عالم عربي...

د. ياسر سعد

عالم عربي...

يحترق ويحتضر!!

د. ياسر سعد

[email protected]

تكاد الأحداث العربية الدامية والمؤسفة تتصدر نشرات الأخبار العالمية وبشكل شبه يومي. أحوال العراق المضطربة وأوضاع لاجئيه وأطفاله وأرامله القاسية, المعارك الدائرة في أرجائه والقتل والموت وبأعداد كبيرة, الانفجارات وتصفية العقول أصبحت من الأخبار التي لا تكاد تلفت انتباه أحد. الصومال الممزق وأحواله الصعبة, وتحذيرات منظمات إغاثة عالمية من كوارث إنسانية, وعربدة القوات الأثيوبية وقتلها للمارة والمدنيين واقتحامها المساجد وذبحها المصلين, أمور غدت مملة للكثيرين منا من كثرة  ورودها في وسائل الإعلام حتى انزوت في الزوايا الخلفية. اليمن السعيد يشهد اشتباكات وتفجيرات وصراعات دموية وخطف وسقوط ضحايا كان آخرهم عشرات المصلين الخارجين من مسجد في صعدة.

لبنان البلد العربي الصغير والوادع تتقاذفه أمواج العنف وتعلو فيه من جديد صيحات الطائفية والتي يمكن لها أن تدمر في أيام ما تم بناؤه في أعوام. ومن بيروت حيث أنتشر أعداد من الملثمين المسلحين والمندفعين للثأر من بلادهم ومن أنفسهم وهم لا يشعرون, تنتقل بنا التغطيات الإعلامية إلى عاصمة عربية أخرى, إلى الخرطوم حيث تعلو أصوات الاشتباكات والتفجيرات ويمنع التجول وتنتقل ألسنة النيران من دارفور –بوابة التدخل الدولي في خاصرة عربية جديدة- إلى الخرطوم معلنة دخول دولة عربية جديدة في مخاطر التفكيك والتفتيت والتغييب.

أما في فلسطين فتستمر المأساة والتي يرقبها العالم كما نفعل, بغير اهتمام وبلا مبالاة, سكان غزة يتعرضون لموت بطيء وحصار قاس وعقوبات جماعية وصفها جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق بجريمة ضد الإنسانية. سقوط الضحايا الفلسطينيين نساء وأطفالا, والغارات والتوغلات الإسرائيلية غدت هي الأخرى من الأحداث التي تعكر على الكثيرين منا صفو راحتهم ومتابعاتهم للاحتفالات والمهرجانات التي لا تنقطع في عالمنا العربي وقنوات الرقص والطرب المتكاثرة كالفطر.    

في الجانب الأخر دول عربية مستقرة ظاهريا وأمنها مستتب, فيما خلف المشهد ومن وراء الصورة غليان اجتماعي كبير وأحوال من الفقر والفاقة تنتشر بشكل يهدد سلامة المجتمع وأمنه, أحوال اجتماعية بائسة للغالبية وفي الوقت نفسه طبقة من المترفين, وتقارير عن خصخصة أدت لبيع مؤسسات عامة وأراض حكومية لمستثمرين أجانب بأثمان بخسة دون معرفة إلى أين استقرت حصيلة المبيعات الغامضة.

 الأوضاع التعليمية في عالمنا العربي في حالة يرثى لها, نقبع في ذيل القوائم التنموية والصناعية والعلمية عالميا. وفي حين تنفق الدولة العبرية ستة مليارات ومائة مليون دولار على البحث العلمي, فإن الدول العربية مجتمعة  تنفق مليار وسبع مئة مليون دولار حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة 2004, مع التنويه أن جزءا كبيرا من الإنفاق العربي منصبا –على الأرجح- على المصاريف الإدارية والاحتفاء بإنجازات لم تتحقق. فيما الأرقام والإحصائيات عن هجرة الأدمغة والعقول من العالم العربي مفجعة وموجعة.

أجزاء من العالم العربي تحترق وأخرى تغرق في ظلمات الفقر والبؤس والتخلف ويهددها انفجارات اجتماعية وسياسية محدقة, مع استثناءات لا تكاد تذكر. فهل التدخلات الأجنبية والإرث الاستعماري والسياسة الأمريكية المبنية على الهيمنة ونشر الفوضى الخلاقة مسؤولة عن أوضاعنا الكارثية؟ أم أننا بحاجة إلى إعادة تشكيل عقولنا وصياغة أفكارنا وترتيب أولوياتنا؟

المسؤولية عن أوضاعنا نتحملها جميعا حكاما ومحكومين, مثقفين ومهنيين, فالحرائق المشتعلة إن لم نبادر بإطفائها ستلتهمنا جميعا وأمواج الطوفان الهادرة ستغرقنا بلا استثناء. نحن بحاجة ماسة لمعالجة واقعنا المرير وإيقاف عجلات الدمار المتسارعة, من خلال تعطيل ثقافة التطبيل والمداهنة والتحول من التصرفات العاطفية الانفعالية إلى الواقعية العلمية, وربط شرعية الأنظمة الحاكمة بانجازاتها العلمية والاقتصادية والتنموية المبنية على حقائق وأرقام . الخروج من النمط الاستهلاكي القاتل والذي أصبح سمة من سمات المجتمعات العربية والاهتمام بالبحث العلمي الذي يتفاعل مع الوضع التنموي والصناعي المحلي أمور حيوية للخروج من حالة الموت السريري الذي يعاني منها عالمنا العربي. تنمية ثقافة التعايش والاختلاف الهادف, وعدم احتكار الحقيقة, والتطلع إلى الآخر بتقدير, وإلغاء الاستبداد السياسي والأسري والفكري أمور ضرورية للخروج من النفق المظلم الذي نتخبط في دياجيره.