مصر منوره بعيالها

هشام الصباحي

هشام الصباحي /مصر

[email protected]

أجدُ نفسي دائما متألما وحزين فقط لأني أعيش تحت مظلة هذا النظام المصري الحاكم الذي لم يعد لديه ما يقدمه.. سوى انهيارات صغيرة..يتبعها انهيارات كبيرة في مناطق أخرى..وكان آخرها حتى هذه اللحظة قطع الكهرباء عن العديد من مناطق مصر..من اجل "ترشيد استخدام الكهرباء"...لاحظ معي عبقرية هذه الجملة التي تم إطلاقها من احد عباقرة مصر الذي يعمل بالطبع وبصراحة شديدة لصالح الحكام ضد الشعب..وهو مخلص جدا في هذا..إن هذه الجملة "ترشيد استخدم الكهرباء " هي في منتهى الروعة وإذا جاءت كعادة الصحف الموالية للنظام كعنوان خبر أو حديث أو حوار مع مسئول مصري عن إذلالنا وحكمنا, لن يكون الأمر سوى عنوان برئ وجميل,و لن يدفعنا إلى اكتشاف الشرك  الذي سوف نقع فيه وندفن فيه,وأيضا سوف يدفع الآخرين الذين يعيشون بعيدا عن جهنم مصر..إلى هز رؤوسهم إعجابا بهذا الفكر والحكمة التي تُعبر عنها الجملة القاتلة.

ولابد أن نعترف أن حملة أو سياسة من اجل ترشيد استهلاك الكهرباء..التي كانت شعارا جميلا لانهيار قبيح وعقاب جماعي بقطع الكهرباء عن بعض المناطق في قرى ومدن مصر وبالطبع هذا البعض من الممكن أن يقترب إلى نصف مصر...وأيضا هذا القطع لا يتجاوز عدد الساعات التي قد تصل أيضا إلى 10 ساعات, قد نجحت بشكل باهر ومنقطع النظير ولم نجد اى اعتراضات أو ثورات أو حتى محاكمات للقائمين على هذا الأمر الخراب, فقط بعض شباب مصر المخلص عبر نافذة الفيس بوك الالكترونية..قد أنشئوا جروب تحت عنوان "جروب  مصر مش شايفها عيالها" ,وهذا هو النور الحقيقي في مصر..هو شبابها..عيالها..

وبعد هذا النجاح في ترشيد الكهرباء..بطريقة قطعها وعدم استخدامها ,بدأت أخاف الآن من العبقرية المصرية التي تحكمنا ويقترح احدهم في وقت ما من أجل ترشيد الحياة في مصر..لابد من قطع بعض رقاب البشر في بعض المناطق في مصر..وخاصة المناطق العشوائية الغير قانونية, والمناطق الشعبية التي يصدر عنها ضجيجا كبيرا يدل على الحياة, والمناطق الفقيرة التي لا تنقرض على الرغم من انتشار كل أنواع الأمراض وسوء التغذية.

المشكلة الأساسية في فهم أمر ترشيد الكهرباء, هو الفهم الذي يبدأ من معرفة أن هذه الشركة تحولت إلى قطاع أعمال بمعنى أنها أصبحت قطاع خاص بقدر ما..ومن ثم تم رفع تكلفة الكهرباء على كل الناس أكثر من عشرة أضعاف وربما  على البعض مائة ضعف ..وبالطبع اى بلد تحول نفسها إلى نظام اقتصادي مختلف عما هو قائم فهى تهدف إلى راحة شعبها وهذا حدث عكسه لأننا في مصر أم الدنيا..بلد المعجزات..وأيضا عندما تكون هذه الشركة تُحصل وتكسب  أكثر من عشرة أضعاف السعر السابق فهذا يجعلها ضمنيا تعمل على تجديد ميكنتها وأدواتها لتحسين خدماتها ولكننا أيضا لأننا في مصر لم يحدث هذا..لان السادة الكبار أرادوا فقط أن يكسبوا أكثر...دون الصرف على البنية الأساسية التي ظل السيد الحاكم وكل تابعيه الحديث عن أن معجزة البنية التحتية والأساسية التي هي احد معجزات العصر  والتي لاتقل أهمية وعن معجزة السد العالي ..أو معجزة العبور... وبعد ان بدأت بنية خدمات الكهرباء في الانهيار وعدم قدرتها على تقدم نفس الخدمة التي كانت تقدم وبسعر اقل مما هو قائم..لابد ان نطالب بالتحقيق مع كل القائمين على الكهرباء فى مصر وكل المستفيدين من هذا المشروع,وكل الذين ربحوا خلال السنوات الماضية منا دون تجديد بنية شبكة الكهرباء..إن الأمر الآن يحتاج إلى محاكمة قانوينة وعادلة المسئول عن تراجع هذه الخدمة إلى الأسوء

الدلالة المرعبة على طريقة الحكومة في ترشيد الكهرباء هي كونها تعبيرا جيدا وواضحا عن أنها احد الحلقات الأخيرة   لمسلسل انهيار مصر النهائي..فعندما تتناقص الخدمات الحياتية واليومية التي تقدم إلى الناس والشعب في بلدٍ عما سبق , هذا يعنى أننا في اللحظات الأخيرة لإخراج الروح ,هذا يعنى أيضا بشكل بسيط  أن السادة المسئولين بدأوا في إطلاق الرصاصة الأخيرة علينا وعلى الشعب..وأصبح تفكير السادة المسئولين ليس في حل مشاكلنا بشكل ايجابي وتوفير احتياجاتنا الإنسانية..ولكن السادة المسئولين يدربوا الإنسان في مصر على العيش مع أزماته اليومية التي لن تحل من قبل الحكومة.

إن ما يحدث ليس انهيار نظام سياسي..أو انهيار وزارة..إن ما يحدث عن قطع الكهرباء في بعض المناطق معناه انهيار بلد كامل عن توفير احد مقومات الحياة لمواطنها, وفى بلد لا يستطيع حكامه توفير الكهرباء للناس وأيضا لا يستطيع توفير المياه لابد أن يرحل ولابد أن يعترف أننا في مرحلة انهيار عامة, وانه لابد من التحقيق القانوني والعادل ومحاسبة المسئولين عن هذا.