فضلاء الساسة والفضالة في السياسة

عبدالله القحطاني

فضلاء الساسة والفضالة في السياسة ..

بين شعب سورية وحكّامه !

عبدالله القحطاني

·  كثيرون هم ، المشفقون على سورية ، وشعبها ، وحكّامها ..!

·  وكثيرون هم ، الذين نصحوا المعارضة السورية ، عامّة ، والإسلامية ، خاصّة ، بحلّ مشكلتها ، مع النظام الحاكم في بلادها ، حرصاً عليها ، وإشفاقاً !

·  وكثيرون هم ، الذين نصحوا النظام الحاكم ، في سورية ، بحلّ مشكلته مع الإخوان المسلمين ، حرصاً عليه ، وعلى ( ممانعته !) ، في عهد بشار .. وحرصاً عليه ، وعلى ( صموده وتصدّيه !) ، في عهد حافظ !

·  لكن .. قليلون هم ، الذين عرفوا أبعاد المشكلة ، بشكل جيّد ، وعميق :

 ـ الذين عرفوا مأساة الإخوان السوريين ، مع الحكم السوري ، بشكل جيّد وعميق .. قليلون !

 ـ والذين عرفوا طبيعة النظام السوري ، وحقيقته ، بشكل جيّد وعميق .. قليلون !

ـ والذين عرفوا طبيعة الصراع ، بين النظام السوري ، وشعبه ، بسائر شرائحه .. قليلون !

   وبالتالي :

1)  الذين بادروا إلى حلول حقيقية جادّة ،على أسس محدّدة واضحة، بين النظام السوري ،  والإخوان السوريين .. غير موجودين !

2)  والذين اقترحوا على الإخوان ، أو على النظام السوري .. اقتراحات واضحة محدّدة ، مقبولة ، مجدية .. غير موجودين !

3)  وبناء عليه :

 ـ ظلّت مبادرات الفضالة ، التي تقدّم بها بعض الأطراف ، مبنيّة على النيّات الحسنة ، والمشاعر الطيّبة ، فقط ! وظلّت ، بالتالي ، أقرب إلى النصائح النبيلة ، ورجاءات المسامحة والعفو ، التي تحملها ، عادة ، الجاهات الشعبية .. منها إلى الفضالة الجادّة ، الحريصة حقاً ، على حل المشكلة ، حلاً يقبله المتخاصمون !

ـ وظلّت أصوات الشعب السوري ، بأسره ، وفي مقدمته أصوات الإخوان المسلمين .. مجرّد أصداء متناثرة ، هنا وهناك ! لم يحاول حتّى أقرب الناس إلى الإخوان ، استيعاب مدلولاتها ؛ بلهَ أن يبنوا عليها مبادرات حقيقية ، عملية ، جادّة ، لحلّ المشكلة السورية المزمنة !

ـ وظلّ مبدأ الفضالة ، المعروف شرعاً وقانوناً ، مجرّد صورة باهتة ، في أذهان ذوي النيّات الحسنة ! لايترجَم ، في أحسن الحالات ، إلاّ إلى نوع من الثرثرة المَوسمية ، المغلّفة بمشاعر نبيلة ! دون أن يفكّر أيّ صاحب نيّة حسنة ، بترجمته إلى مبادرة جادّة ، كتلك التي بادر بها بعض القادة العرب ، إلى حلّ مشكلات مستعصية ، بين أبناء الشعب الفلسطيني ، وأبناء الشعب اللبناني ، وأبناء الشعب الصومالي ، وأبناء الشعب السوداني ، وغيرها ..!

ـ ربما لايعلم الكثيرون شيئاً ، عن عقد الفضالة ، وشروطه !

ـ وربما عرف بعضهم ، معنى الفضالة وشروطها .. إلاّ أنهم لم يجدوا حاجة لإجهاد أنفسهم ، في طرح مبادرات جادّة ، تقتضي المتابعة ، والاتّصال الدائم بين الأطراف المتنازعة .. لأن مأساة الشعب السوري ، في ظلّ حكم آل أسد ، لاتصل عندهم ، إلى الدرجة التي تدفعهم ، إلى بذل الكثير من الأوقات والجهود .. لإنهائها !

4) بالنظر إلى ماتقدّم ، نذكر هنا نقطتين اثنتين ، هما : تعريف الفضولي ـ وركيزة الحلّ الابتدائية للمسألة السورية :

 (1) الفضولي في اللغة : هو المشتغل بما لايعنيه ! أمّا الشرعيون ، فالفضولي عندهم : من يتصرّف في شؤون غيره ، دون أن تكون له ولاية إصدار هذا التصرّف !

 والشرط الأساسي في الفضالة هو: إجازة التصرف ، الذي يقدم عليه الفضولي ، مِن قبل مَن له حق إصدار هذا التصرف !

ومن طرائف تطبيقاته ـ ونسوقها هنا ، للتخفيف قليلاً من جفاف الموضوع ـ : أن رجلاً تخاصم مع إحدى زوجاته ، فطلّقها .. فصاحت به زوجته الثانية : حرام عليك يارجل ، فطلّقها .. وصاحت الثالثة : ماذا فعلت يارجل ، اتّق الله ، فطلّقها ! وكانت زوجة جاره ، في البيت المجاور له ، تسمع طلاقه لزوجاته ، فصاحت من وراء الجدار: حرام عليك يارجل ! فصاح بها : وأنت طالق ، أيضاً ، إذا أجازني زوجك ! فصاح زوجها ، قائلاً : أجزتك .. أجزتك ..!

