إن لم يكن ما تفعله واشنطن في أفغانستان إرهابا

الطاهر إبراهيم

فما هو الإرهاب إذن؟

الطاهر إبراهيم *

خبر أذاعته أكثر من محطة إخبارية ومنها ال (b b c )  البريطانية، ومفاده أن رجلا اسمه "جاري بروكس فولكنر"، أمريكي من كاليفورنيا عمره 52 عاما اعتقلته الشرطة الباكستانية في منطقة جبال "تشترال" إلى الشمال من "بيشاور"، يحمل مسدسا وخنجرا وسيفا، فضلا عن كتاب يحمل نصوصا وتعاليم دينية.

وقد أوضحت الشرطة أن الرجل أعتقل في مقاطعة "نوريستان" قرب الحدود الأفغانية التي تعد إحدى معاقل طالبان. قال "فولكنر" للمحققين الباكستانيين بعد اعتقاله في وقت متأخر يوم الأحد 13 حزيران 2010 الماضي بأنه كان في مهمة منفردة لقتل "أسامة بن لادن".

لم تمض أيام قليلة حتى أذيع أن "إسلام أباد" سلمت "فولكنر" لواشنطن، لينطفئ بعدها الخبر وكأن شيئا لم يكن.

لا نريد أن نعلق على تعاون حكومة باكستان مع أمريكا. فقد أصبحت تلك طوع واشنطن منذ اليوم الذي انقلب فيه الجنرال "برويز مشرف" على رئيس الحكومة المنتخبة ديمقراطيا "نواز شريف" في أكتوبر 1999، ثم لتصبح باكستان وكأنها ولاية من ولايات أمريكا منذ تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001.

النيجيري "عمر فاروق عبد المطلب" اعتقلته وكالة الاستخبارات الأمريكية (c I a) على متن طائرة أميركية العام الماضي. ومثل كل الذين حققت معهم ال (c I a) منذ تفجيرات سبتمبر 2001 فقد نسب إليه أنه كان ينوي تفجير الطائرة التي كان يستقلها، من دون أن يكون هناك شاهد عيان على أنه فعلا اعترف بأنه خطط لتفجير الطائرة. وحتى الآن لم يحاكم أحد من الذين اعتقلتهم ال (c I a) حتى يُعرف إن كانوا مذنبين فعلا في أحداث سبتمبر؟

كثيرون -أوروبيون وأمريكيون وعرب، سياسيون وكتاب وصحفيون- يعتقدون أن واشنطن لن تجري محاكمة لأي من الذين اعتقلوا على خلفية أحداث سبتمبر. يؤكد هؤلاء أن "العرب التسعة عشر" بقيادة المصري "محمد عطا" بريئون من الاشتراك في أحداث سبتمبر -براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام- وأنه تم اعتقالهم قبل 11 سبتمبر وأعدموا –أو هكذا يقول منطق الأحداث- وأن هناك من نفذ تفجيرات 11سبتمبر 2001 لحساب جهة أرادت أن تتخذ منها حجة لاحتلال أفغانستان ومن بعدها العراق.

للأسف فإن أيا من العرب -حكوماتٍ وأحزاب ومؤسسات مجتمعٍ مدني، وحتى أجهزة الأمن التي لا تتفتق عبقريتها إلا عند التحقيق مع المواطن -أخذتهم المفاجأة، فسلموا لواشنطن باتهامها للعرب. فلم يطالب أحد منهم واشنطن بالدليل على اتهاماتها. إلا ما كان من أمر والد "محمد عطا" الذي اتصل بقناة "الجزيرة" مؤكدا أن ابنه "محمد" اتصل به بعد التفجيرات وقبل أن تنشر (c I a) قائمة بأسماء المتهمين المزعومين. الغريب أن واشنطن قدمت قائمة بأسماء المتهمين بسرعة كأنما قد أعدت القائمة مسبقا، ما يؤكد أن الاتهام مفبرك بالكامل.

استطرادا، فإن محكمة ألمانية في مدينة "هامبورغ" قد أمرت بإطلاق سراح "منير المتصدق" المغربي الجنسية في نيسان 2004، -المتهم بالتآمر لتنفيذ لأحداث سبتمبر- بعد أن نقضت المحكمة العليا الاتحادية الألمانية حكما بسجنه 15 عاما لإدانته بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة والتآمر لتنفيذ الهجمات على نيويورك وواشنطن. وقد قبلت المحكمة طلب الدفاع الإفراج عن "المتصدق" إلى حين إعادة محاكمته بعد ذلك. واشنطن من جهتها عبرت عن خيبة أملها تجاه قرار المحكمة إطلاق سراح "المتصدق" المدان الوحيد في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وأضافت أنها تعتبر المغربي "منير المتصدق" شخصا خطيرا.

