هل سنحتفل بالعيد في مقر الصليب الأحمر

جميل السلحوت

هل سنحتفل بالعيد في مقر الصليب الأحمر

جميل السلحوت

[email protected]

نقف على عتبات عيد رمضان المبارك هذه الأيام، وقد ازدادت الهجمة الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام والقدس بشكل خاص شراسة، تتخطى عملية مصادرة الأراضي والاستيلاء على العقارات الفلسطينية، لتطل علينا سياسة التطهير العرقي في القدس بشكل علني، بعد أن كانت تمر بشكل صامت، ومن خلال قوانين اسرائيلية خاصة بالفلسطينيين لا يمكن وصفها الا بالعنصرية، كتلك المتعلقة بسحب الهويات تحت ذرائع وحجج تمس بحقوق الانسان، وتمتهن كرامته، والتي لا يصدقها العقل البشري، مثل قانون جمع شمل العائلات، الذي لا يسمح لأحد الزوجين بمجرد تقديم طلب لجع شمل نصفه الآخر، الا اذا كان الزوج المطلوب جمع شمله قد بلغ الخامسة والثلاثين، والزوجة المطلوب جمع شملها بلغت الخامسة والعشرين، وبعدها سيبحث الطلب خلال سنوات، وقد يرفض لأسباب واهية، وجمع الشمل هذا ليس من دولة أخرى، فقد يكون المطلوب جمع شمله من نفس الحيّ ومن ضواحي القدس، لكن التقسيم الاداري الاحتلالي والذي ضم أجزاء من القدس الشرقية الى اسرائيل من جانب واحد بعد أيام من احتلال المدينة في حرب حزيران 1967، قسم أحياءً وشتت عائلات، وجاء جدار التوسع الاحتلالي ليكرس هذا الفصل الأعمى، والقوانين الاسرائيلية تمنع على المقدسي الفلسطيني حتى أن يعيش في ضواحي المدينة الواقعة خارج حدود البلدية حسب تقسيماتهم، ومن يعيش في بيته وأملاكه في الضواحي فإنهم سيسحبون هويته، وبالتالي سيفقد حق الاقامة في القدس، ومن يخرج من القدس للتعليم أو العمل أو لأي سبب لمدة سبع سنوات متواصلة، سيفقد حق الاقامة في القدس، وبالتالي سيمنع من دخولها، حيث أن "اليموقراطية الاسرائيلية" تتعامل مع مواطني القدس المحتلة-مواطني المدينة الأصليين منذ آلاف السنين" كميقيمين بشكل مؤقت حتى حصولهم على جنسية دولة أخرى، ومن يحصل منهم على جنسية أخرى -بما فيها الأمريكية- تسحب منه هويته ويمنع من الاقامة في بيته وأملاكه، بينما يسمح للمهاجرين اليهود بغض النظر عن أصولهم والبلاد التي يأتون منهم أن يقيموا في القدس وغيرها متى شاؤوا وكيفما شاؤوا، علما أنهم يملكون جنسية الدول التي هاجروا منها.

ويتمثل التصعيد الاسرائيلي في سياسة التطهير العرقي هذا العام، بمحاولة طرد وزير شؤون القدس السابق المهندس خالد أبو عرفة، وأعضاء المجلس التشريعي المنتخبين عن دائرة القدس أحمد عطون ومحمد طوطح، الذين التجأوا الى  مقر الصليب الأحمر الدولي في القدس منذ حوالي السبعين يوما، طلبا للحماية من بطش المحتلين الذي قرروا ابعادهم عن مدينتهم القدس، اضافة الى النائب محمد ابو طير المعتقل تمهيدا لابعاده،-علما أنه قضى في سجون الاحتلال 28 عاما حوالي نصف عمره- وتصل عنجهية الاحتلال درجة اتخاذه رهينة حتى يوقع على خروجه من القدس والالتزام بعدم العودة اليها، ولا يختلف مجنونان أو عاقلان على شرعية وحق وجود النواب والوزير وجميع المقدسيين الفلسطينيين في مدينتهم، فهم أبناؤها ولدوا هم وآباؤهم وأجدادهم وترعرعوا  منذ آلاف السنين في هذه المدينة، ويملكون فيها بيوتا وأراضي موروثة، لكن الوجود غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي، وللجمعية العامة للأمم المتحدة وللوائح حقوق الانسان هو للمحتلين الذين يسيطرون على المدينة منذ حزيران 1967 بالقوة العسكرية، ومحاولة المحتلين ابعاد الوزير والنواب المقدسيين هي مقدمة لتطهير المدينة من مواطنيها المقدسيين، فقد تحدثت الأنباء عن وجود قوائم متجددة بأسماء المئات ممن ينوي المحتلون ابعادهم، والمقدسيون الفلسطينيون العزل لن يرضخوا لذلك، وهم يواجهون سياسة الأبعاد بصدورهم العارية، من هنا فان المئات والآلاف منهم يؤمون مقر الصليب الأحمر يوميا للتضامن مع أبنائهم وأخوتهم المعتصمين في مقره، لكن المريب هو هذا الصمت العربي والدولي على المأساة الماثلة في مقر الصليب الأحمر، حيث لم يأخذ النشاط الدبلوماسي ما تستحق هذه القضية من اهتمام، من أجل الضغط على السلطات الاسرائيلية كي تتراجع عن قرارها الجائر، والسماح للوزير وللنواب بالعودة الى بيوتهم وأحضان أسرهم وأطفالهم ووالديهم خصوصا ونحن على عتبات عيد رمضان، ونحن اذ نقدر عاليا حفل الافطار الرمضاني الذي أقامته الرئاسة الفلسطينية مساء السبت 4-9 الحالي في خيمة الاعتصام في مقر الصليب الأحمر تضامنا مع الوزير والنواب، الا أن ذلك ليس كافيا، ومن حق المرء أن يتساءل عن مدى ما يمكن أن تحققه المفاوضات مع حكومة نتنياهو اذا لم تستطع الغاء قرار ابعاد الوزير والنواب المقدسيين؟ ورفع الحصار التجويعي عن مليون وربع المليون فلسطيني في قطاع غزة.

وبما أن أطفالنا وجميع فئات شعبنا لا يعرفون طعم حلاوة العيد منذ وقوع بلادنا تحت احتلال أهلك البشر والشجر والحجر، وتقتصر الاحتفالات على آداء الشعائر الدينية في المساجد وزيارة الأرحام، فهل ستكون صلوات العيد هذا العام في مقر الصليب الأحمر في القدس تضامنا مع الوزير والنواب، كما جرت العادة في آداء صلاة الجمعة منذ الاعتصام؟

ومع كل هذا فان الاعتصام في مقر الصليب الأحمر-على أهميته- ليس بديلا لحراك دبلوماسي واسع ومكثف، بما في ذلك طلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لحل القضية، واذا كنا نختلف مع طروحات حركة حماس، فاننا لا نختلف مع شعبنا، ولا مع حقنا -بغض النظر عن التوجهات والانتماء السياسي- في الاقامة في بيوتنا وفي مدينتنا.