إيران والمطارق الثلاثة

اسعد البيروتي

اسعد البيروتي

السلطة الايرانية تئن الآن تحت ثلاثة مطارق ، ان لم نقل مطارق محطمة-بكسر الطاء- ؛ نستطيع القول انها مطارق قاسية وفاعلة ، ونؤكد انها ستترك كدمات واسعة في جسم سلطة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد .

المطرقة الاولى هي العقوبات الدولية ، الابواب من ايران والى ايران لم تغلق نهائيا ، الابواب الآن ابواب مواربة ، والعزلة السياسية والاقتصادية آخذة في النماء ، ثمار العقوبات الدولية تلوح امام انظار العالم وانظار الايرانيين . الجدار الايراني لم يعد قادرا ان يُتكأ عليه ، رغم انه مايزال متكئاً على نفسه آنياً .

   اكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم ، مساحته 3745 ميل مربع ، ومحتواه 1800 تريليون قدم مربع من الغاز الطبيعي ، 38% منه تابع لايران ، وال 62% منه تابع لقطر . في عام 2008 حجم صادرات ايران من الحقل 6 مليارات دولار ، وحجم صادرات قطر 62 مليار دولار ، وتأمل السلطة الايرانية ان يقفز حجم صادراتها من الحقل مستقبلا الى 130 مليار دولار ، بحيث تكون ايران اكبر مصدّر للغاز في العالم . ما حصل ، منع الحلم الايراني من التحقق ! ، ما حصل ، ان انخفض عدد العاملين في حقل جنوب فارس من 100 الف عامل الى 20 الف عامل ، ولقد رافق انخفاض عدد الوظائف تدن ملحوظ باجور ما بقي من موظفين و مهندسين واداريين وعمال ، ما حصل ، هو ان "شل" و "توتال" و "هاليبرتون" انسحبت من مشاريع تنمية الحقل المذكور ، ما حصل ، ان ثمة مشكلات مستجدة في الحصول على التمويل وصعوبات في توريد الادوات الاساسية وعقبات في استئجار منصات للحفر ، ما حصل ، ان القرار 1929 بدأ حيز التنفيذ . قال محمد روناغي ، نائب مدير "سي بارس" الشركة الايرانية التي تقدم الخدمات لمالكي السفن وشركات التأمين البحري على مستوى العالم : " تواجه السفن التي ترفع العلم الايراني مشكلات في جميع انحاء العالم ، لانها لا تملك في الوقت الحالي أيّ تغطية تأمينية بسبب العقوبات الجديدة ، ومن ثم فان غالبية الموانئ سترفض التعامل معها اذا لم يتم تأمينها ضد الاضرار المحتملة " . شركة "لويد" للتأمين البحري اوقفت تأمين واردات البنزين الى ايران ، وايران بحاجة يومية لاستيراد خمسة ملايين غالون من البنزين . العقوبات الجديدة تمنع اعادة تزويد الطائرات الايرانية بالوقود ، وسيتضرر 4 ملايين ايراني يعيشون في الخارج بسبب ذلك كما قال محمد جلالي مدير قطاع طيران ايران والمقيم في امستردام . وعندما تعهدت شركات التأمين الايرانية بوضع مليار دولار كضمان يخفف من قلق شركات التأمين الدولية ؛ قال ممثل شركة التأمين الهولندية : " تخيل ان ناقلة نفطك اصطدمت بسفينة سياحية امريكية في هونغ كونغ ، لن يكفي المليار دولار لتغطية التأمين " .

   هل يعني هذا ان ايران تسير الى الامام اقتصاديا على الاقل ؟ ، يجيب مساعد القائد العام لحرس الثورة الاسلامية العميد حسين سلامي : " ان الحصار والعقوبات والضغوط تقود شعبنا الى الامام " . لن نرسم اكثر من ثلاث علامات تعجب !!! .

      المطرقة الثانية ، هي المواجهة المفتوحة بين "المحافظين التقليديين" ، يدعمهم تجار "البازار" ، وبين النظام الايراني المتسارع باتجاه الاستبداد السلطوي ، وباتجاه حيازة الثروة حصريا ، وتوزيع قسم كبير منها على شراء المؤيدين وضمان بقائهم حراسا يقظين للنظام .

