النظام السوري وساركوزي قدوة
النظام السوري وساركوزي قدوة !
أ. محمد بن عبد الله
كاتب سوري
أعلن النظام السوري في خطوة ليست الأولى من نوعها كما أنها ليست الأخيرة وخاتمة الأحزان ، فلقد أعلن وزير التعليم العالي السوري غياث بركات عن منع تسجيل أي طالبة ترتدي النقاب في الجامعات السورية بما فيها الجامعات والكليات الخاصة ، ثم تبع ذلك توجيها آخر يقضي بمنع الطالبات المنقبات من الدخول إلى الحرم الجامعي بحجة تعارض النقاب مع القيم الأكاديمية .... وأخلاقيات الحرم الجامعي ، أي أن ذلك يعني طرد الطالبات القديمات المنقبات من الجامعة ، ولا ندري ما يقصده هذا الوزير للتعليم .... العالي ! من منع التعليم على المنقبات وحصرهن في تعليم محدود ، أو أن هناك أهدافا أخرى مبيتة أبعد من ذلك ؟
ومن حقنا أن نتساءل ما الغاية العظيمة والهدف السامي من هذه الخطوة الجبارة ، والإنجازالقومي والمكسب الوطني والمردود الاقتصادي ، الذي سيجنيه النظام السوري من وراء هذا الاعلان ؟ ! .
هل هو تشجيعا لسياسة التجهيل من وزير تعليم .... عالي ؟ !
أم هو خطوة أخرى للخلف باتجاه الديموقراطية المسحوقة ، أو الحرية المخنوقة داخل نظام شمولي متقوقع يسوده الاستبداد ، ويحكمه نظام الحزب الواحد ؟
أم هو تنفيذا لسياسة ساركوزي في فرنسا صديق كيان دولة بني صهيون الحميم ، بعد أن اكتشف النظام السوري الرؤية البعيدة والنظرة الثاقبة والسياسة الحكيمة في خطة ساركوزي وتوجهاته ، فأغري بها النظام السوري ونالت إعجابه فاتخذ من ساركوزي قدوة في هذا الأمر فقط ، وعزم على تطبيق هذه الخطة السياسية المتميزة لإرساء الحرية وتعميم التجربة الديموقراطية على العالم الحر في القرن الحادي والعشرين ؟
أم هي بداية تصعيد جديد ومرحلة أخرى متقدمة في المعركة المستمرة ضد الاسلام والتضييق على المسلمين ؟
لقد سبق هذه الخطوة في الأيام القليلة الماضية إصدار قرار كان هو الخطوة الأولى من العهد الجديد للنظام السوري ، حين أعلن وزير التربية علي سعد بتحويل الف ومائتي مدرسة منقبة من قطاع وزارة التربية إلى قطاعات أخرى في وزارة الإدارة المحلية بمواقع خدمات هامشية بعيدة عن مجال شهاداتهن وتخصصاتهن ، واعتبر ذلك دفعة أولى بهذا الإتجاه ، تحاشيا لحالة الشحن العاطفي والاستفزاز الذي يولده عند الآخرين ! وهناك قرارا جاهزا بألف ومائتي مدرسة أخرى سيتبعه عما قريب من المنتظر تحويلهن خارج نطاق التدريس وبعيدا عن اختصاصاتهن وإلى جهات لا يعلمها إلا السميع القدير ، بحسب افادة وزير التربية المذكور أعلاه ، وذلك إحياء لخطوة قديمة مماثلة كان نظام العهد القديم في سوريا قد اتخذها في آخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي وعلى عدة مراحل ، وذلك بالتسريح من العمل كاملا بتقاعد الزامي ، أو التحويل إلى قطاعات خدمية أخرى ، للمدرسين الموسومين بالتدين وغير منتمين للحزب الشمولي الحاكم – حزب البعث – إلى مواقع هامشية وبعيدة عن الاختصاص ، انتهت بأكثرهم فيما بعد إلى السجون ، أو الهرب خارج تراب الوطن نجاة من القمع والإعتقال ، وحفاظا على النفوس والأرواح والأولاد .
إن ما يدعو للريب من هذه الخطوة هو مانراه ونعايشه من تناقل وسائل الاعلام
في الوقت الحاضر من حمى الحرب على النقاب في بعض بلدان الغرب ، ومحاولة التضييق على المسلمين هناك بعد نمو اليمين المتطرف المعادي للإسلام ، والموالي للصهيونية العالمية ، وعقدة الاسلام فوبيا التي خلقها وزرعها هذا اليمين العنصري في الغرب ، وروى نبتتها بعض المتشددين من المسلمين الذين قدموا هذا المبرر الغير مشروع هدية مجانية لأولئك المتحاملين على الاسلام وأهله .
فقد بدأت هذه الحمى الجديدة من منع بناء المآذن في سويسرا ، هذه البلد التي ينظر إليها كنموذج ديموقراطي ومجتمع حر في العالم الغربي المتمدن !
إن الكنائس وقبابها وصلبانها للنصارى في بلاد المسلمين موجودة وقائمة ومستمرة منذ وجد الاسلام على هذه الأرض وحتى يومنا هذا ، في جميع البلدان المسلمة التي تتواجد فيها تلك الأقليات ، ولو كانت بنسب أقل من نسب المسلمين في الغرب ، رغم ما شاب الأوضاع من علاقات متوترة إبان الغزو الصليبي القديم لديارنا ، والإحتلال الغاشم الحديث لأرضنا واضطهاد شعوبنا .
ثم تبع ذلك حرب النقاب في فرنسا بقيادة ساركوزي مفتعلا هذه الضجة الإعلامية ليغطى على فشله الذريع غي الانتخابات المحلية التي حدثت مؤخرا ، وفضائحه التي ضجت بها الفضائيات ، وتدني نسبة مؤيديه داخل فرنسا ، فراح ينقب في أوراقه الصفراء ليكسب بعض أصوات المتطرفين من اليمين العنصري المتشدد ، فلم يجد خيرا من هذه الفتنة ، واصطناع هذه الزوبعة ضد المسلمين في فرنسا .. . وتدحرجت كرة الثلج باتجاه بلجيكا والمانيا بعد ذلك ...
ثم قفزت هذه الكرة بقدرة قادر من الغرب إلى الشرق ، من وسط أوربا لتسقط في قلب العالم العر بي والاسلامي ، في دمشق عاصمة الدولة الأموية ؟ !
ولئن كان الاسلام في الغرب طارنا وجديدا عليهم ولديهم عقدة الاسلام فوبيا تجاهنا ، فماذا عندنا في سوريا بلد الاسلام والمسلمين ، عاصمة الخلافة الأموية وبلد العلماء والأئمة والمجتهدين ، ونحن داخل سوريا المسلمة بعاداتها وأعرافها الشرقية وقيمها الرصينة المحافظة ؟
وحقيقة لست من المتعصبين للنقاب ولا من الداعين إليه ولا أراه فرضا ملزما ، والحكم الشرعي لموضوع النقاب كما يقول علماء المسلمين ومجتهديهم هو موضوع خلاف ولعل أقرب حكم في هذا الأمر أنه واجب عند وجود الفتنة بكشف الوجه ، فإن أمنت الفتنة فلا حرج في الكشف ويكفي الحجاب ، آخذين بعين الاعتبار تغير الفتوى وتقدير الفتنة زمانا ومكانا ، ولذا فلست من المتبنين له أو الداعين إليه ولست من معارضيه ، وإنما عدا كونه حرية شخصية فهو عفة وحشمة وفضيلة .
وخير ماقيل في أمر الحجاب والنقاب من بعض دعاة المسلمين وعلمائهم بأن الحجاب فرض والنقاب أو الخمار فضل .
وما يحز في النفس تلك الحملة الشعواء على المنقبات رمز العفة والفضيلة فهن وبحسب تبريرات وزير التعليم المذكور أعلاه يسببن الشحن العاطفي والاستفزاز عند البعض ، أما تلك الطالبات اللاتي يدخلن إلى الحرم الجامعي وقاعة المحاضرات كأنهن راقصات في كازينو، أو عارضات في صالة عرض للأزياء متكشفات متبذلات متهتكات ، يسلبن عقول الشباب ، ويفجرن الشهوة في كيانهم ، ويحركن فيهم الغرائز السفلى ، فكل هذا أمر طبيعي ومقبول بل لعله هو الهدف من العلمانية والمعايير الأكاديمية التي يتحدث عنها سيادة الوزير السالف الذكر أعلاه .
وما دام أمرالنقاب حرية شخصية ضمن دولة تدعون أنها علمانية ، فلم نقننه ونحاربه ونحن الآن في عصر كل يدعي فيه أنه من أنصار الحرية ودعاة الديموقراطية .
كلهم يدعي وصلا بليلى ..................................... وليلى لا تقر لهم بذاك
مع مانراه حقيقة وعلى أرض الواقع خلاف ذلك ، حتى لو تمثلت هذه الحرية المدعوة شاة حاملا ، والديموقراطية المزعومة بقرة حلوبا لذبحها بعض حكامنا وسلخوها وأكلوا لحمها ولبسوا جلدها !
ولنا أن نتساءل هل يتعارض النقاب مع ديننا وقيمنا ومبادئنا ؟
هل كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ونساء الصحابة الكرام يتعارض مع القيم الأكاديمية وأخلاقيات الحرم الجامعي لأنهن كن يضعن الخمار والنقاب ؟
فإن كان كذلك - بحسب رأيكم - فلا خير في قيمكم الأكاديمية ولا أخلاقيات حرمكم الجامعي .
