إحراق المصحف ومسجد الأنبياء

أ.د. حلمي محمد القاعود

إحراق المصحف ومسجد الأنبياء ؟!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

 في فجر يوم الاثنين 4/10/2010م ؛ أحرق عشرات المستوطنين من الغزاة النازيين اليهود ، مجموعة من نسخ المصحف الشريف ، وقاموا بإضرام النيران بمسجد الأنبياء بعد اقتحامه في بلدة بيت فجار قرب مدينة بيت لحم المحتلة .

وذكرت صحيفة معاريف العبرية أن شهود عيان فلسطينيين قالوا : إن المستوطنين الصهاينة انتهكوا حرمات كتاب الله وبيته وحرمة البلدة، ووضعوا 15 مصحفًا على سجاد المسجد ثم قاموا بإحراقها، إضافة إلى أن ذلك تسبب أيضاً في حدوث أضرار مادية لجدران المسجد الداخلية، وكتبوا كتابات بالعبرية ضد الإسلام ورسموا نجمة "داود" اليهودية.

وصرح أحد شهود العيان الفلسطينيين بأنه في الفجر شاهد سيارة بيضاء تحمل لوحات أرقام يهودية تهرب من المكان تجاه مفترق مغتصبة "كفار عتسيون"، بعد زمن قصير من إحراق مسجد الأنبياء في المدينة.

وفى السياق نفسه أسرعت إلى المكان قوات الشرطة الفلسطينية التابعة لسلطة رام الله المحتلة وطواقم الدفاع المدني وأطفأت النيران، وعقب ذلك فتحت الشرطة الفلسطينية تحقيقًا لإرفاق الحادث بسلسلة أحداث أخرى على أيدي المستوطنين الغزاة .

ورجح مراسل قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة ؛ وجود مخطط متواصل لاقتراف أعمال إجرامية مماثلة كهذه ، وأشار نقلا عن مصادر فلسطينية إلى أن المستوطنين دنسوا عدة مساجد أخرى في المنطقة خلال الشهور الماضية. ولفت إلى أن التسلسل في هذه الأعمال يشير إلى وجود منظمة إرهابية يهودية تستهدف المساجد خصوصا في محافظة نابلس.

وأوضح مدير مكتب الجزيرة أن موقف الحكومة الصهيونية من ذلك لا يتعدى التحقيق والاستنكار ومع أنها قامت أحيانا باعتقالات في صفوف المستوطنين فإنها تتساهل معهم.

من جهة أخرى  أكد مدير بلدية بيت فجار "علي ثوابته " ، أن ستة مستوطنين جاءوا في سيارة الساعة الثانية والنصف "وداهموا مسجد الأنبياء على مدخل البلدة وقاموا بحرقه وكتابة شعارات بالعبرية منها الحمام رقم 18".

وأضاف في اتصال مع  " رويترز " :عندما رأى الناس النار في المسجد هرعوا إليه لإطفائها. وكانت النيران قد أتت على السجاد إضافة إلى 15 مصحفا". وقال "هذه أول مرة يهاجم المستوطنون مسجد القرية  ، وهناك مستوطنة بالقرب منا اسمها " مجدل عوس".

في غضون ذلك، اعتقل جيش الاحتلال اليهودي ثلاثة فلسطينيين في حملة دهم  بالضفة الغربية فجر الاثنين. وقالت الإذاعة الصهيونية إن الاعتقالات طالت مطلوبين فلسطينيين، جرت إحالتهم للجهات الأمنية من أجل التحقيق معهم.

ولم يكشف الجيش عن أي انتماءات تنظيمية للمعتقلين. وتشن قوات الاحتلال  عملية دهم بصورة شبه منتظمة تعتقل فيها من تسميهم مطلوبين فلسطينيين وسط استياء سلطة رام الله المحتلة   التي تعتبر تلك المداهمات تشكل إحراجًا لها

قوات الغزو النازي اليهودي لا تعبأ بقانون أو أخلاق أو ضمير ، وقد رأت العالم العربي والإسلامي جثة هامدة ، لا تتحرك مهما كانت حدة السكاكين التي تقطع فيها .  فالحكومات منبطحة ، وتواصل قراراتها بالتفاوض مع العدو من أجل الاستسلام إلى ما لانهاية ، والشعوب تعاني من الجوع أو التخمة ، وتخضع لقهر غير مسبوق بعد أن تم قطع ألسنتها وأيديها ، وإشغالها بلقمة الخبز ، أو مباريات كرة القدم .

والشعب الفلسطيني يعاني الأمرين من الاحتلال النازي اليهودي ، وقوات رام الله المحتلة التي تقف كتفا بكتف مع العدو الصهيوني . لا تدفع عن الشعب الفلسطيني الأسير ما يذوقه على يد القوات النازية الغاصبة ، ولكنها تتطوع بتقديم خدمات مجانية للعدو ، بالقبض على الناشطين الفلسطينيين المقاومين وتسليمهم إلى العدو ، وملاحقة من ينتمون إلى الله من المنظمات المقاومة للاحتلال الغاصب ، وهو ما يعني أن الكارثة ليست في الاحتلال وحده ، ولكنها تمتد إلى من تسلطوا عليه ممن ينتسبون إلى فلسطين بالاسم وإلى العدو بالفعل .

إحراق المصاحف والمساجد بوساطة اليهود الغزاة ، منهج وليس حادثة فردية ، فالقرآن والمسجد يمثلان للغزاة القتلة ، مقاومة مستمرة لا تهدأ ولا تلين ، وطالما استمر القرآن في أيدي الفلسطينيين المسلمين ، وطالما ظل المسجد قائما ؛ يرسل اسم الله لكل المؤمنين ، فمعنى ذلك أن فلسطين لن تموت ، وأن الأقصى لن يسقط ، وأن القدس لن تظل أسيرة ، وأن أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم - لن يسكتوا على اغتصاب المقدسات ، وبقاء الأشرار الغزاة في مأمن واطمئنان .

إن القرآن والمسجد رمز لما سيكون عليه المستقبل - إن شاء الله - وهو مستقبل مليء بالإيمان بالله ، وبالصبر في مواجهة طغاة العالم وفي مقدمتهم الصهاينة القتلة ، ولهذا يأتي المغتصبون بأفعالهم الخسيسة ، فيحرقون القرآن ويحرقون المساجد .

إن عملية الإحراق للقرآن ومسجد الأنبياء في قرية فجار ببيت لحم المحتلة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة . إنها تحمل العملية رقم 18، ومعنى ذلك أن الغزاة القتلة مستمرون في مخططهم الشيطاني ، لإهانة الإسلام والمسلمين ، وكل ما تقوم به حكومة القتلة اليهود : فتح تحقيق ، ثم إغلاقه ، وهكذا يفلت الجناة من العقاب ، الذي لن يقع عليهم أبدا ، مهما استنكر رئيس الوزراء اليهودي ، أو قال وزير دفاعه السفاح إن ذلك يضر بما يسميه كذبا مفاوضات السلام ، ومهما قالت بعض المنظمات اليهودية إن ذلك عمل لا يجوز !

المفارقة أن سلطة رام الله المحتلة تراقب المساجد في الضفة الغربية ، وتتولى التضييق على الأئمة والخطباء الذين لا يؤيدون السلطة الموالية للاحتلال ، والمنبطحة أمامه ، وتعتقل رواد المساجد ، وتغلق جمعياتهم الاجتماعية التي تقوم بدور في مساعدة الفقراء والمحتاجين والطلاب ، ولا نسمع صوت وزير الأوقاف الفلسطيني يغضب لله من أجل القرآن الذي احترق ، و المسجد الذي انتهكت حرمته ، وهو الوزير الذي لا يكف عن هجاء المتدينين من شعبه ، وسب علماء الإسلام الذين لا يوافقون على الاستسلام والانبطاح ..

وبالمثل فإن وزارة الأوقاف في مصر بقيادة فضيلة الجنرال ، لم يسمع لها أحد صوت عند حرق المصاحف والمسجد ، ولا حين أهين الإسلام على يد الكاهن المتمرد في الكنيسة المصرية الذي شكك في القرآن ، وزعم أن محمدا قاله (؟) ، وأن آيات أضيفت إليه بعد وفاة الرسول –  صلى الله عليه وسلم – إنها مفارقة غريبة : الصمت المريب حين يهان الإسلام ، والجهر المعيب حين الدعوة إلى زيارة القدس  تحت ظلال السيوف اليهودية دون الدعوة إلى الجهاد ، وهذه المفارقة أمر محير وغريب بل  عجيب ..

وزارة الأوقاف المصرية مشغولة بوضع كاميرات في المساجد المصرية لكشف الداخلين والخارجين والمصلين والمعتكفين والخطباء والمعلمين ، ولكنها لا تهتم بترميم هذه المساجد أو تجديدها ، تنشغل الوزارة بمنع الأئمة من تناول قضايا الأمة وأحوال الناس ، وتفرض عليهم الدعوة إلى تحديد النسل ورفض الختان ، ولا تسمح بالحديث عن الجهاد وتحرير المقدسات .. هل تعمل وزارة الأوقاف في مصر وأختها في فلسطين المحتلة لحساب الإسلام أم لحساب العدو النازي اليهودي ؟ قولوا لنا بالضبط كي نعلم – وإن كنا نعلم – حقيقة الدور المنوط بوزارة الأوقاف التي يأتي على رأس مهمتها الأولى الدعوة إلى الله ، وتحرير المسلم من الشرك وتحرير المسلمين من الطغاة والغزاة ؟

ثم متى تتحرك الهيئات والجهات القانونية والحقوقية ضد الإجرام النازي اليهودي الذي يحرق القرآن والمساجد في فلسطين المحتلة ؟

إن العدو لا يتورع عن اقتراف الجرائم المنافية لحقوق الإنسان ، والحيوان والنبات ، لقد آن الأوان لمواجهة هؤلاء القتلة بالقانون في كل المحافل الدولية ، والمنظمات العالمية ، ومؤسسات الضمير الإنسانية ، وملاحقة المجرمين في كل مكان ، وأعتقد أن لدينا على امتداد العالم العربي والإسلامي إمكانات هائلة للتصدي لحرق القرآن والمساجد ..

يجب ألا نعتمد على السلطة الفلسطينية المحدودة في رام الله المحتلة ، ولا الحكومات العربية ، لأنها مشغولة بأشياء أخرى ، من قبيل التوريث ، ومباريات كرة القدم وستار أكاديمي .. وأن يأخذ الناس المبادرة بأيديهم لوضع حد للإجرام النازي اليهودي في فلسطين وفي كل مكان .

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .