نظرة .. فسلام .. فكلام بين طالباني وباراك

أ.د. حلمي القاعود

نظرة .. فسلام .. فكلام بين طالباني وباراك؟

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

رئيس جمهورية العراق المحتلة جلال طالباني ، وقع فجأة في غرام وزير القتل الصهيوني " إيهود باراك " بعد نظرة ، فسلام ، فكلام ، فمصافحة حارة حضرها وكان شاهداً عليها رئيس إمبراطورية رام الله العظمى آية الله محمود رضا عباس ميرزا ، وكانت الضحكات والقهقهات هي الطابع الذي ظهر به الثلاثة في الصور التي طيرتها وكالات الأنباء ونشرتها الصحف والمواقع الإليكترونية ! كان اللقاء الغرامي في عاصمة اليونان ( أثينا ) بمناسبة مؤتمر الاشتراكية الدولية ( يونيو / يوليو 2008م ) ، وفى الوقت نفسه كان جيش القتلة الصهاينة يعيث فساداً في الضفة الغربية ، ويخطف العشرات من أهلها الذين يمثلهم " أبو مازن " ، وكان تحالف الصليبيين المتوحشين في العراق يقتل - وما زال - العشرات يومياً من أهل بغداد والأنبار والبصرة والموصل والفلوجة وغيرها ، وهم الذين يمثلهم " جلال طالباني " ، وكان الغزاة الصهاينة والصليبيون الذين يمثلهم " باراك " يقتلون ويدمرون ويخططون لمزيد من القتل والتدمير في فلسطين المحتلة والعراق المحتلة ولبنان شبه المحتلة .. ومع ذلك اجتمع الثلاثة الأحباب ، وانحنى الطالبانى الكردي أمام اليهودي النازي .. انحناءة الذل والهوان ، مثلما ينحني أمام السادة الأمريكان الذين جاءوا به على متن دبابة تسحق عظام شعبه وأهله في بغداد !

منطق الأذلاء يسعى إلى تسويق نفسه وترويجها بالمغالطة والتدليس ، وإذا كان محمود رضا عباس ميرزا يفاوض اليهود الغزاة النازيين ، ويقبّلهم ويحتضنهم ظناً منه أنهم سيقيمون له دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ، عاصمتها القدس العتيقة ، فما الذي يدفع السيد طالباني إلى مصافحة المجرم النازي اليهودي الذي قتل الألوف من الشعب الفلسطيني وزعاماته ، على مدى سني عمله في جيش القتلة حتى وصوله إلى سدة الحكم ؟

لقد قدم الأكراد إلى الأمة الإسلامية " صلاح الدين الأيوبي " بطلاً فريدا وقائدا فذا وزعيماً تاريخياً نادراً ، حرّر فلسطين العربية المسلمة التي يحتلها الآن " باراك " وعصابته النازية المجرمة ، فلماذا يشوّه السيد طالباني صورة الأكراد في وجدان الأمة الإسلامية ؟

لماذا لا ينظر طالباني إلى النماذج الحية للبطولة المعاصرة التي تفرض شروطها على العدو ، وترفض أن تمنحه شرف المصافحة أو الجلوس أو التفاوض المباشر على مائدة واحدة ؟

لقد تصادف توقيت اللقاء المخزي بين طالباني وباراك وميرزا ، قيام " إيهود أولمرت " بالإعلان عن الذل الذي سيعيشه اليهود النازيون الغزاة بعد تحرير أسرى لبنان في سجونه واحتفال الشعب اللبناني برجوعهم نظير بعض الجثث لجنوده !

النواح الذي عبر عنه اليهود الغزاة بعد الإعلان عن صفقة تحرير أسرى لبنان في صحفهم وإعلامهم ؛ يؤكد على أهمية أن يعيش المرء كريماً على نفسه ، يرفض الذل والهوان ، حتى لو أعطى عمره وماله فداء لحريته وعزته .

في مقاله بصحيفة " يديعوت " يوم 4/7/2008م ، يقول " سيفر بلو تسكر " :

((من يقول إننا، نحن الإسرائيليين ، نتميز عن كل الشعوب لكوننا عائلة واحدة ، قبيلة واحدة وما إلي ذلك، فلينظر للحظة بعين موضوعية لاحتفالات العودة التي يجهزونها في لبنان لسمير قنطار. فلينظر وليعُض شفاهه. كذبنا علي أنفسنا عندما قلنا: لن نستسلم ولن نعطي جائزة للإرهاب ؛ ذلك لأننا عرفنا أننا سنعطيه تلك الجائزة. كذبنا علي أنفسنا عندما قلنا لا نستبدل القتلة بالجثث ؛ فقد علمنا أننا سنقوم بهذا الاستبدال. )) !

