من أبي يمينٍ البغداديّ إلى أبي يسارٍ الدمشقيّ
من أبي يمينٍ البغداديّ إلى أبي يسارٍ الدمشقيّ
د. محمد بسام يوسف
*حدثنا (أبو يـمينٍ البغداديّ) فقال:
الحمد لله الذي وهبنا العلم والحجّة وطيّب الكلام، ورزقنا الهمّة والسداد، وجنّبنا سوء الختام، وخلق لنا الفؤاد والعقل، للتمييز –بالحجة والدليل- بين العلم والجهل، كما يميّز أبناء الرافدين بين التمر والدّقْل!.. ومن نِعَمه علينا عزّ وجلّ، أن علّمنا ما لم نكن نعلم، في شرح كل ما يراه النائم وبه يحلُم!.. وقد وردنا في هذا، ما نقله لنا أستاذ كريم عن (أبي يسارٍ الدمشقيّ) رحمهما الله، الذي اجتهد في التفسيرات الحديثة، معتمداً على آراء أئمة تفسير الأحلام الطيبة والخبيثة!..
ونحن نؤيد ما ذهب إليه أبو يسار، من أنّ تفسير الأحلام في عصر (المخابرات)، يختلف عنه في عصر الطاهرين والطاهرات.. لكن لا يمكن تأييد مزاعمه بأنه في زمن الشيخ النابلسي: (لم يكن على الأرض العربية قيادات تاريخيــة، ولا جمهوريات وراثية، ولا مسيرات شــعبية)!.. بل إننا نعجب لهذا الكلام كيف يصدر عن مثل أبي يسار، مع أنه يعلم علم اليقين، بأنّ الرفيق (أبا ذرٍ الغفاري) كان –على ما تتناقله أوساط الجمهورية الوراثية- أول اشتراكيٍ في تاريخ العرب والمسلمين، وبأننا بذلك سَبَقْنا في الاشتراكية ماركس ولينين، وعصر كوبونات السَمن والزيت والطحين!..
أما المسيرات الشعبية، فيبدو أنّ العزيز أبا يسارٍ -قدّس الله سرّه- قد فاته أنّ (الزير سالم) قد خرج منذ مئات السنين، على رأس أول مسيرةٍ قومية، يطالب فيها بعودة الدكتاتورية، إلى الأرض العربية!.. وها قد عادت والحمد لله، بعد ستة عشر قرناً من النضال، والتناحر والسجال، على أيدي رجالنا الأشاوس، الذين لم يَتَخَلّوا يوماً عن المشاعل والمكانس، فأحيوا لنا بذلك الأمل، لعودة اجتماع الأحباب والأهل، واتصال كل الفروع بالأصل!..
وأما زعمه بأنه لم يكن هناك (تجارة سلاح، وحرامية انفتاح، وسيارات مرسيدس سوداء)، فنحن نوافقه في ذلك، لكننا ننوّه إلى أنّ رَبْعَنا هم من خيرة أهل الإصلاح والتحديث والتطوير، فليس عَيباً أن يُدخِلوا على مجتمعاتنا المناضلة، شيئاً من الرقيّ والتقدّم، مع قليلٍ من التزيين والتحوير!..
* * *
لقد اجتهد أبو يسارٍ في تأويل الأحلام، وهذا حقه الديمقراطيّ لا غبار عليه، لكن هذا لا يمنعنا من أن نُدليَ بِدَلْوِنا فيما ذهب إليه من تفسير بعض الحالات، التي اختلط فيها اليقين بالخيالات، وإليكم منا -على ما نُسِبَ إليه- بعض التعليقات والتعقيبات:
يختلف -باعتقادنا- تفسير رؤيا الملوك والأمراء والرؤساء، باختلاف الأحوال، فهي لا تدل بالمطلق على المصائب والبلاء، فما ذهب إليه أبو يسار، يقتصر على زمن السلم والرخاء!.. أما في زمن الحرب، فرؤيتهم في المنام تدل على اقتراب تحوّل الذئاب إلى جِراء، والعصا الخشنة -التي تلسع ظهر المواطن المغلوب على أمره- إلى فِراء!.. كما تدلّ في غالب الأحيان على تنشيط حركة البيع والشراء، خاصةً لدى تهديد (البيت الأبيض) بقوانين المحاسبة والافتراء، وما إلى ذلك من الهراء!..
