التطفيف في المكاييل والموازين الدولية

عبد الرحمن بريك

عبد الرحمن يوسف بريك

الشواشنة / الفيوم /مصر

[email protected]

يبدو أن سياسة الكيل بمكيالين – أو قل عدة مكاييل ( وكله حسب الظروف والأحوال ) -  ستظل دائماً هي المحرك الأساسي للمنظمات الدولية منذ أن تحول العالم إلى عالم أحادي القطب ، وسيطرت قوة وحيدة هي الولايات المتحدة الأمريكية على مقدرات العالم  .

وتتجلى هذه السياسة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بعالمنا العربي والإسلامي  ، فعندئذ تظهر المكاييل الجديدة ذات السعات الضيقة والتي لاتتحمل أي شئ يصدر عن عالمنا العربي والإسلامي ، هنا تثور المنظمات الدولية وتصدر البيانات والقرارت ضد الإرهاب – الذي هو إسلامي بالطبع – وقد يصل الأمر إلى قرارات خطيرة تتعلق بالقادة ( كما في حالة الرئيس السوداني هذه الأيام ) ، أما إذا تعلق الأمر بإسرائيل ، هنا – فقط – تظهر المكاييل ذات السعات الكبيرة والتي تبلع – كما يقولون -  لإسرائيل الظلط ، بزعم أنها تقاوم الإرهاب وأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وسط جيران من الأمم المتخلفة ، إلى آخر التبريرات الجاهزة دوماً لأي تصرف لإسرائيل .

إذن ، فسياسة التطفيف في الكيل والميزان ليست في البيع والشراء فقط ، لكنها تظهر بوضوح في التعاملات الدولية أو الأمريكية ( فكلاهما واحد ) ..

وإلا ، فقل لي : لماذا صدر قرار المحكمة الجنائية الدولية هذه الأيام بطلب القبض على الرئيس السوداني عمر البشير واثنين من كبار المسئولين السودانيين ؟ أكانت جرائم البشير – إن كانت هناك جرائم له – أكبر من جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان ؟ أو أكبر مما ارتكبه – ولا يزال يرتكبه – الصهاينة في فلسطين المحتلة ؟ ولماذا لانسمع عن قرار مماثل بطلب القبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت بتهمة ارتكاب جرائم إبادة يومية في فلسطين المحتلة ؟ أو القبض على الرئيس الأمريكي بوش بتهمة ارتكاب جرائم حرب في العراق وأفغانستان ؟

ومن المضحك المبكي أن الدول غير العربية ترى بوضوح سياسة التطفيف في الموازين الدولية وتثور عليها ونحن هنا ( لا حس ولا خبر ) ، ففي الطرف الشرقي للعالم وبالتحديد في نيوزيلندا ، عرض طلاب جامعة أوكلاند بنيوزيلندا خمسة آلاف دولار نيوزيلندي ‏(‏ أي‏3700‏ دولار أمريكي‏)‏ لأي مواطن يتمكن من اعتقال وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس كمجرمة حرب لمخالفتها معاهدة جنيف لعام ‏1958 ،وقانون جرائم التعذيب لعام ‏1989،‏ وذلك بإجازة التعذيب للمشتبهين بضلوعهم فيما تسميه الإرهاب. أما هنا في شرقنا الأوسط فلا أحد يستطيع أن ينطق بذلك وإلا عده المسئولون من الراعين للإرهاب المهددين للسلام الاجتماعي وغيرها من الاتهامات المعلبة وفق الخلطة السرية الأمريكية ..

ولايظن أحد أن هذه السياسة وليدة نظام بوش الإبن وأنها قد تتغير بعد زواله عن سدة الحكم في 20 يناير 2009 ولكنها سياسة ثابتة لن تتغير ، فها هو المدعو بوش يوصي خلفه الذي سيعتلي سدة الحكم في البيت الأبيض -ومن ثم سدة الحكم في العالم - بمواصلة ما وصفه بـ «جدول أعماله للحرية» الذي يتضمن – كما يقول -  تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التجارة في أنحاء العالم ، ثم أردف قائلا: «علي مدي السنوات السبع الماضية ، تحدثنا علناً عن معارضتنا انتهاكات حقوق الإنسان ، التي ترتكبها أنظمة مستبدة ، مثل الموجودة في إيران والسودان وسوريا وزيمبابوي». فالرئيس القادم مثل اللاحق لاتتغير سياسته ، فهم جميعاً ينفذون سياسة واحدة و ( خارطة طريق ) واحدة ، هي – كما قلنا – سياسة التطفيف في الموازين الدولية .

يبقى سؤال واحد : هل يستطيع عالمنا العربي والإسلامي إعادة الموازين إلى توازنها المطلوب ؟ أم أن الحال ستبقى على ماهي عليه ؟ والجواب ليس في يد أمريكا بل في يدنا نحن ، فالأمم المقهورة الذليلة لا ترسم سياستها بل يرسمها لها المتحكم في مقدراتها ، لذا فإن أردنا عودة الموازين إلى طبيعتها فلنعد نحن إلى أنفسنا وإلى وحدتنا وقبلها إلى الله ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .

فهذه إيران اليوم تلعب بالغرب في موضوع برنامجها النووي مما حدا بكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية أن تخطب ودها ، وتحولت السياسة الأمريكية تجاه طهران من النقيض إلى النقيض ، لماذا ؟ لأنهم عرفوا أن إيران ليست اللقمة السائغة التي يسهل ابتلاعها ، فهل يمكننا أن نصبح شوكة في حلوق الغاصبين ؟ سؤال نترك للزمن الإجابة عليه ، فالزمن جزء من العلاج الذي نرجو أن يكون قريباً .