من المؤكد أن " طالباني " لا يعرف قيمة " عضّ الشفاه " لدى اليهود الغزاة النازيين ، والمقاومة الإسلامية اللبنانية ترغمهم على منحها الجائزة بإطلاق سراح أسراها بعد القبول بشروطها ، وهم الذين تعودوا على إملاء الشروط وفرض المطالب !

تمنيت أن يكون طالباني وعباس ؛ وسفير السلطة في القاهرة أيضا، ممن يفهمون لغة المقاومة بدلاً من الاستخذاء والقبول بالمذلة والانحناء أمام النازيين الغزاة . ولا شك أن ما قاله المدعو " نبيل عمرو " سفير رام الله ؛ في ورقته إلى مؤتمر مستقبل القضية الفلسطينية الذي عقد بالمركز الدولي للدراسات السياسية والمستقبلية بالقاهرة ، يمثل موقفاً ذليلاً ورخيصاً ، وذلك حين طالب المقاومة الإسلامية الفلسطينية و " حماس " بالتخلي عن شعارات المقاومة المسلحة ، ثم حملته الضارية على المقاومين وعدّ المقاومة المسلحة انتحاراً و .... ( المصري اليوم 2/7/2008م) .

بالتأكيد ، فإن المدعو " نبيل عمرو " على صواب حين تكون المقاومة المسلحة مجرد شعارات ، كما يفعل الأشاوس في دمشق ، وحين تكون مقرونة بالبحث عن الملايين كما يفعل أقطاب أوسلو ، ولكنها تكون شرفاً ومجدا وكرامة ، حين تكون خالصة لوجه الله ، قائمة على استثمار كل إمكانية متاحة ، كما فعلت وتفعل المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق وفلسطين والصومال وأفغانستان .. إنها ليست شعارات أو انتحاراً – كما يعتقد العاقل جداً نبيل عمرو ! – ولكنها شهادة وإيلام للعدو الغازي المجرم ،وإجبار له على الرحيل – على الأقل العيش في قلق ورعب وفزع !

ماذا أعطت المفاوضات العبثية ، والقبل ، والأحضان على مدار مئات الجلسات السرية والعلنية مع العدوّ الصهيوني ؟ ولا قلامة ظفر !

طالباني وعباس وعمرو ، يجيدون المصافحات والانحناء ، ولكنهم لم يحصدوا إلا العار ، خاصة وأن تاريخهم النضالي ضد الإسلام وقيمه ( وعلى رأسها الجهاد ) ، تتعارض مع الشيوعية والانتهازية والولاء للأعداء . لا يستطيع أحدهم أن يذكر " الإسلام " بخير في حضرة سادته الأعداء ، بل لا يستطيع بعيداً عن الإسلام ، أن يطلب من الغزاة أن يتوقفوا عن قتل شعبه وأهله ، أو رفع حاجز من الحواجز !

نظرة .. فسلام .. فكلام بين طالباني وباراك ، يأتي تتويجاً لتاريخ من التلوّن الحربائى والانتهازية الرخيصة ، وسحق عظام الشهداء والمحاصرين والمجاهدين ! لن أتكلم عما يفعله الموساد في شمال العراق ، ولا تاريخ طالباني الشيوعي وهو يستنجد باليهود القتلة ضد حكومة بغداد أيام صدام ، ولا تهافته على مصافحة " شيمون بيريز " – سفاح قانا – عام 1996م في اجتماع الاشتراكية الدولية أيضا ، والآخر يتهرب منه لأن المصافحة تسبب إحراجاً له !

ومن المقزّز أن تصدر الرئاسة العراقية في بغداد المحتلة بياناً يتحدث عن المصافحة الذليلة ويصفها بأنها تصرف حضاري !! فأي تصرف ؟ وأية حضارة ؟

حضور المسيري .. وغياب الحكومة!

غابت الحكومة المصرية عن جنازتي عبد الوهاب المسيري ، فكسب المسيري وخسرت الحكومة .. البعض صور الأمر على أنه احتجاج على انتمائه لحركة كفاية ، أو رفضه للصهيونية والتبشير بزوال كيانها النازي الغاصب .. ولكني أرى المسألة أكبر من ذلك . إنها انتماؤه إلى الإسلام فكرا وتصورا ، وسلوكا وممارسة ، وهو انتماء لا يمكن التسامح معه واستحق أن يعاقب في جنازتيه ، بعد أن عوقب في حياته بإلقائه في صحراء السويس مع زوجه !

رحم الله المسيري ، وعبد العزيز حمودة الذي كانت ندوة تكريمه تنتظر مشاركته ، فآثر الالتقاء المباشر معه في دار الخلود .. لقد تمردا على المؤسسة ، فاستقبلتهما الأمة بحب غير مسبوق !