ونؤيد ما جاء به أبو يسارٍ في تفسير رؤيا النائم الخاصة بمؤتمرات القمة، وذلك إن وقعت الرؤيا في فصل الشتاء فحسب!.. أما إن وقعت في فصل الصيف، فيدل ذلك -فضلاً عن دوام الغمّة- على زوال النعمة وعموم النقمة!.. أما سماع الخطابات القومية -بشكلٍ عام- في المنام.. فهو غير محمود، خاصةً إذا رافق ذلك انقلاب عسكريّ، قام به مهووس سرسريّ، أو ضابط سمكريّ!.. وكذلك رؤيا السلطان تختلف، إن كانت في أول الليل أو في آخره، مع العلم بأنّ رؤيته في المنام، لا يختلف تفسيرها عن رؤيته على صفحات الجرائد أو شاشات التلفاز، فكلها هَمّ وكَرب ونشاز، ولا ريب أنّ أبسط ما ينجم عن رؤيته من المصائب والمحن: انقطاع الديزل وافتقاد الغاز وزيت الكاز!..
ورؤيا سيارات المرسيدس السوداء -بخلاف ما جاء به أبو يسار- ليس لها إلا تأويل واحد في كل الأحوال، هو أنّ صاحب الرؤيا المسكين، سيغادر الدنيا يوماً ما بواسطة حبلٍ مفتولٍ أو سِكّين، مع ثلةٍ من المساجين، في بيتٍ من بيوت السلاطين، أو الجِنّ والشياطين!..
أما رؤية النائم رئيسَ الوزارة، فنرى أنها تختلف باختلاف المرئيّ، فإن كان من المقرّبين سابقاً والمنتحرين (أو المنحورين) لاحقاً، فهي رؤيا خيرٍ ونعيم!.. أما إن كان من رؤساء الوزراء الحاليين، فهو كرب عظيم، وبلاء عميم، وشرّ مستديم، لا ينفع في دَرئه إلا قراءة كل القرآن العظيم، واللجوء إلى الله وإلى كل صديقٍ وحميم، أو الهجرة من الوطن تحت جنح ليلٍ بـهيم!..
وعلى الرغم من أننا نوافق على رأي أبي يسار من أنّ رؤيا الوزير في النوم -إجمالاً- غير محمودةٍ ولا مشكورة، فإننا نخالفه في ذلك بحالةٍ واحدة، هي أن تكون الرؤيا قد وقعت بالتزامن مع انقلابٍ عسكريٍّ تصحيحيٍّ في نفس تلك الليلة، وفي مثل هذه الحالة، فإنّ رؤية بعض الوزراء خلال النوم تُفَسَّر كما يلي:
وزير الداخلية: تدل رؤيته على الكذب والخداع واللصوصية، وعلى فقدان الأمل بنيل الحقوق المدنيّة والإنسانية، أو أبسط أنواع الحرية!..
وزير الإعلام: تدل رؤيته على عصرٍ جديدٍ من التزوير وفقدان الاتزان والانسجام، والانفتاح على مطربي الحمّام، ومحترفي (كَشّ) الحمَام!..
وزير الدفاع: تدل رؤيته -في كل الأحوال- على خراب البلاد وهلاك العباد، وضَياع المدن والقُرى والضِّياع!.. كما تدل على الاختلاف والصراع، وتحسّن فن الطبخ والخداع، وكثرة الأوسمة والنياشين، مع انهيار كل الحصون والقلاع!..