ما دفع "المحافظين التقليديين" الى المواجهة ، هو حملة التهميش العلنية والسرية لرجال الدين واعضاء البرلمان ، فضلا عن القفز الى الامام بايديولوجيا الامام الخميني نحو فائض من التطرف . قال مرتضى ناباوي رئيس تحرير احدى الصحف الممثلة للتيار المحافظ الرئيس في ايران : " اصبح لديهم اعتقاد بأنهم تخلصوا من الاصلاحيين ، وربما يرون انه حان الوقت للتخلص من اعدائهم المبدئيين –يقصد الاصوليين- " . ثمة واحد من اشكال المواجهة المفتوحة المذكورة ، هو الاضرابات التي عمّت اسواق طهران "البازار" ، وكانت الحجة المباشرة لتلك الاضرابات هي الزيادة بالضرائب ، وحين حاولت السلطة من خلالها التعويض عن فشلها في قطاع الطاقة ، وفشلها في توفير عمل منتج لملايين العاطلين من الشبان والشابات .

لحظ "المحافظون التقليديون" ان الرئيس نجاد يتهم كل من لا يتطابق معه ومع ايديولوجياه ، ومع سياسته الداخلية والخارجية ، بالعداء للثورة ، وبالخروج عن الاسلام .

"المحافظون التقليديون" يمثلون جيلاً اكبر عمرا ، والجذر الحقيقي لانتمائه هو انتماؤه لآية الله روح الله الخميني . نجاد وجماعته أصغر عمراً ، وميالون للقتال ، ويستقوون بالحرس الثوري الايراني ، ويعتبرون انه في ايران ، محظورٌ اي اتجاه غير اتجاه نجاد ، وان النظام الايراني الثوري الراهن عبارة عن حزب واحد لاغير . في خطاب لنجاد نُشر في 16 تموز يوليو على موقعه الالكتروني قال فيه : " النظام لديه حزب واحد " .

"المحافظون التقليديون" –رجال دين ، مشرعون ، زعماء من التجار ، - يشككون بكفاءة نجاد الادارية ويتهمون نائبه ووزراءه بالفساد ، وفي الحقيقة فانهم قد قفزوا الى ابعد من ذلك ؛ قفزوا الى اتهام السلطة الحاكمة بتشويه مبادئ الثورة ، عبر نفي دور رجال الدين كصمام امان يمنع انفجار التناقضات التي تواجه الثورة وطرائق الحكم والادارة . الصوت الاعلى كان صوت اوميد فار رضا ، البرلماني المحافظ البارز : " البرلمان قد يضطر الى استخدام صلاحيته القانونية ، بما في ذلك توجيه الاتهام بالتقصير وعزل الرئيس " ، ومفيد الا ننسى قول رئيس البرلمان الايراني لاريجاني : " ثمة حركة متطرفة تتدثر بعباءة الاسلام والثورة " .

      المطرقة الثالثة ، هي الحركة الاصلاحية الخضراء – موسوي كروبي الخ - . قال انصار نجاد ان 35% من الناخبين لم يعطوا اصواتهم الانتخابية للرئيس نجاد ... حسناً ، ثلث الناخبين في الانتخابات الرئاسية في الصيف الماضي لم يعطوا اصواتهم لنجاد ، اي ان ثلث المجتمع الايراني قال لا لنجاد ، وغالبية هذا الثلث من الشباب الواعي المثقف ، والمؤمن بان الديمقراطية لا تقل قداسة عن ولاية الفقيه . مثلت الحركة الاصلاحية الخضراء أهم انشقاق عامودي ، لم تشهده ايران من ثلاثين عاما ، استمر تدفق المتظاهرين الى الشوارع عاما كاملا ، واستمرت النساء الايرانيات على اسطح المنازل والبنايات تصرخ الله اكبر ، لا للديكتاتورية عاما كاملا ايضا ، واستطاع عنف السلطة – اعتقال ، اغتيال ، محاكمات صورية ، - ان تقمع ظاهرا الحركة الاصلاحية الخضراء ، ولكن هل قدرت على ازاحتها الى جحور الخوف واللامبالاة ؟ لا نعتقد ، المجتمع الايراني من اكثر المجتمعات حيوية والحرية من مقدساته وتاريخه الماضي والراهن دليل على مانقول .

المطارق الثلاثة لن تكف عن الطرق ، وآتي الايام هو الحكم .