أوباما يستعيد السيطرة الأمريكية
أسعد البيروتي
صحيح ما يقال تاريخياً، بأن كل حرب عالمية كانت أو إقليمية كانت، لا بد لها من شرارة تشعلها.
الصحيح أكثر أن أي تهديد بحرب، أو أي حرب قادمة محتملة في المنطقة، لا تشرب جذورها من المياه الإيرانية، حرب غير واقعة وغير متوقعة. دون أن ننسى –طبعاً- أن أساس كل الحروب بيننا وبين إسرائيل هو الجوهر العدواني لقيامها واستمرار هذا الجوهر حتى الزمن الراهن.
الحرب هذه المرة حالة مختلفة لأن إيران استعارت هذا الجوهر واستمراره وكالة لا أصالة واستخدمته كحجة شعبوية، أما الهدف الحقيقي فهو الوصول إلى إيران العظمى بالنووي، والعظمى بالهيمنة على مجريات ومسار السياسة في المنطقة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما – مؤخراً – قد رفع غصن السلام في وجه إيران، وذلك بتجديد الدعوة إلى المفاوضات السلمية والالتزام بمنع السلاح النووي عبر "تدابير تساعد على بناء الثقة ومقنعة بأن إيران لا تصنع قنبلتها النووية".
قبالة التلويح بالسلام الأوبامي فإن حاملات الطائرات الأمريكية تتحرك بشكل لافت في المنطقة، وثمة بواخر حربية وغواصات إسرائيلية قد اجتازت قناة السويس إلى البحر الأحمر وثمة احتمال أن إيران قد تسلمت صواريخ s 300 من بيلاروسيا مع أن المذكورة نفت ذلك، وثمة آثار شديدة السوء اقتصاديا ظهرت إثر القرار 1929، وثمة تقارير استخبارا تيه أمريكية عن أن السلطة الحاكمة في إيران تواجه مشاكل تقنية في برنامجها لتخصيب اليورانيوم مثالاً سوء التصميمات و التخريب المتعمد بدلالة أن 3800 جهاز طرد مركزي فقط تعمل في الفترة الحالية في ناتانز، أي ما يعادل 60% من الطاقة الكاملة.
ثمة صراع قد لا تنهيه إلا الحرب بين محاولة إنشاء إيران العظمى بنووييها وهيمنتها وبين جهود الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإعادة السيطرة الأمريكية على المنطقة، وضمان التفوق الأمريكي المنفرد والمتفرد على باقي سكان هذا العالم. إن كلاً من السيطرة والتفوق قد ضعف في العشرين سنة الأخيرة وفي الوقت نفسه تعاظمت السيطرة الإيرانية بالمقابل، وخاصة بعد أن ارتاحت إيران من نظام صدام في 2003 في العراق ومن نظام طالبان 20012002 في أفغانستان. لقد تحولت طهران بسبب ذلك إلى مشروع قوة إقليمية عظمى بغض النظر عن نووييها السلمي أو الحربي وذلك عبر تدخلها الفعال ضد أمريكا والناتو.
حرصت الإدارة الأمريكية الأوبامية في العراق وأفغانستان على عدم استفزاز إيران للوصول إلى محاولة شراكة معها تؤدي إلى حماية جنودها في البلدين المذكورين، من مستلزمات تلك الشراكة أن لا تضغط الإدارة الأمريكية بقوة على النظام الإيراني في الشأن النووي. وهذا الحرص ليس اختراعاً أوبامياً فقد سبقه إليه دبليو بوش.
في آذار 2009 صرح الرئيس أوباما بأنه ملزم بدفع العلاقات البناءة بين الولايات المتحدة وإيران والأسرة الدولية |إلى الأمام.
منذ آذار 2010، المعلومات الواسعة التي تجمعت لدى CIA أقنعت أوباما أن الابتعاد عن استفزاز إيران ليس مجدياً وأنها ليست بحاجة إلى استفزاز أو عدمه. في 16 آذار 2010 شهد الجنرال بتراوس :"إن إيران توفر حماية انتهازية لطالبان " أما الجنرال مولن رئيس الأركان الأمريكي فقد كشف عن شحنة من الأسلحة الهامة تم إرسالها من النظام الإيراني إلى طالبان.
في العشرين من شهر آذار 2010، أعلنت CNN أن قوات طالبان تتدرب في إيران. BBS الأمريكية أكدت أن إيران تقدم لطالبان عبوات من نوع EFP كانت سبب الموت رقم 1 في أوساط الجنود الأمريكيين في العراق وفي منتصف تموز الحالي، الجنرال ري أودريانو قائد القوات الأمريكية في العراق قال : " أن لديه أدلة تؤكد أن إيران خططت ونفذت وتخطط وتنفذ عملياتٍ ضد القوات الأمريكية في العراق. الصحافة البريطانية قالت إن إيران قد أعطت طالبان صواريخ كتف مضادة للطائرات من نوع SE14 حلت محل صواريخ SE7 القديمة وهي تشكل تهديداً بالغاً على مروحيات الناتو.