وزير الخارجية: لم يذكره أبو يسار، لكننا نؤكّد على أنّ رؤيته في المنام تدل على انعدام الوزن وفقدان الهوية، وزوال الروح الوطنية، وانقضاء حقبة الشرعية، وافتتاح عصر السمسرة والخطابات الاستعراضية، وبداية عهد التخبّط وخرافة الممانعة السلمية، وانتهاء عهود التوازن العسكريّ وبدء عهد الخيارات الاستراتيجية!..
وزير التخطيط والمالية: كذلك لم يذكره أبو يسار، لكننا أيضاً نرى أنّ رؤيته، تدل على تدهور الأحوال، وضياع الأموال، وانهيار الاقتصاد وفشل كل الخطط الخمسية، واشتداد نشاط السماسرة والحراميّة!..
أما رؤيتكَ في نومكَ ضباطَ الشرطة أو المخابرات، فتختلف كذلك باختلاف حالتكَ المادية، فإن كنتَ غنياً، أو تاجراً أو سمساراً، أو حرامياً عصرياً .. فهي رؤيا خيرٍ وبركة، وفي الرشاوي والتجارة السوداء زيادة حركة!.. لكنك ستعاني من الابتزاز، وكثرة الطلبات النشاز، بدءاً من درعا.. وانتهاءً بحلب وباب الهوى وإعزاز!.. أما إن كنتَ فقيراً منتوفاً، فعليك بالتنكّر والسرّية.. لأنّ يومك الموعود قد اقترب، ومصيرك سينتهي إلى أحد السجون العسكرية!..
ورؤيةُ النائم رئيسَ البرلمان أو أيٍ من أعضائه، فغير مهمة -في رأينا- ولا تدل على أي شيءٍ مطلقاً، وهذه الرؤيا كرؤيا الغزلان والحِملان، والدجاج والصيصان، أو رؤيا المسجّلات السيريلانكية (فُلْ أوتوماتيك)، التي تعمل عن بُعدٍ بنظام (ريموت كونترول)، أو رؤيا ماكينات التصوير والنسخ طبق الأصل، التي تعمل بطريقة البرمجة مسبقاً واللمس!..
ورؤيتكَ شعراءَ البلاط وكتّابَ السلاطين وأنت نائم، لها وجهان: فإما نذير شؤمٍ وهوان، أو دليل على اقتراب عهد العَلَق والجرذان، وفي كل الأحوال عليك بتلاوة سورة (المنافقون) كل ليلة، إلى أن يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً!..
ورؤيا الفلاسفة والمفكرين، لا ضرر منها -بخلاف ما ذهب إليه أبو يسار- لأنهم انقرضوا، ولم يبقَ منهم إلا المكاحل والعظام، والكتب الممنوعة والأوهام، والأطلال والهيام!..
* * *
أخيراً.. نقرّ -نحن (أبا يمينٍ البغداديّ)- بكل ما جاء به (أبو يسارٍ الدمشقيّ)، بشأن قيام أجهزة المخابرات السورية باستحداث مفرزةٍ لتفسير أحلام المواطنين، ونؤكّد بأنّ المفرزة المذكورة انقسمت مؤخراً إلى مفرزتَيْن: إحداهما مختصة بأحلام النوم، والثانية مختصة بأحلام اليقظة!.. لأنهم يقولون: إنّ الوحدة الوطنية الأصيلة، هي في حالات النوم لا تختلف عنها في حالات اليقظة، وإنّ أحلام الانفتاح والحرية والسلام والأمن والكرامة الإنسانية والتطوّر واحترام حقوق الإنسان وإلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العُرفية.. خاصةً، تراود المواطن السوريّ في اليقظة أكثر مما تراوده في النوم، ولذلك -على رأي جمهور المفسّرين- فالأفضل للمواطن أن يحلم وهو متيقّظ، من أن يحلم وهو نائم، فَرُبَّ كلمةٍ خرجت من جوف حالمٍ نائمٍ.. من غير أن يدري، أودت به سبعين خريفاً في (نعيم) تدمر، أو في (جنّة) صيدنايا أو فرع فلسطين أو الحلبوني!.. والله سبحانه وتعالى أعلم!..
* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام