أساتذة الجامعات وتسمم الأفكار
أساتذة الجامعات وتسمم الأفكار
تحسين أبو عاصي *
– غزة فلسطين –
[email protected]
دعاني احد الأصدقاء الكرام لحضور نقاش
سياسي بعنوان المفاوضات والاستيطان ، وذلك في إحدى المؤسسات المدنية التابعة لبعض
أساتذة الجامعات الفلسطينيين يوم الثلاثاء 28-9-2010م بعد صلاة المغرب .
استمعت إلى كثير من المداخلات حول
الموضع المطروح من كثير من الحضور الذين كانوا على درجات أكاديمية متفاوتة .
دار الحديث في جوهره على عدم الرضى عن
موقفي حركتي فتح وحماس بشأن المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية وحكومة الكيان
، على أن تلك المفاوضات مرفوضة في نظرهم جملة وتفضيلا ، كما أنهم لا يوافقوا على
موقف حركة حماس بشأن قبولها للحوار مع حركة فتح في دمشق من أجل إنهاء الانقسام ،
وتساءلوا فيما بينهم : لماذا وافقت الآن حركة حماس وليس من قبل على الحوار مع حركة
فتح ؟ ... واعتبروا أن السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس
منظمة التحرير الفلسطينية تتقاطع مصالحه مع المصالح الأمريكية في المنطقة ، وأنه لا
يتعرض إلى ضغط على الاطلاق ، كما سمعت من بعضهم طرحاً إنشائيا لا يرتقي إلى الطرح
العلمي ، وما هو يحتاج إلى تقييم وتصحيح في الرؤية ، ومن بعضهم الآخر طرحا متطرفاً
حاداً ، وأدركت حجم تمسك كلٌ بطرحه ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ...
عجبت من مغالطات كثيرة في الطرح السابق
، خاصة أنه يأتي على ألسنة أكاديميين جامعيين ، يبنون عقول شبابنا ، ويعدونهم
ليصبحوا في المستقبل قادة الفكر والسياسة والمجتمع ! ، وشعرت أثناء ذلك وكأنني لا
اعرف أين أنا جالس ، هل مع أنصار طالبان والقاعدة ، أم أنصار ليون تروتسكي ، أم
مؤيدي ماو ، أم أنني أمام أتباع ماركس جديد ، أم لينين آخر ، أو عصر جديد من أنصار
رجال بليخانوف وأكسلرود وزاسوليتش ومارتوف وبتروزوف ، لست أدري ( فهذه هي حقيقة ما
شعرت به ) .
بعد ما سمعت آراء وتحليلات ووجهات نظر
كثيرة ، وحيث أنني ضيف ، وللضيف حقوقه وواجباته ، كنت أتمنى ألا أتكلم بينهم في شيء
مطلقا .. إلا أن الأخ الكريم الذي كان يدير الجلسة ، وبعد أن تم تعريف جزئي للحضور
حول هذا الضيف المدعو الجديد وهو أنا كاتب السطور ، طلب مني أن أشارك في النقاش ،
حاولت الهروب لكي لا أصطدم بفكر احد ، خاصة أنني ضيف لأول مرة ، فقلت لهم أنني ضيف
، ويجب أن أستمع في هذه الزيارة والتي هي الزيارة الأولى بالنسبة لي إلى هذا المكان
، إلا أنني لم أفلح فبدأت الحديث قائلا :
أشكركم لدعوتكم لي ، ويسعدني أن يكون
هذا اللقاء الأول بيني وبينكم ، وأتشرف بالحضور بين أساتذة كرام ، اعتبر نفسي
تلميذا بينهم .
وقلت : إن الطرح السياسي يجب أن يكون
طرحا مفصليا ؛ لأنه يعبر عن عمق أو سطحية رؤية صاحبه ، وأن كل طرح سياسي يجب أن
يعبر عن صدق انتماء ، وأن حقيقة الانتماء هي الاكتواء ..هي العطاء .. هي التضحية
والبذل .. ويجب على كل مفكر وكاتب أن يطرح طرحا بعيدا عن التسلية وقتل الوقت والترف
الفكري والمصالح الخاصة ، وألا يطرح طرحا من خلال برجه العاجي ، ولا من فوق أرائكه
النعامية ، وأن المثل الشعبي يقول : البحر يصدق الغطّاس أو يكذبه .. وانه ينبغي
على كل كاتب ومفكر أن يكون أداة بناء لا معول هدم وتفرقة ، يعمل على جسر الهوة بين
الأشقاء في حركتي فتح وحماس لا توسيعها باعتبار أن القلم أمانة ، وأن الانقسام
الفلسطيني من أكبر المشكلات التي تواجه شعبنا ، وعلى الجميع أن تؤثر بهم مناظر
الأشلاء والدماء ، وألوان المعاناة التي نشاهدها صباح مساء ، والتي هي سلسلة طويلة
من الويلات والمعاناة ، وانه من الخطأ اعتبار قادة إحدى الحركتين ( فتح أو حماس )
خونة وعملاء مهما كانت نتائج خلافاتنا فيما بيننا ؛ لأن هذا معيب ولا يدل على رؤية
علمية ووعيا سياسيا ، ويجب على قادة حركتي فتح وحماس وعلى جميع المفكرين والسياسيين
والأقلاميين أن ينتبهوا إل عمق جراح شعبنا ، وشلالات الدماء ، ومناظر الأشلاء ،
وألوان المعاناة ، لعلها تكون حافزا لهم جميعا نحو تحقيق الوفاق ... وقلت لهم :
إنني فرحت بلقاء الأشقاء من حركتي فتح وحماس في دمشق وأنني كتبت في ذلك مقالا
بعنوان ( مرحبا بقاء الأشقاء في دمشق – الرابط في نهاية الموضوع - ) . انتهى ما قلت
، فلاحظت رفضا وعدم ارتياح من الحضور بسبب ما قلت ، ولم يؤيدني احد ولو بكلمة واحدة
؛ فأثار ذلك عندي الدهشة ! .
