يا عقلاء فتح.. أوقفوا هذا الجنون

طارق حميدة

يا عقلاء فتح.. أوقفوا هذا الجنون

طارق حميدة

tariq_hamida@hotmail.com

الطيراوي ينعى الشهيد البرغوثي

"المرحوم كان موقوفاً عندنا... اشتكى فحولناه إلى المستشفى .. وهناك فارق الحياة" هكذا، تقريبا،  تحدث اللواء الطيراوي عن الشهيد مجد البرغوثي الذي استشهد في أقبية التحقيق لدى مخابرات السلطة.

من يستمع لهذه الكلمات يظن لأول وهلة أن المتحدث يتكلم هو صديق أو قريب للشهيد كان الشهيد في ضيافته يسهر وإياه ، وفجأة بدأ يتوجع فقام المضيف من فوره بأخذه إلى المستشفى حيث وافاه الأجل المحتوم!!

وحيث إنني لم أكن شاهداً لتأكيد هذه الرواية أو دحضها، فلن أخوض فيها ولكن سأتحدث بما أعرف ، وفقط مما عايشه بعض أقاربي أعني أخويّ.

طُلب أخي الأصغر قبل مدة ليست بالبعيدة للمقابلة في جهاز الأمن الوقائي وقد أمروه بالوقوف على رجل واحدة رافعاً يديه إلى جانب حائط، وكلما أجابهم بغير ما يريدون كان المحقق يصفعه على وجهه صفعة شديدة فيرتطم رأسه بالجدار، وقد استمر هذا الوضع من قبيل الظهيرة حتى بعد المغرب، وحينما راجعناهم وتذمرنا من ضربه على رأسه كان الجواب: إذا كنا نضرب على الرأس فإنهم في غزة يقطعون الرؤوس!!.

أخي الآخر كنت وإياه قبل شهر تقريباً في مسيرة تضامنية ضد الحصار على غزة وفجأة افتقدته، حيث تبين فيما بعد أن أحد رجال المخابرات قد ربت على كتفه وطلب إليه أن يرافقهم بهدوء إلى سيارة قريبة ومن ثم اقتادوه إلى مبنى للمخابرات قرب بيت الرئيس في رام الله!

يقول أخي إن ثلاثة أشخاص قد  اجتمعوا على ضربه وتعذيبه بأيديهم وأرجلهم مع العصي والسياط على جميع أجزاء الجسد بما فيها المناطق الحساسة، حتى أغمي عليه ولم يفق إلا على ركلاتهم، وذلك طيلة الليل وحتى قبيل الفجر، وقد بلغ به الإعياء أن لم يعد يقوى على الوقوف وتشنجت إحدى قدميه مع ألم شديد أسفل بطنه وبين رجليه، وأصبح زملاؤه هم الذين يقيمونه، لقضاء حوائجه، ويتابع شقيقي إن رجال الأمن قد أنزلوه صبيحة اليوم الثالث إلى حيث منامات العساكر ليخفوه عن مندوبي الصليب الأحمر الذين كانوا في زيارة للمعتقلين، ومن ثم أخذوه إلى مركز طبي تابع للمؤسسة الأمنية حيث بادرهم" الطبيب" بالسؤال: عسكري أم معتقل؟ وعندما عرف أنه معتقل بدأ يوبخه ويتهمه بأنه يتظاهر بالألم، ثم فحصه فحصا سريعاً كنوع من رفع العتب ولما كشف عن أسفل بطنه قال لمرافقيه من رجال المخابرات: "معه تضخم في البروستات.. وهذا قبل اعتقاله، وسأكتب لكم تقريراً يخلي مسؤوليتكم"، وتابع: "يحتاج أسبوعين حتى يشفى" ، وهي (كلمة السر) التي تعني لا تطلقوا سراحه قبل أن يتعافى، وهو السلوك الذي يمارس مع معتقلي حماس حيث يجري التعذيب غالباً في الأيام الأولى ثم يبقونهم رهن الحجز في الأيام حتى تزول آثار  التعذيب.

هاتان القصتان لا تمثلان سوى عينة أقل من عادية لأشخاص ليس عليهم تهمة من مثل الانتماء للقسام أو حيازة سلاح، أو كما يحلو لهم  تسميتها: الانتماء للتنفيذية. وقد استمعت للعديد من القصص التي تشيب لهولها الولدان ومنهم من لا يزال وأهله خائفين من التحدث عنها وبالذات للمؤسسات الحقوقية، فيما تتغاضى أغلب وسائل الإعلام ومعها أعضاء التشريعي حتى من اليسار فضلاً عن أبناء فتح، الذين وصلتهم شكاوى عن تعذيب شديد ومحاولات تلفيق اتهامات خطيرة!!.

ولعل الاستماع إلى شهادات شباب قرية كوبر – بلد الشيخ الشهيد مجد البرغوثي- الذين اعتقلوا في نفس الفترة عما لاقوا أو شاهدوا سيؤكد واقع المعاناة في معتقلات الضفة الغربية.

انتقاما لهولوكوست غزة!!

قال محدثي الذي كان معتقلاً لدى أحد الأجهزة الأمنية في الضفة: بينما كنت في غرفة التحقيق ومعي أحد الضباط إذ دخل علينا ضابط آخر وهو يسب الدين والرب وغيرها من الشتائم، فأبديت امتعاضي واستغفرت الله، فقال الضابط : لا تؤاخذه يا شيخ ، لأنه كان طول الليل يشاهد فيلم قتل سميح المدهون"!!.

