الضيافة .. والشهادة!
أ.د. حلمي محمد القاعود
مضي حوالي أسبوع منذ نشر الكاهن المتمرد ؛ نائب رئيس الكنيسة ، تصريحاته الدموية في الجريدة التي تهيمن عليها الطائفة ؛ ملكية وتحريرا ، دون أن نسمع رد فعل رسميا ، يعلن عن وجود السلطة وهيبتها ، وتمسكها بالدستور والقانون .
السلطة ورجالها وأبواقها لا تترك أحدا يقول كلمة عنها أو حولها إلا وتمتشق حسام القتال لتستأصله من جذوره ، أو تسلط عليه أبواقها أو فرق الردح المدرعة حتى يهرب بجلده أو يتوب عن كلامه ، حتى لو كان هذا الكلام هامشيا ، وغير ذي قيمة .. ولكن الكاهن المتمرد تحداها وأعلن رفضه لسيادتها وهيمنتها ودستورها وقانونها ، وأعلن أن دون ذلك القتل أو السجن !
كان الكاهن المتمرد بيشوي قد افترش صفحة كاملة في الجريدة الطائفية ، مزينة بصورة ضخمة لشخصه ، وقال كلاما عدوانيا رخيصا ومستفزا ، وصف فيه المصريين المسلمين بأنهم ضيوف على أهل البلد الأصليين من النصارى ، وأن واجب الضيافة يفرض عليهم أن لا يتدخلوا أو يبسطوا يد الدستور والقانون على الكنائس ، وإلا فدون ذلك الاستشهاد ، أي الدم والقتال دفاعا عن تميز الطائفة والكنيسة وقادتها ، بحسبان وجودهم فوق الدستور والقانون ، وإليكم بعض ما قاله الكاهن المتمرد في المصري اليوم بتاريخ 15/9/2010م ، وكان إجابة على أسئلة وجهتها إليه الصحيفة عن طريق مندوبتها :
[■ بعد تكرار الاحتجاجات القبطية، خاصة بعد أزمة الزواج الثاني، طالب البعض برفع يد البابا والأساقفة عن الكنيسة ووضع الأديرة تحت رقابة الدولة.. كيف ترى هذه الدعوة؟
- ماذا يعنى رفع يد البابا والأساقفة عن الكنيسة؟ ألا يكفى أن الجزية فُرضت علينا وقت الفتح العربي، تريدون الآن أن تُصلّوا لنا وتقولوا «أبانا الذي» و«لنشكر صانع الخيرات»، وتقيموا الصلوات والقداسات؟
■ المقصود أن تمارس الكنيسة واجباتها الدينية فقط وليس أي شيء آخر؟
- هذا شيء عجيب، ومن يطالبون بذلك نسوا أن الأقباط أصل البلد، نحن نتعامل بمحبة مع ضيوف حلّوا علينا ونزلوا في بلدنا واعتبرناهم إخواننا «كمان عايزين يحكموا كنايسنا»، أنا لا أرضى بأي شيء يسيء للمسلمين، ونحن كمسيحيين نصل إلى حد الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية، وإذا قالوا لي إن المسلمين سيرعون شعبي بالكنيسة، فسأقول «اقتلوني أو ضعوني في السجن حتى تصلوا لهذا الهدف».
■ لم يتحدث أحد عن إشراف المسلمين.. الحديث يدور عن الدولة، وبعض العلمانيين الأقباط يطالبون بذلك أيضاً؟
- السادات حاول تطبيق هذا ولم ينجح، وارجعوا بالذاكرة لأحداث سبتمبر ٨١، أما العلمانيون فمن هم ومن الذي انتخبهم من الشعب القبطي؟ هؤلاء «نفر واحد ولامم حواليه ٥ أو ٦ أنفار فقط»، وعندما دخل انتخابات المجلس الملي فشل، وهو يمثل نفسه ولا يمثل ملايين الأقباط، وحتى البعض من أقباط المهجر الذين يطالبون بهذا هم ضد الكنيسة ولهم مشاكل معها ].
حديث الكاهن امتلأ بالتحدي للسلطة وللمسلمين ، وعبر عن توجه التمرد الطائفي في تنفيذ ما يريد مستندا بالطبع إلى قوة الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة ، وإن لم يصرح بهذا الاستقواء ، ولكن مضمون كلامه يفيد ذلك ، وإلا ما معنى أن تقف أقلية ضئيلة موقف التحدي للأغلبية الساحقة وللسلطة القائمة التي يفترض أن تنفذ القانون وتحافظ على الدستور ؟
نحن الشعب وجريدة المصري اليوم وكل الصحف والحكومة المصرية ورئيس الجمهورية في مصر العربية المسلمة ؛ ضيوف على أهل البلد الأصليين أي النصارى ، ويبدو أن الضيافة طالت بعض الشيء ، ووصلت إلى حد أربعة عشر قرنا ، وينبغي أن تنتهي هذه الضيافة . فمتى يريدنا الكاهن بيشوي أن ننهي هذه الضيافة ؟ هل حان وقت رحيل ثمانين مليونا من المصريين المسلمين من مصر ، والخروج إلى التيه ؟ أم إن الكاهن سيتلطف بنا ويقبل بمد الفترة التي حددها للخروج حتى نوفق أوضاعنا ونجد من يقبل مشاركتنا العيش على أرضه ؟ ليت الكاهن المتمرد يخبرنا بالموعد المحدد، حتى لا نتحول إلى ضيوف ثقلاء يتم إنهاء ضيافتهم بالقوة !