ومعلوم ، بالطبع ، أن الفضالة ، كما تكون في الطلاق ، يمكن أن تكون في أمور أخرى كثيرة ، كالزواج ، والعقود المالية ، وحلّ المشكلات السياسية والاجتماعية ! وربّما اضطرّ الفضولي ، إلى دفع الكثير من ماله ووقته وجهده ..لإنجاح فضالته ، مروءة منه ، أو لمصلحة مادّية أو أدبية ، له ، يكتمها في نفسه ، أو يخبر بها آخرين !   

(2) ركيزة الحلّ الأساسية ، للمسألة السورية ، العالقة بين النظام السوري والإخوان .. هي ، ببساطة ، مجموعة حقوق الإنسان الأساسية ، التي أقرّتها شرائع السماء وقوانين الأرض .. وهي تتجلّى ، في الحالة السورية ، بما يلي :

* إلغاء القانون 49/ لعام  1980 / والذي يحكم بالإعدام ، على مجرّد الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين !

* الإفراج عن السجناء السياسيين ، المسجونين ظلماً ، لمجرّد أن لهم آراء تخالف آراء النظام الحاكم !

* السماح للمنفيّين القسريين ، بالعودة الطوعية إلى بلادهم ، بشكل طبيعي ، دون المرور عبر البوّابات الأمنية !

* التعويض على الناس ، الذين تضرروا بالأحداث الماضية ، في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ، من القرن الماضي .. سواء أكان الضرر صحياً ، أم مالياً ، أم اجتماعياً !  

* تسوية أوضاع الموظّفين والعسكريين ، الذين غادروا بلادهم خوفاً من الاعتقال .. بصورة طبيعية ؛ تسوية قانونية عادلة ، وظيفياً ومالياً !

5) الإخوان المسلمون ، في سورية ، طرحوا هذه المطالب الإنسانية الأساسية ، منذ أكثرمن ربع قرن ، على سائر الوسطاء الفضلاء ، الذين بادروا للوساطة ، بينهم وبين النظام السوري ! إلاّ أن النظام السوري ، لايرى أن ثمّة مشكلة لديه ، تقتضي منه أن يقدّم لمواطنيه حقوقهم الإنسانية الأساسية ؛ ليشعروا على أساسها ، أنهم مواطنون أحرار ، مؤهّلون للحوار السياسي معه ، وتبادل الأفكار السياسية ، والتفاوض حول الشروط السياسية ، المختلف حولها !

5) فأين الفضوليّ الجادّ ، الذي يسعى إلى حلّ المشكلة السورية ، لا بالنيّات الحسنة وحدها .. بل بالمبادرة الحقيقية ، التي تتضمّن البنود الأساسية ، التي لايمكن القفز فوقها ، حتى لو حلّق أصحاب النيّات الحسنة ، بأجنحة نورانية ، كأجنحة الملائكة !

 وعلى سبيل المثال : لو أقدم واحد من الحريصين على سورية وشعبها ، وفصائلها المعارضة ، الإسلامية وغيرها.. وهو من أصحاب الجاه والحظوة عند الرئيس السوري، الحريصين على استقرار نظامه ، وعلى ممانعته في وجه الصهاينة وحلفائهم ، ومن كثيري الهتاف والتصفيق له ، ومن مروّجي الدعايات المجّانية له ، ولحكمه ، وممانعته ، وشجاعته ، وحكمته .. لوأقدم على كتابة ورقة ، فيها إصدار قرارات حازمة ، لحلّ الأزمة السورية ، وتتضمّن البنود الأساسية ، المتعلّقة بحقوق الإنسان الواردة أعلاه..! ثم طلب من الرئيس السوري ، التوقيع عليها.. وطلب من الإخوان السوريين قبولها .. وتمّ الأمر كما أراد .. أو رفضَ أحد الطرفين مبادرته ، فتبيّنت له حقيقة الأمر، وعرف مَن منهما المتعنّت المجرم ، وأين يكمن الخلل .. ! وبنى موقفاً حازماً ، ضدّ الطرف المعطّل لمبادرته ، على ضوء النتيجة التي توصّل إليها..! أفلا يكون لمساعيه الحميدة ، شأن آخر مميّز ، يدخله التاريخ السياسي والإنساني والاجتماعي ، لسورية ، بكل مافيه من صدق ونبل.. ويدخله في سجلّ الأفذاذ من الرجال ، الحريصين حقاً ،على حلّ معضلات أمّتهم ، وإزالة العقبات ، التي تعوق وحدتها وتقدّمها وازدهارها !؟

 فإذا لم يكن هذا النوع من الفضوليين موجوداً، وظلّ ذوو النيّات الحسنة مسلّحين بنيّاتهم ،  وحدها، لحلّ المشكلات المعقّدة.. فنرجو أن يعلم هؤلاء ، أن لدى الشعب السوري ، كله ،  بسائر فئاته وقواه السياسية .. نيّات طيّبة ، كذلك .. لا تقلّ صفاء وإخلاصاً ، عن نيّات الفضوليين ، أياً كانوا ، وأياً كانت أهدافهم ، وحساباتهم السياسية ، وطموحاتهم القومية ، أو الإسلامية ، أو الإنسانية ..! كما أن لدى الشعب السوري ، حرصاً على بلاده ، وعلى أمّته العربية ووحدتها ، وعلى أمّته الإسلامية ومنعتها .. لا يقلّ عن حرص الفضوليين جميعاً ، في العالم أجمع !