فرادة الواقع العربي .. و الواقعية الفريدة لرايس
02آب2008
د. علاء الدين شماع
فرادة الواقع العربي ..
و الواقعية الفريدة لرايس !
د. علاء الدين شماع
الرأسمالية الغربية في منحاها الليبرالي الجديد, ومن خلال بعديها السياسي والاقتصادي , فرضت أنموذجاً عولمياً فجاً غير قابل للازدراد و التمثل عند كثير من الأمم و الشعوب , و هي تقوم في أساسها على المصالح السَيالة باتجاه واحد,إلى الغرب القوي , ما اقتضاها بالإلزام فلسفة للقوة , أفرزت نهاية للتاريخ وفق هوى وتصور مجموعة من الساسة اللاهوتيين "المحافظون الجدد" .
فأمام تهاوي مفاهيم الحداثة الغربية و قيم العولمة التي تحاول تنميط الثقافات و السلوكيات, كانت " الواقعية الفريدة" مصطلح استخدمته رايس في تبرير هذا التهاوي و هي تصف إصرار إدارة بوش على دمج مشروع نشر الديمقراطية و رعاية حقوق الإنسان كمكون أساس للسياسة الخارجية الأمريكية , و بالتالي تسويغ تلك السياسة , و من ثم تهيبها من الإقرار بفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به إبان حرب تموز 2006.
إن مفهوم الديمقراطية عند بوش في الشرق الأوسط على الأخص, انعكس في واقع الأمر , من خلال العمل على نشر ديمقراطيات كاذبة و تكريس حكم الدكتاتوريات الموالية مع غض الطرف عنها إلى حين , و الاستعمال المفرط للقوة بحق من لا يمتثل , و هو التجسيد العملي لمبدأ " من ليس معنا فهو ضدنا" و بالتالي القولبة الأيديولوجية الذكية لفكرة الحروب الاستباقية على الإرهاب , من خلال الكذب تجاه الداخل و الخارج الأميركي على حد سواء, و هذا ما حصل في تبرير الحرب على العراق و ما يحصل في الصومال و ما يمكن أن يحصل من صوملة للسودان , و لكن هذه المرة بوساطة مؤسسات المجتمع الدولي ,مثل المحكمة الجنائية الدولية.
ذلك أن فشل تكريس الوصاية الأميركية على العالم باعتبارها القطب الأوحد القادر على إدارة شؤونه , بات ملموساَ منذ أوائل هذا العام , ولعله في رصد مسار الملفات الساخنة في منطقتنا و حقيقة الربح و الخسارة للسياسة الأميركية فيها , ما يمكننا من تلمس ملمحين مهمين لهذا الفشل , و هو تقاعس أميركا في الدفاع عن حلفائها , و إحباطها في مواجهة التطرف الإسلامي, خاصة الحركات الراديكالية المقاومة.
إن " إعادة التفكير في المصلحة القومية من خلال واقعية أميركية جديدة لعالم جديد " عنوان مقال رايس في فصلية شؤون خارجية عدد تموز 2008لا يخلق حافزاً لرئيس أمريكي منتظر والذي تأمله أن يكون جمهورياً و حسب , و إنما تستبطن في ثنايا مقالها أملاً مفعماً في تدارك الفشل و تقديم النصح للرئيس الأميركي القدم , و الذي فاتها إدراكه و هي ترسم خطوط السياسة الأميركية الخارجية, حيث أنها في لافتة تعتبر فريدة في طريقة تفكيرها تكشف أن العمل على دمقرطة المنطقة يخدم المصالح الأميركية أكثر بكثير من دعم الأنظمة المستبدة! و هو ما يؤشر حتما , إلى نوع آخر من الديمقراطيات التي عملت على تسويقها و أثبتت عدم جدواها .
لم تكن الساركوزية في تطلعاتها إلى الاتحاد من أجل المتوسط بأحسن حال , وهي تنطلق من الضرورة بمكان ضبط فراغ و تخلخلات فشل الإستراتيجية الأمريكية ولكن هذه المرة في إطار إقليمي تلعب فيه أوروبا العجوز دوراً أساس . حيث أتى الطموح الجامح للرئيس الفرنسي صيغة تجزيئية لمثال أمريكي في حصد الفشل, و هو يكمل أدواره و يسد ثغرة مجافاته و مجه, و ليس من المهم لشعوب المنطقة , العربية منها بشكل خاص ,إن كان هذا الاتحاد شكلاً تكميليا أو أنه يحمل معنى تنسيقياً في الأدوار بين المتوسط و الأطلسي , لأن بذرة فشله تلازمه منذ انطلاقته , و هو إن أتى على خلفية التفاهم التام بين أعضائه الأوربيين و ضمن مؤسسات تسيرها قواعد و ضوابط , فانه أتى من الجانب العربي على أساس أهواء حكامه المطلين على المتوسط.
و اذا كانت الواقعية الفريدة تمثل و قفة مع الذات و جردة حساب لفشل مستقر في ذهنية كونداليزا رايس و هي تستقرئ حصاد سياسة إدارتها الشرق أوسطية , فانه من المستغرب بمكان أن نلحظ في الجانب العربي ما يمكن أن نسميه فرادة واقعية النظام الرسمي العربي , ذلك أنه أمام هذا الظرف الدولي السانح لتقارب عربي ييسر أمر الالتقاء على حد أدنى من التصورات التي يمكن أن تخدم القضايا العربية , نرى نفوراَ مستحكماً , خاصة بين أقطاب الأوزان الفاعلة على الساحة العربية , السعودية سوريا و مصر .
ان هذه الفرادة الواقعية في سماجتها ,عملت على خلق انزياحات في ثوابت مدعاة , وليس أدل على هذا , من تتبع ذلك التحول , في مواقف تلك الأطراف إن كان في صفتها المعتدلة أو الممانعة, و هي أوصاف لازمتها إلى حين و عن طيب خاطر أقطاب حكمها . وهو ما يفرض خلق تصانيف أخرى تمكننا من الإشارة إليها ,و هي : عرب أمريكي و عرب فرنسي و عرب ثالث ِمنسي , فإذا كان للأول مغادرة اعتداله و انغماسه في التطبيع, فان الثاني أضحى حالة من الممايعة أو قل حالة سائلة, و الخوف كل الخوف على ذلك العربي المنسي , و الذي نجده في مثال السودان و الصومال و اليمن . و ذنب هؤلاء انكشافهم الجغرافي في عدم إطلالتهم على خليج عربي أو بحر متوسطي يلملم عورهم و يقيهم غائلة الفتنة وشر المحاكم الدولية .