السلطة لم تنطق بكلمة حتى كتابة هذه السطور ، وإن كانت بعض الأخبار قد تحدثت عن توبيخ مسئول سيادي (؟) للكاهن المتمرد وتهديده بفتح ملفاته في الأديرة وغيرها ردا على تصريحاته الدموية المتحدية . بالطبع فإن الضيوف –الذين هم نحن المسلمين - لم نسمع هذا التوبيخ على الملأ ، ولم نعرف من هو المسئول السيادي ، ولم نقرأ ما يفيد أن السلطة غاضبة علنا من تحدى دولة الكنيسة لدستورها وقوانينها ، واتهامها لثمانين مليون مصري مسلم أنهم ضيوف ، أي غزاة يجب أن يرحلوا ، وأن يحترموا نفسهم وهم في ضيافة أهل البد الأصليين فلا يطبقوا دستورا ولا قانونا ؛ وإلا فالشهادة ، أي الدم هو البديل الذي لا مفر منه ؟
كانت قناة الجزيرة قد ناقشت الدكتور محمد سليم العوا في أمر التصريح الدموي الذي صرح به الكاهن المتمرد ، فتحدث الرجل حديثا قانونيا واضحا لا غموض فيه ولا التواء ، وأدان التحدي السافر الذي بدر من الكاهن المتمرد ، وطلب منه الكاهن أن يسحب هذا التصريح أو يعتذر عنه ، وتطرق إلى ممارسات التمرد الطائفي في أكثر من مجال ، ورأي أن النزعة الطائفية لدى الكنيسة ستؤدي إلى كوارث سيكون البسطاء أول ضحاياها ، وخاصة بعد القبض على نجل أسقف مطرانية بورسعيد وهو قادم من الكيان الصهيوني بسفينة تحمل سلاحا ومتفجرات ، مما اضطر النائب العام إلى منعه من السفر ، وقيام وزارة الداخلية باعتقاله .
للأسف جاء رد الفعل من المتمردين الخونة في الخارج والداخل رخيصا وبذيئا ، لم يعتذروا عما قاله الكاهن المتمرد ، بل صوبوا شتائمهم وسبابهم لقناة الجزيرة ، والدكتور العوا والمذيع أحمد منصور، وانحدر بعض الخونة إلى وصم الدكتور العوا بأنه أزهري سابق ، والمذيع أحمد منصور بأنه مأذون قروي .. وهل في الأزهرية والمأذونية ما يشين يا خونة ؟
ثم بعد أيام اصدر بعض المنتسبين إلى ما يسمى المجلس الملي بيانا يطالبون فيه بمحاكمة الدكتور العوا جنائيا بتهمة التحريض على الفتنة الطائفية ، وراهنوا على ركوعه لإرادتهم الإجرامية .. هؤلاء الذين لا يستحون يحاولون أن يرموا غيرهم بنقائصهم ، كما يقول المثل : رمتني بدائها وانسلت ! تصوروا أنهم ملائكة (؟) لم يفعلوا شيئا ولم يهينوا الوطن والأمة والإسلام ؟ إنهم متوقحون لا يخجلون !
ثم وهو الأغرب أو الطبيعي خروج الصحف الطائفية والحكومية ببعض التحقيقات مع قادة التمرد الطائفي ، وبعض المقالات البائسة للحديث عن فتنة بلا حدود ، والتهوين من جريمة الأسقف عن الضيافة والشهادة ، بل واتهام الفقيه الدستوري القانوني محمد سليم العوا بأنه يشعل الفتنة الطائفية ؟ ويتساءل بعضها في صفاقة : أين السلاح الذي تخزنه الكنائس والأديرة ؟ ويتناسون أن الأسقف المتمرد تحدث أن تفتيش الكنائس والأديرة دونه الدم والاستشهاد ! أي إن الدستور والقانون لا سلطان لهما على الأديرة والكنائس ، ثم كان من الطريف أن يثبت صحة ما توقعناه عن تفسيرهم لوصول سفينة المتفجرات المتهم فيها نجل المطران في بورسعيد حيث تطوعت بعض الصحف الموالية للتمرد الطائفي بالقول إنها سفينة بمب وصواريخ أطفال ! يا لنا من سذج ؟!