أهم تبرير لا يمل رجال الأمن من تكريره لما يتعرض معتقلو حماس له، هو ما جرى في غزة، بحسب الرواية الفتحاوية، وقصة المدهون هي العنوان الأبرز في ذلك، وقد يضاف إليها القول بأن هذه الممارسات من أجل الضغط على حماس كي تتراجع عن "انقلابها" ، أو أنها خشية إقدام حماس في الضفة على انقلاب شبيه بانقلاب غزة.

ولعل القصة السابقة تكشف المدى الذي يتجه إليه فريق الرئيس عباس في مواجهة حماس، حتى إن البعض فقدوا عقولهم وتجرأوا على الذات الإلهية فضلاً عن العدوان المتواصل، بل وحرب الاستئصال لكل ما يمت لحماس بصلة، وعدم الاستعداد لسماع صوت العقل والمنطق والمصلحة الوطنية، علماً بأن لحماس روايتها لأحداث غزة، والتي يؤيدها معها الكثيرون في فلسطين وخارجها، وإن كنا لا ندعي العصمة لأحد.

الموظفون المفصولون

بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وقبيل تسلمها للحكومة، أغرقت حركة فتح مؤسسات السلطة ببضعة عشر ألفاً من الموظفين، وقد تقبلت حماس الأمر وإن على مضض، ولم تجعل من الأمر مشكلة لا حينما انفردت بالحكومة ولا في حكومة الوحدة الوطنية.

لكن الغريب أنه بعد أحداث القطاع سارع الرئيس عباس بإلغاء مراسيمه الرئاسية التي تضمنت قرارات توظيف عدد من مقربي حماس في دوائر السلطة المختلفة، بل وتوقيف رواتب وزراء ونواب، وفيما بعد وقف رواتب الآلاف من موظفي السلطة وأكثرهم في القطاع، ومن ثم بدأت القائمة تتضمن أسماء من الضفة الغربية والتركيز على (أئمة المساجد)، وحين راجع بعضهم كان الجواب: لأنهم لايعترفون بالحكومة الشرعية، أي حكومة فياض.

إن الضيق بالمخالف إلى هذا الحد يشير إلى الضعف والأزمة أكثر مما يعبر عن القوة، والشرعية التي تستجدي الاعتراف وتستخدم الإكراه والضغط هي شرعية مهزوزة وتذكرنا بشرعية الاحتلال، ثم إن من يتصرف بهذه الطريقة مع المخالفين فإنه يسن سنة سيئة ويقرر سابقة في التعامل، يمكن أن يصبح هو أحد ضحاياها إذا تغيرت الأمور.

وأما استهداف أئمة المساجد فيذكرنا أولاً بالتصفيات والاغتيالات التي طالات أئمة وقضاة وأساتذة شريعة، والتي ساهمت في تأزيم الأوضاع في القطاع، ويذكرنا بالاعتقالات التي تتكرر الآن ضدهم وانتهت إحدى قصصها باستشهاد الشيخ البرغوثي، والتي يرى فيها مراقبون أن المستهدف فيها هو الدين ذاته وأن الأيدي الصهيونية والأمريكية غير بعيدة عن الموضوع.

هل يجوز أن آكل من ماله ؟؟

قال الشيخ : لحق بي رجل عجوز بعدما أنهيت صلاتي في المسجد الكبير بالمدينة، وسألني: يا شيخ ... أريد أن أسألك سؤالاً شرعياً... لي ولد يعمل في جهاز(....)، وهو يتحدث في البيت عما يقومون به من تحقيق ومتابعة وبالذات للمتدينين، وقد سافر في دورات تدريبية لعدد من الدول العربية والأجنبية، وكل عملهم هو التجسس على أبناء شعبنا والتحقيق معهم خدمة للاحتلال الصهيوني والأمريكان، وأنا لا أرى فرقاً بين ما يفعلونه وما يمارسه العملاء، فهل يجوز لي أن آكل من ماله؟؟ ثم إن أحد زملائه قد تقدم لطلب ابنتي فهل يحل تزويجها له؟؟

قال الشيخ: لقد صعقت حتى لم أحر جواباً، غير أني تداركت الموقف ووجهت كلامي للعجوز  الذي كان متلهفاً لسماع الجواب: يا حاج ... مثلك لا يحتاج إلى شيخ يفتيه، ثم صافحته ومضيت.

منذ مدة يلاحظ أئمة المساجد وأهل العلم الشرعي نوعاً جديداً من أسئلة الجمهور الفلسطيني، وأكثرها تنم عن ورع شديد، من مثل السؤال عن العمل في المؤسسات الأجنبية، والسؤل عن جواز مصاهرة العاملين في البنوك وشركات التأمين، لكن هذا النوع من الأسئلة، كما يقول غير واحد من "المشايخ"  قد تكرر مراراً في الشهور الأخيرة، حتى من النساء والأبناء، وخطورته أنه يعزل هذه الفئة عن مجتمعها ويجعلها في خانة العملاء والخونة، بل ويجعلها في دائرة التهديد.

لقد تحدث كاتب هذه السطور غير مرة على المنابر ووجه رسائل إلى المعنيين أنهم يغامرون ويقامرون بسمعتهم ووطنيتهم، وأنهم يذهبون بعيداً في التعاون مع الأعداء، وأن هذه الطريق لا تحرر وطنا ولا تقيم دولة، وأضيف أنهم يقامرون حتى بمستقبل أبنائهم وهم يورثونهم السمعة السيئة، ويلصقون بهم أنهم أبناء عملاء، فهل يدركون خطورة الذي يفعلون ؟ وهل لديهم الاستعداد للإفاقة من الجنون، والتوقف عن التمادي في الغواية؟؟ وأين عقلاء فتح وشرفاؤها ليوقفوا هذه المهازل؟؟