بمجرد أن أنهيت كلمتي القصيرة تلك ،
بدأ الكاتب ( ي ح ) بكيل الشتائم والاتهامات نحوي قائلا :
يبدو أن البعض جاء هنا لتسميم أفكارنا
، وأن كلمة الانقسام كلمة مرفوضة ، وأنه من غير المقبول أن يكون المرء وسطيا
انتهازيا ، فعليه أن يكون إما أبيضا أو أسودا ، ثم استغرق في تحليلاته كما يروق
ويحلو له لنصف ساعة تقريبا ، حتى أنني بالكاد استطعت ان أرد عليه فيما يأتي :
أخي عن أي تسميم للأفكار تتحدث وقد جئت
إليكم ضيفا مدعوا وأعدكم بعدم تكرار زيارتي لكم ؟
وعن أي وسطية انتهازية تتكلم وانا
معروف بأنني كاتب مستقل ، ولا أنتمي إلى أي فصيل؟
وأن الانتهازية هي تلك القوى المعروفة
للجميع ، والتي تتقاضى ملايين الدولارات على حساب الانقسام الفلسطيني ، فكيف أكون
أنا هنا وسطيا انتهازيا !؟ .
وعندما أردت الانصراف لم يعتذر لي أحد
، وشكرتهم على حسن وجمال ورونق استضافتهم لي !! .. كما لم يناصرني منهم احد ولم
يحترموا أنني ضيف بينهم ، باستثناء تلطيف سطحي غير مقبول من مدير اللقاء ...ثم قال
لي : نحن من مؤيدي نهج المقاومة ، فعجبت من قوله وكأنني أدعوا إلى الاستسلام وبيع
البلاد والعباد .. ولا أعرف كيف فهم ذلك من خلال حديثي السابق ؟. انتهى .
التعليق على ما سبق أقدمه لأخي لقارئ
أو أختي القارئة ، بعيدا عن التعميم ولا أقصد أحدا بشخصه ولا بمكانته ، فلدينا كثير
من أساتذة الجامعات الجديرين بمكانتهم في قلوبنا وعيوننا :
· إن كانت هذه صورة من صور أفكار بعض
أساتذة الجامعات ، فكان الله في عون الخريجين من أبناء شعبنا.. !! .
· هل يحق للمدعو ( ي ح ) أن يحجر على
أفكار غيره ، وهل يملك الحق المطلق والقول المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه بحيث لا يمكن نقده! .
· هل يحق له أن يلغي الفكر الوسطي
المعمول به في معظم دول العالم ؟ .
· هل يحق له أن يعتبر الفكر الوسطي
انتهازيا ؟ .
· هل يحق له كيل هذه الاتهامات
والشتائم وأنا ضيف لديهم ؟ .
· على أي شيء يدل كل ما سبق خاصة أنهم
من أساتذة جامعات ؟ .
· ألا يملك أسلوبا أفضل من ذلك الأسلوب
لكي يرد به خاصة أنه أكاديمي؟ .
· هل هذا هو الرد العلمي الذي رآه
مناسبا ! ؟ ، إنه لأمر غريب حقا .
· إن كان المدعو ( ي ح ) يخشى على
تسميم أفكاره ؛ فيبدو انه لا يثق بنفسه ولا بفكره ولا برؤيته ، فينبغي إذن أن يحتفظ
بها لنفسه ، وأنصحه ألاّ يطرحها أمام الأدمغة والمفكرين والمحللين .
· إن كانت هذه الصورة تعبر عن فكر بعض
أساتذة الجامعات ؛ فإنني أقترح عليهم ألا يجهدوا أنفسهم بإنشاء مؤسسات مدنية لهم ،
وألا يضيعوا أوقاتهم سدى ، حتى لا تكون أفكارهم شكلا من أشكال الترف الفكري ،
والتنظير الممل والمتعة الكلامية ومضيعة للوقت .
· ثم لمصلحة من توسيع مساحة الانقسام
الفلسطيني يا سادة ؟ .
· كنت أتمنى أن يؤكد ( ي ح ) رؤيته لكل
ما سبق بتحليل علمي وبأسلوب راق جميل ولكنه لم يفعل .
· اتقوا الله في عقولكم وأقلامكم
وناشئتكم ، وأنصح ألا يختبئ احد وراء أصبعه ...
· آمل ألا أكن مضطرا لردود أكثر حدة
...
* كاتب فلسطيني مستقل