حسن نصر الله في عيد التحرير...

عريب الرنتاوي

حسن نصر الله في عيد التحرير...

أزمة المنتصر ؟!

عريب الرنتاوي

لم يكن السيد حسن نصر الله على "سجيته" في خطاب الذكرى الثامنة للنصر والتحرير الذي ألقاه على مسامع عشرات ألوف اللبنانيين الذين احتشدوا في الضاحية الجنوبية أمس الأول، فقد كان واضحا أن الرجل الذي خرج منتصرا من شوارع بيروت ومرتفعات عالية، يشعر كما لو أنه أصبح محشورا في زاوية ضيقة، حتى لا أقول أنه كان كالمنتصر الذي يجهد لإبعاد كأس الهزيمة عن شفتيه.

برغم نبرته القوية ولاءاته القاطعة، فقد كان خطاب نصر الله دفاعيا تبريريا بامتياز، فيه من " الجكر والمجاكرة"، ما لم نعهده عن "سيد المقاومة"، قلل من شأن فكرة "الوحدة الوطنية" وتحدث عن "مقاومة فريق من اللبنانيين" وفاخر بعضوية حزب ولاية الفقيه الشجاع الحكيم العالم العادل، وذهب على هذا النحو، في كل صوب واتجاه.

في ظني أن زعيم حزب الله والمقاومة، يشتم رائحة أزمات عدة تقترب من موقع الحزب ومكانته، بل وتكاد تلامس عنصر التفوق الأقوى للحزب: سلاح المقاومة، وفي ظني أن الرجل الذي يقف على رأس أكبر قوة عسكرية في البلاد، أدرك أنه ليس طليق اليدين في استخدام هذه القوة، وأخذ ينظر بقلق لتهاوي "أسطورة سلاح المقاومة وقدسيته"، إذ حتى أقرب حلفائه إليه، ما عادوا يختلفون مع خصوم الحزب حول جدوى السلاح ووجوب نزعه، بل حول كيفية فعل ذلك وبأقل الوسائل ضررا وكلفة.

حزب الله الذي سجل ملحمة أسطورية في حرب تموز / آب 2006، يدرك أن مياها كثيرة قد جرت في أنهار الجنوب ولبنان والشرق الأوسط، وأن قدرة الحزب على اتخاذ قرار الحرب والسلام، لم تعد كما في السابق، وأن إستراتيجية التحرير التي تحدث عنها، لم تعد "عملية وواقعية"، حتى فيما يخص مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ولهذا طلع علينا بـ"الإستراتيجية الدفاعية" التي تفترض الاحتفاظ بسلاح المقاومة لغايات ردعية، ودفاعية إن لزم الأمر، وهو أمر لم يعد مقنعا لكثير من اللبنانيين،، بعد أن نجح فريق السلطة وائتلاف 14 آذار، في وضع سلاح حزب الله على مائدة البحث، وبعد أن "تفاخر" سمير جعجع بخلو وثيقة الدوحة من أية إشارة لكلمة "مقاومة" في سابقة هي الأولى من نوعها لوثيقة لبنانية / عربية منذ سنوات طوال، وهذا هو الإنجاز الأبرز لإعلان الدوحة من وجهة نظر قائد القوات اللبنانية.

حزب الله الذي خشي الصراع المذهبي وتفادى الانزلاق لحارات بيروت وأزقة الطريق الجديدة، وجد نفسها مدفوعا لخيار كهذا، وهو اليوم يجهد في إنجاز "انسحاب منظم" عن جبهات قتاله الجديدة، ولكن أوراقه في هذه المجال محدودة، وأهمها على الإطلاق ورقة الاشتباك مع إسرائيل التي بات اللجوء إليها مكلفا للغاية، ولهذا اندفع الأمين العام في مخاطبة "جمهور رفيق الحريري" من اللبنانيين السنة، وخص العراق بمساحة متميزة من خطاب على غير عادة، تفاديا للانتقادات التي ماثلت ما بين حزبه وجيش المهدي، ودرءا لاتهامات توجّه لإيران وكثر من شيعة العراق، بالتماهي مع واشنطن أو التساوق والتواطؤ معها، علّه بهذه وتلك، يستطيع أن يحفظ للحزب والمقاومة ولصورته، طابعها العابر للحدود والطوائف والمذاهب الذي تألق أثناء حرب تموز وما بعدها.

ولا شك لديّ، في أن حسن نصر الله يتابع بقلق أنباء التفاوض السوري – الإسرائيلي، فهو أكثر من غيره، يعرف القيمة الإستراتيجية لـ"الحبل السري" الذي يربط المقاومة بسوريا، وهو قبل غيره، يعرف أن لا سلام بين سوريا وإسرائيل، ولا عودة للجولان المحتل، من دون قطع هذا الحبل أو تجفيفه على الأقل، والأرجح أن تطمينات تركماني في طهران، لم تهدئ من روع حزب الله، فإذا كانت إسرائيل يمكن أن تغفر لسوريا احتفاظها بعلاقات طبيعية مع إيران – وليس إستراتيجية – فإنها لن تغفر لها استمرارها تزويد الحزب بالسلاح والعتاد، فأمر كهذا بات متطلبا مسبقا للتسوية – وليس للمفاوضات – بين دمشق وتل أبيب، وليس بعيدا أن تكون رهانات الأمين العام متمحورة الآن حول ما يمكن أن تتسبب به العنجهية والتوسعية الإسرائيلية من ضرر للمفاوضات وإجهاض لفرص التسوية ؟!.

لم يعد لدى زعيم المقاومة، الكثير من الوعود التي ينثرها من على منبر الذكرى السنوية للنصر والتحرير، حتى الوعد بتحرير الأسرى بمن فيهم عميدهم سمير قنطار، جاء باهتا، خصوصا بعد أن تبين بأن إسرائيل لن تفرج عن أسرى فلسطينيين وأردنيين وعربا، وأن الصفقة ستشمل العدد القليل من الأسرى ورفات الشهداء اللبنانية فقط، برغم مناورات الحزب وبراعته المشهودة في التفاوض، بل وبرغم تهديداته باختطاف المزيد من الجنود، وهي التهديدات التي لم تعد إسرائيل تأخذها على محمل الجد على ما يبدو، مطمئنة للقرار 1701 ولوجود أكثر من 15 ألف جندي دولي بالإضافة للجيش اللبناني على امتداد جبهة الجنوب.