تأكدت الإدارة الأمريكية الأوبامية مؤخراً؛ أن لا علاقة لإيران باستقرار المنطقة بل بتعزيز هيمنتها عليها، التأكيد هو ما دفع لأشد تصريحٍ عسكري ضد إيران ألا وهو قول الجنرال مولن قبل عشرة أيام بأن الولايات المتحدة أعدت خياراً عسكرياً ضد البرنامج النووي الإيراني، الظاهر أن الإدارة الأمريكية تعمل بقول وزير خارجيتها الأسبق هنري كيسينجير "على الحوار أن يستمر ... عندما يتوقف الحوار يبدأ القتال ". التأكيد المذكور أيضاً دفع الولايات المتحدة في 272010 إلى الموافقة على أن تؤمن لإسرائيل قاذفات "f35 " بعيدة المدى المتطورة القادرة على الوصول إلى الأجواء الإيرانية بهدف ضرب " الذرة الإيرانية قيد التصنيع ". وفضلاً عن ذلك كله تم تسريع وصول إسرائيل إلى " القبة الحديدية " الواقية من الصواريخ ، والتي كان من المقدر أن تجهز بعد سنة ونصف من تاريخه.
يقول خالد حروب في كتابه " هشاشة الأيديولوجية وجبروت السياسة "، ويقصد بالسياسة هنا السياسة الأمريكية، وهي سياسة هجومية غير اعتذاريه وانفرادية غير مترددة، تعتمد على القوة العسكرية في الدرجة الأولى. ما قاله حروب يصح بعد أن يَقنع غالب الأمريكيين بأن إيران قدت سدت كل طرق السلام والتفاوض، وأن إيران أيضاَ تعمل لكي تكون قوة عظمى إقليمياً وقوة عظمى نووياً على الصعيد العالمي، في حال كهذه يصبح الحل العسكري، وليس بدائله هو الطريق الصحيح لاستعادة السيطرة الأمريكية وضمان التفوق الأمريكي على بقية العالم.
الممانعون وعشاق الأيديولوجية الهشة، هؤلاء وورائهم الجموع الجوعى الحالمة؛ ظنوا أن " الإمبراطورية الأمريكية" آيلة إلى الزوال، وأن الشمس ستشرق من طهران عليهم وعلى العالم. مفيد أن نذكّر هنا بآخر أقوال أقدم ممانع عالمي فيدل كاسترو :" الصراع سيؤدي إلى حرب نووية نظراً لأن إيران لن تتراجع إطلاقاً أمام مطالب الولايات المتحدة، ولأن أوباما من أصول إفريقية – كذا – فهو ليس صلفاً كنيكسون وليس جاهلاً كريغن.
ثمة تراجع إيراني إثر تصريح مولن. وثمة انتقال من موقف شديد السخرية بالقرار 1929 من قبل الرئيس نجاد إلى أن توافق إيران على الحوار والتفاوض الفوري مع ال 5+1 وأن تشترط فقط تواجد تركيا والبرازيل على الطاولة وبيدهما الاتفاق الثلاثي حول تخصيب اليورانيوم في الخارج. كذلك إيران ردت على مولن رداً جزئياً محدداً، قال القائد العام المساعد للحرس الثوري الإيراني للشؤون السياسية العميد يد الله جواني :" لو قام الأمريكيون بأي مغامرة فإن المنطقة ستتعرض للخطر، إن الخليج للجميع أو ليس لأحد ". هل يُفهم من كلام يد الله جواني أن تهديد المصالح الأمريكية والأوربية قد سقط من برامج رد إيران على أي عدوان، وأن الرد سيشمل الجيران والخليج فقط ؟. أرجو أن يتوقع من باب الاحتياط السيد يد الله جواني أن مولين قادر على إجهاض أي ضربة إيرانية للخليج قبل حصولها بدقائق. جدير بالذكر أن العواصم الغربية المعنية لم ترد حتى الآن على التراجع الإيراني المذكور.
رغم أن وضع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مختلف عما كان عليه وضع الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003، عام احتلال العراق، وذلك من حيث أن القدرة الإيرانية الراهنة أكبر وأهم من القدرة العراقية آن ذاك رغم ذلك فإن موضوعة وصول إيران إلى الذرة وما تمثله من تهديد للمنطقة والعالم؛ يعطي للحرب على إيران مشروعية افتقدها ذاك الاحتلال عندما ثبت ألا وجود لأسلحة دمار شامل عند صدام.
هل احتمال عودة إيران خمسين عاماً إلى الوراء في ما لو نفذت خطط واشنطن الحربية؛ كفيل بإيقاظ العقل الإيراني واكتشافه أن "الأعداء" مهما خسروا فإن بلده هي الخاسر الأكبر؟.