حكايتي مع الأخطبوط بول

مخلص برزق

حكايتي مع الأخطبوط بول!!

مخلص برزق

[email protected]

انتهى المونديال وعادت فرقٌ تجر أذيال الخيبة إلى بلادها، خاصة فريقي برلسكوني -حامل اللقب سابقاً- وفريق ساركوزي صاحب المركز الثاني في نسخة المونديال السابقة. ورغم أنني أزعم بأنني أتحلى بروح رياضية عالية، إلا أنني لم أستطع أبداً إخفاء شماتتي بهما لما لا يخفى على كل قارئ مواقف الرئيسين من كافة قضايانا السياسية والاقتصادية والدينية، بدءاً من الانحياز الأعمى للسياسات الصهيونية الإجرامية بحق شعبنا في فلسطين -وما قرار فرنسا بحظر بث قناة الأقصى عنا ببعيد- ومروراً بالمجاهرة الصريحة بالعداء للإسلام وأهله، وانتهاءً بسن القوانين الخاصة بالتضييق على لباس المرأة المسلمة في بلادهم مثل ذلك القانون الذي أقرّ بالأمس في فرنسا والذي يجعل ارتداء المرأة للنقاب جريمة عظمى تعاقب عليها!!

في مرحلة لاحقة تجددت شماتتي بفريقين آخرين، هما فريق إنجلترا والولايات المتحدة، إذ أنني لايمكنني تخيل أن عربياً أو مسلماً يمكن أن يفرح لفوز أحدهما، وأجيال تتلوها أجيال تشهد ما جرعتنا سياسات البلدين في منطقتنا العربية والإسلامية عامة وفي فلسطين والعراق وأفغانستان خاصة، ومع عدم استبعادي أن ما أصابهم في ملاعب جوهانسبيرج وبريتوريا كان بفعل شظايا دعائنا المتواصل عليهم، فإن سوء الطالع بات يلاحقهم في الملعب العراقي والأفغاني بل وحتى في خليج المكسيك.

ولأن السياسة هي خبزنا اليومي وكرتنا المفضلة التي نسجل من خلالها الأهداف، فإن محاولتي المضنية لحفظ أسماء أبرز الهدافين من اللاعبين باءت بالفشل، وهو ما جعلني أكتفي بمتابعة حضور أو غياب الشخصيات السياسية البارزة كالرئيس السابق نلسون مانديلا وجاكوب زوما، والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي حضر خيبة فريقه، ومع هؤلاء وغيرهم كانت واحدة هي التي تثير حفيظتي وتستفز مشاعري.. إنها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل!!

فما زالت عباراتها الساقطة التي تفوهت بها إبان زيارتها لأرضنا المحتلة ترن في أذني وهي تردد أمام "الكنيست": "إن التهديدات التي تتعرض لها "إسرائيل" تهديدات لنا أيضًا". ففي أول خطاب من نوعه لمسؤول ألماني أمام "الكنيست"، قالت يومها: "يملأ الألمان شعور بالعار بسبب الهولوكوست"، وأحنت رأسها أمام لوحة تذكارية ترمز إلى ضحايا "المحرقة". وأضافت: "علينا تحمُّل مسئولية الماضي، ونُريد أن نظهر بوضوح التزام ألمانيا الأبدي في سياستها الخارجية بحق "إسرائيل" في الوجود".

ولا عجب فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فرضت التزامات عديدة على ألمانيا، كان على رأسها الاعتذار للكيان الصهيوني وتقديم تعويضات مالية ضخمة قُدِّرت بمئات المليارات من الدولارات لأهالي ما يُعرف بضحايا "الهولوكست" الذين تمَّت المبالغة في تقدير عددهم بشكلٍ كبير، كما أن الحكومة الألمانية ماتزال تدفع رواتب تقاعدية لقرابة 35 ألف يهودي غادروا ألمانيا أثناء الحرب؛ وذلك لتعويضهم عمَّا جرى لهم!. كما أن اللوبي اليهودي في ألمانيا يمارس نفوذًا قويًّا على وسائل الإعلام الألمانية، وعلى مراكز صناعة القرار السياسي، والاقتصادي، وكل ذلك لما فيه من مصلحة الكيان الصهيوني، وقد مارس هذا اللوبي ضغوطات لإتمام صفقات أسلحة متطورة "لإسرائيل" بأسعار مخفضة. مع حرص ألمانيا على مدى أكثر من خمسة عقود على تقديم مختلف أنواع الدعم لدولة الكيان الصهيوني، متمثلاً في توالي الدعم العسكري الألماني السخي ليشمل أحدث الغواصات من نوع "دلفين" وصورايخ باتريوت المضادة للصواريخ، إضافةً إلى أحدث التقنيات التي تدخل في صناعة الطائرات والدبابات وغيرها من الأسلحة الخفيفة والثقيلة على أساس أن ذلك ضروري لضمان أمن الكيان الصهيوني!!

