العراق الأمريكي والاتفاقيات النفطية
العراق الأمريكي والاتفاقيات النفطية
د. ياسر سعد
خلال حفل لجمع التبرعات في مدينة بوسطن من نحو أسبوعين, قال المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية السيناتور جون ماكين أنه شعر بـ"مفاجأة سارة" عندما تابع المالكي وهو يتصرف بمثابة "قائد." مديح ماكين لرئيس الوزراء العراقي لتشجيعه في السير قدما في توقيع الاتفاقية الإستراتيجية مما يشكل دعما كبيرا له في معركته الرئاسية, فيه انتقاص جلي ومحرج من المالكي. فماكين لم يكن إذا ليعتبر المالكي من قبل قائدا, وهو إذ أصبح كذلك فإن الأمر يعد مفاجئا له.
حين زار نوري المالكي طهران, كان أحد أهداف الزيارة المعلن هو طمأنة طهران بخصوص الاتفاقية والتي يتفاوض العراق عليها مع الجانب الأمريكي والذي يضغط لإتمامها. في طهران جلس المالكي بخشوع بين يدي مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامئني ومن دون ربطة عنق ليستمع لتوجيهاته وإرشاداته. كما وزعت وكالة رويترز صورة للمالكي وهو مرتبك تماما في حضرة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وهو يدعوه للجلوس. في كلتا المناسبتين ومع وجود العلم الإيراني غاب العلم العراقي مما يعطي إشارات سلبية لنظرة الإيرانيين للقيادة العراقية ويثير شكوكا في مطامع إيران في العراق.
بعدها وخلال زيارته للأردن قال المالكي إن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن التوصل إلى اتفاق أمني طويل الأجل وصلت إلى "طريق مغلق" بسبب مطالب أمريكية تنتهك بدرجة كبيرة سيادة العراق وهو ما لا يمكن قبوله أبدا. ثم عاد برهم صالح، نائب رئيس الحكومة العراقية ليؤكد استمرار المفاوضات قائلا أن الرئيس جورج بوش أبلغ المالكي بأن أميركا لن تطلب من العراق أية تعهدات من شأنها أن تخل بسيادة واستقلال العراق أو تحرج حكومته.
في حين نقلت وسائل الإعلام عن مسؤولين عراقيين وأميركيين قولهم أن تصريحات المالكي حول تعثر المفاوضات، قصد بها المسودة القديمة وليس النسخة الجديدة المعدلة والتي لم يطلع عليها المالكي بسبب انشغاله بالسفر. أليست عجيبة هذه التناقضات والمواقف الغربية؟ رئيس الوزراء يسافر لشرح الاتفاقية ثم يرفضها وبعدها نسمع عن نسخة جديدة حال السفر بينه وبين والإطلاع عليها. ألم يكن ممكنا التواصل الالكتروني والهاتفي مع المالكي لإعطائه صورة عن التعديلات الجديدة قبل إطلاقه تصريحاته المتناقضة؟؟ التناقضات والتأرجح ليس مرده نقص في المعلومات بقدر ما يُظهر غياب الاستقلالية عن القرار العراقي.
الحكومة العراقية في قبضة الأمريكيين وتحت حمايتهم وبالتالي فإن أية مفاوضات أو اتفاقيات بين الطرفين تفتقد للشرعية والقبول القانوني. أخر انجازات الحكومة العراقية هو فتح الباب لشركات النفط الغربية العملاقة للعودة العراق بحجة زيادة إنتاج النفط العراقي من 2.5 إلى 3 ملايين برميل. مما حدا بصحيفة نيويورك تايمز للتحذير في افتتاحيتها يوم الأحد من أن الأمر, ومع الارتفاع الحاد في أسعار النفط والطلب عليه, سيعزز الشكوك في العالم العربي "المفهومة" في أن دافع الحرب الرئيسي هو النفط, وهو ما سيعمّق أيضا الانقسامات بين الأطراف العرقية والطائفية المتصارعة في العراق. افتتاحية الصحيفة انتقدت الحكومة العراقية بسبب عدم اعتمادها الشفافية في إبرام هذه العقود والتي لم تطرح في مناقصات تنافسية علنية, منوهة على أن الفساد المستشري في العراق يجعل من العقود أكثر شرعية لو طرحت بشكل مفتوح وشفاف.
الإدارة الأمريكية لم تستطع الصبر حتى يقر البرلمان العراقي قانون النفط وهو ما كانت تسعى وتلح عليه, فكأنها أرادت فرض الأمر الواقع على العراق من خلال هيمنة الشركات النفطية العملاقة -والتي يرتبط الكثير من المسؤولين الأمريكيين بمصالح معها- على القطاع النفطي العراقي.
المواطن العراقي يريد قبل زيادة الإنتاج النفطي معرفة أين تذهب وتنفق عوائد مبيعاته؟ السواد الأعظم من العراقيين يعاني الأمرين من نقص حاد في الخدمات الأساسية وحاجاته المعيشية, وفيما يتعرض ملايين من المهجرين واللاجئين العراقيين لظروف قاهرة تدفعهم لسد رمق أطفالهم بأساليب مهينة وتستصرخ منظمات دولية العالم من أجل بضع ملايين لمساعدتهم, ينشغل الاحتلال والحكومة العراقية باتفاقيات سياسية وبصفقات بترولية يشوبها الغموض وتفوح منها روائح الفساد.