حزيران الأسدي

عبدالله القحطاني

حزيران الأسدي :

أوله خيانة بشعة ، وآخره جريمة رهيبة ، وبينهما ، وبعدهما ، فساد واستبداد !

عبدالله القحطاني

·  ما نكتبه ، هنا ، ليس تاريخاً مضى .. بل هو كابوس ، جاثم على النفوس والعقول والقلوب ، والأبدان والأوطان ..!

·  الخامس من حزيران ، عام / 1967 / كارثة وطنية ، ارتجّت لها جبال سورية وسهولها .. بلهَ قلوبَ أبنائها ، الذين انتزع عدوّهم الألدّ ، قطعة صخمة من كبد وطنهم الأبيّ العزيز، ممثّلة في إقليم الجولان ، الرحب الخصيب المنيع ..! وذلك بكلمات قالها وزير، موكّل بحماية البلاد والعباد ، هو وزير الدفاع حافظ أسد ، الذي أمر جيش سورية ، بالانسحاب الكيفي من الجبهة ، وتركها لقمة سائغة بيد العدوّ ، الذي لم يدخلها إلاّ بعد عشرات الساعات ، من إعلان الوزير حافظ ، بسقوط مركز محافظتها ، القنيطرة ! ( ولم يحصل للخائن شيء ؛ لم يحاكَم ، ولم تعلق مشنقته في المرجة وسط دمشق ، كما جرت العادة مع الخونة !) .

·  بعد عامين ونصف ، من تسليم القنيطرة ، بلا حرب ولا مقاومة .. استلم حافظ الوزير، حكم البلاد كلها ، بصفته رئيساً للجمهورية ! وصار حاكماً بأمره ، متّخذاً لنفسه ، صفتين من صفات الإله ، هما : ( فعّال لِما يريد !) و ( لا يُسأل عمّا بَفعل ..) ! وطفق يعربد في البلاد ، كما يشاء ، هو وزبانيته ، دون حسيب أو رقيب ! فعاثوا نهباً وتخريباً ، وقتلاً وسجناً .. على مستوى الداخل ! وتآمراً وخيانة ، وعبثاً بأمن الدول العربية الشقيقة .. على مستوى الخارج !

·  في السابع والعشرين من حزيران ، عام / 1980 / .. ارتكب حافظ ، بأيدي أخيه رفعت ، قائد سرايا الدفاع .. مجزرة تقشعرّ لها الأبدان ، ويهتزّ لها كل ضمير إنساني ! حين أمر مجموعة من وحوشه المسعورة ، باقتحام سجن تدمر الصحراوي ، وقتل ألف من نزلائه ، وهم في زنازينهم عزل .. لا حول لهم ولا قوّة ، ولم يقوموا بأيّ شغب ، أو تمرّد ، أو حتى إضراب عن الطعام ! وهم من خيرة رجال الوطن ، علماً وخلقاً وثقافة ووعياً وإخلاصاً ! ( ولم يحصل شيء للمجرم وأخيه ؛ لم يحاكما ، ولم يحبس أيّ منهما ، ساعة واحدة ، على ذمّة التحقيق !) .

·  الكارثتان الوطنية والإنسانية ، ماتزالان إلى اليوم ، جاثمتين على صدر سورية ، وطناً وشعباً :

1)  الجولان ، مايزال تحت سيطرة العدوّ الصهيوني ، بما فيه من خيرات وثروات وجنّات ! وبمن فيه من سكّان ، أصرّوا على البقاء فيه ، تحت الاحتلال ، بكل مايعنيه ذلك ، من خنوع لعساكر المحتلين ، ومن إحساس بالهوان ، في ظلّ الاحتلال البغيض !

2)  ومأساة تدمر، ماتزال كابوساً مخيّماً على نفوس الشعب السوري ، عامّة ، ونفوس أهالي الضحايا الذين قتِلوا فيها ، خاصّة ! وما يزال الأبناء يتذكّرون آباءهم ، والنساء يتذكّرن أزواجهن ، والآباء يتحسّرون على فقد أبنائهم ، الذين اختطفتهم أيدي الغدر واللؤم والخسّة ، والانحطاط الأسدي !

·  وبين عامي الخيانة والمجزرة ، ثلاثة عشر عاماً .. تلتها ثمانية وعشرون عاماً ، مستمرّة إلى اليوم، ملأها الجزّار حافظ ، وزبانيته ، بما تعجز عن تخيّـله عقول الأبالسة ، من تصفيات جسدية ، للمواطنين الخصوم ، شركاء الوطن ، وشركاء النضال ! لأنهم ، جميعاً ، أعداء له ، بلا استثناء ، كما يتصوّر هو ، وزبانيته وجلاّدوه ! كما ملأ السنوات نفسَها ، بما تعفّ عنه نفوس الشياطين ، من عمليات نهب ، وسرقة من المال العام ! حتّى صار من أغنى أغنياء العالم ؛ كما أوردت تقاريرعدّة، في تلك الفترة ! ولم يكن هو الثريّ الوحيد ؛ فقد صار إخوته من أصحاب المليارات ، الذين يملكون الشركات العملاقة ، في دول العالم ، وفي داخل البلاد ! ولا يجهل أحد ، الإمبراطورية الإعلامية لرفعت أسد ، في أوروبّا ، وما يصاحبها من ثروات خيالية ! كما أن الآخ الآخر، جميل ، ظهر جزء من ثروته ، بعد موته ، حين اختلف أبناؤه مع زوجته ، على الميراث ! والمختلَف حوله ، هو خمسة مليارات دولار!عدا الأموال الأخرى ، التي نال كل منهم نصيبه منها! أمّا الأقرباء الآخرون، من بني عمومة وخؤوله ، وأصهار.. فيعبّر عن واقعهم ، رامي مخلوف ، ابن خال الرئيس الحالي بشار ! ولم تعد إمبراطوريته المالية ، خافية على أحد ، اليوم ! وهكذا .. فقد تلت الأعوام الثلاثة عشر، بين الخيانة والمجزرة ، ثمانية وعشرون عاماً أخرى .. مستمرّة إلى اليوم ، بكل ما فيها من أخلاق أسدية نبيلة ، يتوارثها الأبناء عن الآباء ..! ويشارك في احتلال سورية ونهبها ، فيها .. الأعمام والأخوال والأصهار ! فمرحى لآل أسد ، الأبرار الأطهار .. المتصدّين للمشروع الصهيوأمريكي ، والممانعين له ، والحامين لحدود الأمّة العربية ، من المحيط إلى الخليج !

وهنيئا لهتّافيهم ومصفّقيهم من أبناء الأمّة ، بهذه الرموز السامية ، والمشاعل المضيئة ، التي يقتدي بها الهتّافون والمصفّقون ، وأبناؤهم وأحفادهم .. ويلقون ربّهم على ما يقدّمونه فيهم ، من شهادات حسن سلوك ، تتغذّى بها أجيال الأمّة ، إلى يرث الله الأرض ومن عليها ! أو يشاء الله أمراً آخر، في كشف هؤلاء المجرمين ، ومصفّقيهم وهتّافيهم .. فيصبحوا على مافعلوا نادمين !

 ولله الأمر من قبلُ ومن بَعد !

·  هو ذا حزيران .. أفليس شهراً أسدياً بامتياز !