أما في أمريكا فلم يتم إلى الآن إطلاق سراح أحد ممن اعتقلته واشنطن، إلا ما كان من أمر بعض معتقلي "غوانتنامو" حيث اتضحت فظاعة الجريمة التي ارتكبت بحقهم. لا أحد يعرف على وجه التأكيد عدد المعتقلين على ذمة أحداث 11 سبتمبر.

نسجل أيضا كذلك: أن الإدعاء الأمريكي في أحداث11 سبتمبر لم يقدم إلى الآن –بعد تسعة أعوام- متهما واحدا ليحاكم أمام المحاكم الأمريكية المختصة. علما بأنه قد أعلن عن اعتقال عدة قيادات قاعدية ورموز زعم أنها عقول مدبرة في اعتداءات 11 سبتمبر، مثل الباكستاني "خالد شيخ محمد" واليمني ر"مزي بن الشيبة".   

تسلل الأمريكي "جاري بروكس فولكنر" إلى حدود أفغانستان، وقد اعترف بفعلته على الملأ،  هو الإرهاب بعينه. ولا يبعد أن تكون وكالة الاستخبارات الأمريكية(c I a) هي التي أرسلت "فولكنر" لاغتيال "أسامة بن لادن". لذلك سارعت باستعادته من باكستان لطمس جريمتها هذه . أما الجريمة التي نسبت للنيجيري "عمر فاروق" –إن صحت-  فهي أقل إرهابا من إرهاب "فولكنر". وكما لا يبعد أن تكون(c I a) "أغرت" –بشكل أو بآخر- النيجري" أن يذهب إلى دراسة اللغة العربية في اليمن، التي تعج –على ذمة ال (c I a)- بأنصار القاعدة كي يَسْهل تلفيق التهمة للنيجري "عمر فاروق"، وذلك لتقطع الطريق على الرئيس " باراك أوباما"، فلا يعود يفكر بإغلاق معتقل "غوانتنامو، فيندفع وراء أجندة سلفه "بوش" في التصعيد في الحرب على طالبان في أفغانستان التي تمثل عند واشنطن قمة الإرهاب الإسلامي.

إن إرسال "فولكنر" لاغتيال "أسامة بن لادن" هو جريمة يعاقب عليها القانون تماما كما يعاقب    كل من يحاول اغتيال الرئيس السابق "جورج بوش" أو أَي من أركان إدارته. فكلاهما اغتيال يقع خارج دائرة القانون الدولي. وإذا قيل إن "أسامة بن لادن" هو خارج على القانون الدولي ، فقد سجل لنا التاريخ أن "بوش" قد تجاوز كل حد في خروجه على القوانين والشرائع. 

المؤرخ المنصف سيدون في تاريخه أن "جورج بوش" أرسل جيوشه لاحتلال العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل. وقد صرح"جورج تينيت" رئيس ال (c I a) بأن إدارة بوش كانت  تعرف خلو العراق من تلك الأسلحة. ولن يتردد المؤرخ بعد أن يسجل اعتراف "تينيت"، بأن يشير بإصبعه إلى من هو مجرم الحرب، الذي ارتكب إبادة جماعية في العراق؟

إذا صَدَقَ حدْس الذين رفضوا دائما اتهام العرب التسعة عشر بتفجيرات 11سبتمبر، وعرف أن الذين نفذوا تلك الأحداث إنما كان ذلك لغاية في نفوس أفراد في إدارة الرئيس الأمريكي "جورج بوش"، ثم ليتهموا العرب بها عدوانا وظلما ليحققوا حلمهم بوضع أيديهم على خيرات العالم الإسلامي، عندها سيشار بالإصبع إلى الإرهابي الأول في العالم؟

يبقى أن نقول إن الإسلام كما يرفض ما تقوم به القاعدة من أعمال القتل والتدمير في العراق وغيره من البلدان الإسلامية -إن صح ما ينسب لها- لأنها تزهق أرواحا معصومة ولا تخدم قضية المسلمين. فإنه في الوقت نفسه يعتبر ما قامت به واشنطن من جرائم في العراق وفي أفغانستان هو قمة العدوان، وإن زعمت أنها جاءت لإعمار هذين البلدين. ويكفي أن نعرف أن زراعة الحشيش والأفيون في أفغانستان زادت أضعافا مضاعفة في عهد سيطرة المحتل الأمريكي عما كانت عليه في عهد "طالبان". وأن الاحتلال الأمريكي عاد بالعراق قرونا إلى ما قبل الحضارة من فظاعة ما أفسد فيه.

               

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.