كل ذلك جعلني أغتاظ لرؤية المستشارة الألمانية ميركل تقفز فرحاً على وقع الأهداف التي كانت "ماكينة" الفريق الألماني تسجلها في شباك الآخرين، وكان طبيعياً أن أترقب خسارة "المانشافت" بغض النظر عن فريقه الخصم، نكاية في تلك الحيزبون.

كان طريفاً أن يبتدع الألمان حكاية الأخطبوط "بول" ويقرنوا طالعهم بخراطيمه ومجساته، وقد أحسن ذلك الـ"بول" باستدراجه لهم إلى مقتلهم، فإنهم ما أن وثقوا به وباختياراته، حتى طعنهم طعنة نجلاء باختيار إسبانيا عليهم، إذ فتَّ ذلك في عضدهم وحبسهم في أوهام الهزيمة التي اختارها لهم حتى رأوها عياناً، وانقلبوا بها خاسرين خائبين يتوعدونه بالشي والقلي والفرم والتقطيع!!

راودني خلال تلك الفترة شعور غريب عجيب مع ما تتناقلته وسائل الإعلام عن ذلك الأخطبوط الفريد، فالصورة النمطية التي ألصقها الكتاب ورساموا الكاريكاتير عن الأخطبوط جعلته مقترناً في ذهني بالمشروع الصهيوني البغيض بأذرعه البشعة التي تمتد لتدنس قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك، ورسومات أخرى لأخطبوط صهيوني يلصق رأسه بفلسطين ويمد أذرعه الطويلة لباقي دول العالم العربي والإسلامي!! وتخيلت لوهلة أن ذلك الأخطبوط بول إنما هو ذلك الكيان الصهيوني البغيض الذي رضع المليارات من الخزينة الألمانية، ثم هو يغدر بهم بتزوير الجوازات الألمانية لتنفيذ جريمة اغتيال المجاهد محمود المبحوح ضارباً عرض الحائط بكل المواثيق والقوانين الدولية.

شعرت بأنني كنت محقاً عندما أبديت لصاحبي المولع بمولر وكلوزة وخضيرة شماتتي الحارة بحرمان ميركل من حمل الكأس الذهبي، فبعد ساعات من انتهاء المونديال حملت لنا وسائل الإعلام أخباراً تعبرعن مدى الانحياز الأعمى الذي ما تزال تتسم به الإدارة الألمانية الحالية للكيان الصهيوني الغاصب، وذلك بحظرها منظمة الإغاثة الإنسانية الدولية بدعوى دعمها لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، حيث جاء في حيثيات القرار الجائر حسب أقوال وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير يوم الاثنين الماضي (12/7) في برلين "إن المنظمة تدعم منذ فترة زمنية طويلة وبمبالغ كبيرة تحت غطاء المساعدات الإنسانية، ما يطلق عليه اتحادات اجتماعية تتخذ من قطاع غزة مقراً لها وتتبع حركة حماس التي تمارس أعمال عنف ضد "إسرائيل" والمواطنين "الإسرائيليين" تؤثر على التفاهم السلمي بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني"، على حد تعبيره.

ولأن ذلك الخبر جاء مقروناً مع خبر آخر يتعلق بإعلان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس عن استبدال المنسق الأمني الأمريكي بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية كيث دايتون بمايكل مولر. ولأن الكثير من مآسينا ومواجعنا في ضفتنا المحتلة كان سببها تلك السياسات الخبيثة التي رسمها جنرالات أميركا وعلى رأسهم سيء الذكر دايتون هو وإنتاجه من الفلسطينيين الجدد، فإنني أوجهها صريحة عالية (أعلى من صخب الفوفوزيلا) لأهلنا في الضفة ألا يشجعوا أي مولر كان، كي لا يجمعوا عليهم مولرين كما اجتمع عليهم البلاءين أجهزة أمن مولر (دايتون سابقاً) وأجهزة الاحتلال الصهيوني!!