أم أن النقاب يصون مجتمعنا من التحلل والفساد ، ويحافظ على رجولة شبابنا ويصون كرامتهم من التهتك والضياع .
أما الأولى أن يحارب التكشف والتهتك والعري لنحافظ على قيمنا ومبادئنا ؟
أم أن المطلوب هو ذاك الآخر لنلحق بالبلدان المنفتحة والمتحررة ، بل المتحللة من القيم والأخلاق !
أهو التقليد الأعمى للغرب واتباعهم حذو القذة بالقذة كما أخبرنا رسولنا العظيم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ؟
أم هي تعليمات أعداء الاسلام من ساركوزي وأمثاله تنفذ في ديارنا من قبل المسؤولين وأصحاب القرار؟
يدعي بعض أنصار هده السياسة المريبة أن التعليم يقتضي كشف الوجه لتنتقل الحركات والملامح والانفعالات إلى الشخص الآخر.
وإن كانت كلمات حق يراد بها باطل ، فلنقل جدلا إن كانت هذه الإنفعالات والملامح والتعابير تتم خلال المحاضرة داخل القاعة أو المدرج فلم لا يقتصر منع النقاب داخل القاعات والمدرجات وخلال المحاضرات فإن ذلك يحل هذا الإشكال من استقبال هذا المحاضرلردات الفعل وقراءة الملامح والتعابيرلعشرات ، لا بل مئات الطلاب والطالبات الذين يحشرون في قاعاتنا ولا يجد أكثرهم مقعدا يجلس عليه ، وربما تنتهي المحاضرة ويخرج الدكتور دون أن تكتحل أعين البعض برؤيته !
كما لدينا في سورية نظام تعليم الانتساب لأغلب الفروع النظرية والتي لا تشترط دوام الطالب في الجامعة ، وإنما يقدم الإختبار في نهاية الفصل مع بقية الطلبة ، فما الغاية إذن من هذا القرار المريب !
ويقول آخرون كما تراني من حقي أن أراك !
ولا أدري ما المقصود بالرؤية ؟ هل هي مجرد الرؤية فقط ، أم يجب أن تكون مثلي كاشفا ! أو أكون مثلك ....تماما .... كاشفا حتى لو خرجت عاريا من كامل ثيابك !
ولنفرض أن فتاة ساقطة من أصل وضيع - وما أكثرهن - قد أتت إلى الجامعة ودخلت الحرم الجامعي وهي تتبختر متهادية متكسرة" متقصعة تتغندر" في مشبتها كأنما هي في ليلة زفافها ، لا بل حفلة عيد ميلادها مع شلتها الساقطة ، متزينة متعطرة "متمكيجة: ، متكشفة متبذلة .... كاسية عارية !
فهل ستمنع مثل هذه الساقطة من دخول الجامعة أولا ، أم ستدخلها بالحفاوة والترحيب والعيون تطاردها والأقدام تلاحقها من زاوية إلى أخرى لأنها تتطابق مع القيم الأكاديمية وتنسجم مع المعايير العلمانية وتتماشى مع أخلاقيات الحرم الجامعي !
ومن ثم من سيكون مثل الآخرويقلده حتى يرى كل منهم في الآخر ما يراه منه ! الراقصة أم المحاضر ؟ أليست مهزلة ؟ ! .
أما كان الأولى اتخاذ خطوة من هذا الوزيرالمشار إليه أعلاه ، إصدار قرار يقضي
بإلزام الطالبات على ارتداء لباس العفاف والحشمة حفاظا على الأدب والفضيلة ؟ أما كان الأجدر أن يتخذ وزير السياحة أو الأوقاف ، أو غيرهم من المسؤولين وأصحاب القرار قرارا لمنع التعري على شواطئ البحار ومحاربة ظاهرة العهر والدعارة التي غصت بها شوارع دمشق وغيرها .
أهي دولة علمانية أم دولة معادية للإسلام ؟
ألا تأخذون من العلمانية غير القشور الجائفة ؟
ألا تنادي العلمانية بمنح الحرية وإرساء الديوقراطية ونبذ الاستبداد ....والتبادل السلمي للسلطة .... وتشجيع العلم ..... واحترام الانسان .... وحقوق الانسان ؟ !
أم أن علمانيتكم من نوع آخرخاص ، نسجت تحت أعينكم ، بأيدي سادتكم ، على قياس مصالحكم ، لتحقيق أهوائكم الشخصية ، وتنفيذ أهدافكم المريبة في نشر الانحلال وزرع الفساد ، ومحاربة كل ما يدعو إليه الاسلام من أدب وأخلاق وطهر وفضيلة .