم؟! .

وللانصاف أيضا فان الواقع العربي كان وما يزال بيئة طاردة للمقاومة وتحول هذه الأيام الى عامل ضغط على الفلسطينيين لصالح اسرائيل ، وأكاد أشك أن ما جرى في اوسلو كان بترتيب عربي للتخلص من الفلسطينيين الذين تعرضوا لحروب ابادة ولم ينقرضوا وبالتالي  أصبح لزاما التعاقد مع اسرائيل لتولي المهمة وهكذا كان اذ ذهب ريح الفلسطينيين وغادروا خندق الثورة الى مواخير المفاوضات .

ربما كانت هزيمة 1967 واستيلاء اسرائيل على الضفة وغزة وسيناء والجولان وشريط حدودي في الأردن وجنوب لبنان هو الذي شكل أول ضربة للثورة الفلسطينية ، وقد كانت كذلك حيث شهدت  حركة فتح أول انشقاق بعدها ، اذ ظهر فريق يقول أن الجيوش العربية قد هزمت ، فما بالك بأفراد ؟؟ لكن الرئيس الراحل عرفات قاد  الشق الثاني الذي نادى باستمرار الثورة ، وجاءت معركة الكرامة المشرفة ليسجل الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية مجتمعين انصع صفحات الشرف في التاريخ العربي ، واضطر الأعور دايان الى جر ذيول الخيبة وقال للصحفيين في معرض رده على أسئلتهم حول وضع المقاومة أنه غير رأيه فيها وأنها ليست كالبيضة في يده يكسرها متى شاء كما سبق وقال لهم في فندق الملك داوود ، وحمار من لا يغير رأيه ، وكان قد عاهم في فندق الملك داوود بالقدس الى انتظار اشارة منه ليشربوا معه شاي الضحى في عمان بعد ( احتلالها ).؟!

لم تدم الفرحة الأردنية – الفلسطينية  ووقعت أحداث أيلول 1970 وأخرجت المقاومة الفلسطينية من الأردن وقفزت الى لبنان لعدم وجود دولة فيه ولم تتمكن من التواجد أو العمل المسلح في سوريا .

ونظرا لوضع لبنان تمكن الفلسطينيون من العمل ضد اسرائيل واوجعوها الى درجة أن سكان المستعمرات في شمال فلسطين كانوا يهجرون مستعمراتهم ليلا بعد أن أصبح النوم في ملاجئها مرعبا ناهيك عن قيام اسرائيل وللمرة الأولى عام 1978 بطلب الهدنة مه المقاومة ؟!.

لم تدم الحالة في لبنان اذ قامت اسرائيل باستئجار الانعزاليين فيه مسيحيين ومسلمين ، وتصدر الصراع حزب الكتائب وحركة أمل الشيعية ودام الصراع الذي اتخذ صورة الحرب  الأهلية مدة 16 عاما ، ومهد ذلك لغزو لبنان وحصار لبيروت  دام 88 يوماعام 1982 ، وجرى انتخاب بشير الجميل رئيسا للبنان آنذاك لكن الله سلم .

المختصر المفيد في الحالة الفلسطينية هي أن ذات الصورة ما تزال هي هي ، فالرسمية العربية هي التي اوقفت اضراب عام 1936 وقيل للفلسطينيين ان عليهم  وقف الاضراب والثورة  لأن "صديقتهم العظمى بريطانيا " وعدتهم بحل المسألة ، وقد بذل رئيس الوزراء العراقي " آنذاك " نوري السعيد جهودا كبيرة لذلك ، وها هي ذات الرسمية العربية الحالية تمارس ذات الدور وتقول للفلسطينيين أن عليهم وقف المقاومة لأن " صديقتهم " العظمى أمريكا  وعدتهم بحل المسألة .وها هي أمريكا مدعومة بالرسمية العربية تمارس أقصى درجات الضغط على السلطة لطي ملف الصراع  لصالح اسرائيل .

ولأن الشىء بالشىء يذكر ، فقد استدعى ملك عربي الرئيس الراحل ياسر عرفات ربيع 1982 وابلغه رسالة مفادها أن عليه التخلي عما كان يطلق عليه " فتح لاند " في جنوب لبنان بطول 40 كم لأن اسرائيل تنوي احتلالها ، وعندما حاول عرفات اقناع ذلك الملك  بالتوسط لدى من كلفوه بنقل الرسالة أكد له أن الجماعة اتخذوا قرارهم ولا مجال للتراجع وأنه أبلغ الرسالة .

 عندما عاد عرفات الى بيروت بعد ان قام بجولة عربية طالبا السلاحللمواجهة ولم يلبي أحد طلبه ، أبلغ قادة مقاومته ان عليهم الحفاظ على الذات والقتال بشرف ، وهكذا كان واحتلت اسرائيل بيروت دون أن يحرك أحد ساكنا ، وقيل من من قبل البعض أن " اسرائيل لن تجرنا الى  المعركة لأننا نحن الذين نحدد الزمان والمكان " وللأسف لم نر منذ ذلك الحين من يواجه اسرائيل سوى حزب الله الذي تحول هو الآخر الى قوة مواجهة موسمية ولم يدخل خندق المواجهة اليومية .

التحالف العربي – الاسرائيلي بات واضحا حد الابهار وها هي فلسطين تغيب حتى عن الشاشة الاعلامية العربية لتتصدر ايران الواجهة كونها باتت هي العدو لاسرائيل وغالبية الرسمية العربية .

 وجاء اشتراك حماس في الانتخابات الفلسطينية والانقسام الفلسطيني عوامل اضعاف للحالة الفلسطينية ، بعد ان فعلت اوسلو فعلها الأسود ظنا من القائمين عليها - في حال افتراض النوايا الحسنة- أنهم سيتخلصون من الضغط العربي .

بعد عرفات الذي رحل مسموما أصبحت الرسمية الفلسطينية رهينة اسرائيلية ودخلت بيت الطاعة العربي .

"" ليس كل ما يعرف يقال ولكن الحقيقة تطل برأيها "".