الدعاة الفضائيون

أحمد الفلو

الدعاة الفضائيون

إجهاض سياسي أم ولادة اقتصادية

أحمد الفلو /فلسطين

[email protected]

لقد اعتادت الأنظمة السياسية العربية وحتى الغربية على صناعة بعض الرموز الدينية و إبرازها و إيصالها إلى مرحلة الشهرة والنجومية , و تهدف تلك الأنظمة من وراء ذلك إلى تدعيم مبررات وجودها و بقاءها , حيث تنخرط تلك الشخصيات الدعوية في لائحة طويلة من المزيِّنين و مصنعي المساحيق و الأدوات التجميلية التي تخفي بثور الفساد و تجاعيد الاستبداد في وجه هذا النظام أو ذاك , وربما كانت ملامح هذه السياسة قد برزت مع نشوء الدويلات العربية و احتضان كل زعيم عربي لمجموعة ممن يتقنون فنون التجميل والمديح في مختلف المجالات الحيوية كالصحافة والإعلام و الوعظ الديني , والهدف منها هو تبرير كافة قرارات الزعيم و تلميع صورته شعبيا ً, كما هو الحال في تولية هؤلاء في مناصب الإفتاء أو توزيرهم في الأوقاف أو إطلاق العنان لبعضهم الآخر للتحدث من على منابر المساجد و الإذاعة والتلفاز .

ولكن بعد تطور الحياة السياسية و تفاقم مشكلاتها و تضخم أحداثها لم تعد مهام هؤلاء الدعاة و الوعّاظ تقتصر على ما ذكرناه آنفاً بل إن هؤلاء أصبحوا جزءً أساسيا ً من النظام السياسي في بلدانهم كما فعل الرئيس السادات بفتحه المنابر الاعلامية و صناعته لشخصية مصطفى محمود الذي كان يلقي دروسه الدينية والسيجارة لا تنطفيء بين إصبعيه أو متولي الشعراوي الذي افتتن به الناس و ما زالوا , في حين أن أمثال هؤلاء هم نتاج سياسي لمرحلة اتفاقيات كامب ديفيد و انضواء مصر تحت الخيمة الأمريكية و ما تبع ذلك من تحولات اقتصادية أصبحت مصر بموجبها تتبنى سياسة السوق الاستهلاكي غير المنتج و التابع للغرب والصهيونية .

ومع تدهور الحياة الاقتصادية في مصر والعالم العربي نحو الأسوأ بدأت الطبقة الوسطى تختفي و مع بداية تشكُّل طبقة اقتصادية طفيلية جديدة في المجتمع المصري تعيش على الخدمات الترفيهية السياحية و التصنيع الاستهلاكي الخفيف و وكالات المنتجات الإسرائيلية و الغربية , وازداد الفقراء فقراً و ازدادت القطط السِمان بدانة ً, وكما كان وزير الأوقاف الشعراوي وصاحب فتوى ( إن ﮔنجوا للسلم فاﮔنح لها) و مصطفى محمود و غيرهم نتاج صناعة سياسية للنظام الحاكم , فإنه مع نشوء طبقة الأثرياء الجدد و الأغنياء حديثي النعمة ازدادت الحاجة لملء الفراغ الروحي و العاطفي لأفراد هذه الطبقة الجديدة خاصة وأن كل متع الحياة من مال ونساء وبيوت فخمة متوفرة لديهم فلم يبقى سوى إيجاد فئة من الواعظين والدعاة تقوم بمهمة الشحن الروحاني و الإرشاد العاطفي الذي يناسب وضعهم المادي , وكانت هذه البداية في ظهور عمرو خالد و تلميذه  الكازانوفا احمد الفيشاوي  و الجندي و عبد الكافي و الجفري و القائمة طويلة .

إن ظهور هؤلاء الدعاة ينسجم تماما ًمع طبيعة التحولات الاقتصادية و السياسية الهائلة في مصر والعالم العربي , بل هي استجابة تلقائية لتلك التحولات التي شهدنا ونشهد كل يوم نتائجها من تحول العداوة و القطيعة مع إسرائيل إلى الصداقة والود معها بل و إصدار الفتاوى لصالح امتلاكها الأرض المقام عليها المسجد الأقصى كما يفتي الداعية النجم عمرو خالد . ومن تلك التحولات شهدنا أيضاً بداية تخلي أنظمة الحكم عن التعليم المجاني و تقليص الإنفاق عليه ويأتي ذلك بموازاة النشاط الدعوي مدفوع الأجر مسبقاً فإذا كنت مسلما ً وتريد درساً دينيا ً ادفع ثمن تذكرة الدخول للقاعة , أما إذا أردت دعاءً يصل إلى جوالك فدعاء قصير بدولار وطويل بدولارين أما الموعظة فهي بخمسة دولارات و لا تنسى أن فضيلته حين يدعو لك فإنه يعتقد أن دعاءه مستجاب , أما إذا كنت من أصحاب الوكالات التجارية فما عليك سوى بث إعلان تلفزيوني نصف دقيقة قبل بث حلقة فضيلته وربع دقيقة خلالها ولا مانع من إعلان مدته دقيقتان بعد ختام الحلقة لأن فضيلته سوف يشمل بضائعك بدعائه المستجاب  فتفوز بخيري الدنيا والآخرة .

إن الإسلام نشأ و ترعرع في قلوب المؤمنين بعناية إلهية وبقي الإسلام عبر التاريخ يسجل انتصاراته وتفوقه على أعداءه لأنه دين يمتلك أدوات التحدي و وسائل التغيير , وبفضله تغيَّر المجتمع و انقلبت موازينه و بُثَّت فيه قِيَم ًًجديدة , على العكس تماما ًمما يفعله هؤلاء الدعاة الجدد الذين لم يتعدوا في أحسن حالاتهم أن يكونوا مجرد إفرازات محمومة نتجت عن أوضاع سياسية سقيمة أو انتكاسات اقتصادية متردية .

و إذا كان هؤلاء المسوخ من أنظمة حكم و دعاة فضائيين دجالين و تجار طفيليين يريدون إخضاع الدين  لألاعيب السياسة وموازين الاقتصاد بهدف تطويع الإسلام لخدمة الصهاينة وفي الوقت نفسه تحقيق أهداف نفعية تتمثل بالثراء المالي أو النجومية و الشهرة فإنهم واهمون , فعندما أنزل الله سبحانه رسالته إلى نبيه الكريم ليبلغها للبشرية فإن هذه الرسالة الإلهية كانت استجابة حضارية قوية في مواجهة تحديات الفساد والجاهلية , ولم يكن الإسلام و لا الرسول r وصحبه الكرام جميعا ً نتاج ذلك الفساد و لا لخدمة طبقة معينة في المجتمع , و لابد لنا أن نشير إلى ارتباط الكثير من هؤلاء الأدعياء الجدد بمخططات استخباراتية أوروبية وصهيونية معادية للإسلام وهو ما يسمى مشروع المواجهة Contest  التي وضعتها المخابرات البريطانية لدعم الدعاة المعتدلين في مواجهة الإسلام المتطرف وقد ورد في الخطة العديد من أسماء تلك الوجوه التلفزيونية الفضائية ً, فكم هو الفرق شاسع بين هؤلاء الرويبضات وبين شهيد الأمة الشيخ أحمد ياسين , أو الداعية الكويتي الفاضل عبد الرحمن السميط الذي يبذل ماله ونفسه في تجارة رابحة مع الله .