لقد أقام هؤلاء وأشباههم الدنيا ولم يقعدوها عندما عرض طلاب الإخوان المسلمين مشهدا تمثيليا لأفراد المقاومة حماس في جامعة الأزهر،وتصايحوا حول المليشيات العسكرية التي أنشأها الإخوان ، وامتدت الحملة للتشهير بالإسلام نفسه ، وانتهز الطبالون والزمارون والعوالم والغوازي من أهل الفن الفرصة ، وقال بعضهم إنه لم ينم طول الليل بسبب المشهد الطلابي ، وترتب على ذلك إيذاء الشرفاء ومحاكمتهم استثنائيا ، وبعضهم مازال في السجن حتى اليوم دون ذنب أو جريرة ، بل تطوع كتاب المسلسلات الأمنية واتخذوا من عرض الطلاب ركيزة لينسجوا عليها مسلسلات بائسة تهاجم الإسلام والإخوان والدعاة ، وتبيض وجه الظالمين !
ونحن نسال بدورنا لماذا لم تصدر السلطة بيانا حول موضوع سفينة المتفجرات حتى الآن ؟ ولماذا لم تكذب الجريدة التي نشرت الخبر ما نشرته حتى اليوم ؟
الغريب أن من كتبوا يدافعون عن الخونة لم يقولوا للكاهن المتمرد كلمة واحدة عن تصريحاته الدموية التي تجعل ثمانين مليونا من المصريين المسلمين ضيوفا يجب أن يرحلوا عن مصر ويتركوها لأهلها الأصليين ، وإلا فالدم هو البديل ؟
وإذا كان بعضهم يتواقح ويقول إن ضيافتنا نحن المسلمين في مصر حقيقة تاريخية ، فلماذا استضاف المصريون القدماء المسيح بن مريم وأمه عليهما السلام ، وهما هاربان من الناصرة ؟ ثم لماذا استضاف المصريون القدماء ، أجدادنا – إذا سمح السادة المتمردون – موسى وهارون عليها السلام ؟ ولماذا استضاف أجدادنا القدماء قبل هؤلاء جميعا يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟ هل هؤلاء جميعا غزاة بدو أو ضيوف وفق لغة الكاهن المتمرد ؟ ثم هل نسي المتمرد أن السيدة هاجر المصرية زوج إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أم العرب جميعا ؟
إن الخونة يستمرون في خيانتهم للوطن والأمة والإسلام حين يرون المقالات المنافقة التي تقلب الحقائق وتحرف الكلم عن مواضعه ، وتتجاهل أن رئيس الكنيسة المتمرد أعلن على الدنيا كلها أنه لن ينفذ أحكام القضاء في جمهورية مصر العربية المسلمة إذا تعارضت مع تفسيره الشخصي جدا للإنجيل ؛ مهما كانت النتائج ؟ إن التدليس والنفاق من أجل مصالح دنيوية زائلة ، لن يطمسا الحقائق ولو تسلح المنافقون والمدلسون بأقوى الأبواق ، وأكثر الأقلام شهرة .
قبل فترة قصيرة تحدث مرشد الإخوان عن الماء الطهور الذي ينزل من السماء ليطهر الخلق ، وكان الرجل يقصد القرآن الكريم ، ولكن المنافقين الذين يتربصون بكل ما يمت إلى الإسلام بصلة ، حرفوا كلام الرجل ، وسخروا منه ، وقالوا أأنت الذي سيطهرنا ؟ هل نحن أنجاس ملوثون ؟ ومازال بعض المرتزقة حتى اليوم يلت ويعجن في تفسير كلام الرجل ، ولكنهم لم ينبسوا ببنت شفة حول تصريحات رئيس الكنيسة المتمرد ، ولا نائبه المتمرد ، ولا بقية المتمردين ، الذين يغدرون بشعب مصر المسلم الطيب بعد أن نزعوا منه الجنسية المصرية وقصروها عليهم وحدهم ، طالما كانوا نصارى ؛ حتى لو انتمي بعضهم عمليا إلى نفايات من سلالات اليونان والرومان والفرس والرعاة الهمج !
والسؤال الآن إلى متى تظل السلطة صامته أمام التمرد الطائفي وتحدي المتمردين لسيادتها ، وكسرهم لهيبتها ، واستهانتهم بنفوذها ، وازدرائهم لدستورها وقانونها ؟
ألا تتحرك السلطة إلا لتنفيذ أوامر رئيس الكنيسة بإجهاض الوقفات السلمية ضد التحدي الطائفي ، كما حدث في طنطا يوم الجمعة الماضي ؛ حيث فوجئ الناس بخمسة آلاف ضابط وجندي ، يحاصرون مسجد السيد البدوي ، ويصرفون المصلين بعد انتهاء صلاح الجمعة ، صفا صفا حتى فرغ المسجد ، وتشتت المصلون ، وضمن المتمرد الأكبر أن أحدا لن يحتج أو يطالب بعزله أو تحرير الأسيرات من تحت يده ؟
إن صمت السلطة عن جرائم التمرد الطائفي ليس بلاغة بحال من الأحوال !
وانت مالك ؟
بعد أن انتهيت من كتابة هذا المقال ظهر رئيس دولة الكنيسة على قناة الملياردير الطائفي المتعصب ، وكرر إجابته : وانت مالك ؟ حين سأله من يحاوره عن كاميليا شحاتة بعض الأسئلة ! مما يؤكد أنه وضع نفسه فوق القانون والسلطة والدولة جميعا ! ولنا عودة إن شاء الله !

