حول مستقبل واعد

د.عبد الغني حمدو

لهذه الأمة التي طغى عليها الدمار

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

في العلاقة القائمة بين الشعوب العربية والحكام , توجد فجوة كبيرة تتسع يوما بعد يوم , فلا الحكام قادرون على التقرب من شعوبهم , ولا الشعب قادر على تضييق تلك الفجوة .

هذه الفجوة الكبيرة جعلت من الطرفين عدوين لدودين , تكاد لاتختلف عن بعضها في كل الدول العربية ,

فمن هو المسؤول عن ذلك التدهور الفظيع , وعن عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين؟

لابد من تحليل منطقي وعلمي للواقع , وبعدها يمكن الإجابة على السؤال أعلاه , منطلقا من حقوق الطرفين , والمطلوب من كل طرف من طرفي الصراع حقه تجاه نفسه وحق الآخر تجاهه , في قالب بسيط بشكله جوهري في داخله .

تتفاوت الدول العربية فيما بينها بوصف تلك العلاقة , مع أن ذلك التفاوت لايمتلك قيمة عينية أو مادية أو سياسية ذات مغذى واسع

تحتل سورية وليبيه وتونس المرتبة الأولى في الوطن العربي , من حيث قمع الرأي والفساد بجميع أنواعه .

فلو أخذنا النموذج الحي للصراع بين النظام السوري بعهديه القديم والحديث , في ظل البعث ,والذي جعل من البلاد نسخة مستمرة بصورة واحدة منذ استلام البعث وحتى الآن , والذي وصل للحكم بانقلاب عسكري سنة 1963 وما زال مستمرا بنفس النسخة التي استولت على الحكم

شعار حزب البعث :

أمة عربية واحدة

أهدافه :

وحدة......... حرية ...........إشتراكية

فلو اعتبرنا أن هذه الأهداف وهذه الشعارات هي ركائز لبرنامج حكومي قدمت للبرملان وتمت المصادقة عليه , فعلى الحكومة أن تنفذ برنامجها والذي تشكلت لأجله , في مدة محددة يضمنها دستور البلاد .

ولقد مضى على تلك الشعارات والأهداف 47 سنة ولم ينفذ منها شيئا , ماعدا بعض االقواعد المتبعة عند النظام السوري , والخاصة بالأمة العربية ,والتي من الممكن أن نشيد فيها وتتميز عن غيرها من البلاد العربية , وأهم تلك الصفات أن النظام السوري عرّب التعليم الجامعي ,والعربي الدارس في سورية يعامل معاملة السوري , بالتعليم المجاني ولا يوجد منع على أي مواطن عربي من أي دولة عربية في زيارة القطر السوري بدون تأشيرة

يمكن القول في التعبير عن ذلك الوضع بأن حزب البعث الحاكم في سورية توافق شعاره مع الواقع في قسم منها وهو من الأمور الحسنة لذلك النظام

الأهداف

الوحدة والحرية والإشتراكية

لم يسعى النظام لتحقيق الوحدة مع أي دولة عربية , والإشتراكية نفذت على مستوى الإصلاح الزراعي وتفتيت الملكيات , مع اعتراف الإشتراكيين أنفسهم , أن قانون الإصلاح الزراعي من أغبى قوانين الإشتراكية

أما عن الحرية , تصنف سورية عالميا أنها تحتل المرتبة الثانية عالميا في قمع الحريات بعد كوريه الشماليه

وبسبب هذا القمع والإبقاء على مكانة النظام كان يتحتم عليه تحويل معظم موارد الدولة لصالح الجيش والأمن ورجالاته والعوائل القريبة منه . وترك الحرية المطلقة لتلك العناصر في سرقة أموال الدولة والشعب والقطاع العام والخاص. والذي انعكس على معدل دخل الفرد وغياب فرص العمل , وهبوط الليرة السورية مقابل الدولار بيوم واحد من 3.5 إلى مايزيد عن الخمسين سنة 1983 ,والتوجه نحو الحكم الفردي المطلق المغلف بالطائفية , والتصفية الجسدية المستمرة ,وإقصاء الكوادر العلمية والعسكرية , وكانت النتيجة

التخلف, وطغي الفساد على كل مجال ,والهزائم العسكرية وضعف القدرة العسكرية, وباختصار التدهور الشامل لكل قطاعات ومعالم الحياة في سورية .

بسيطرة الأحكام العرفية , والقوانين الملحقة فيه , والمحاكم العسكرية للمدنيين , والقتل على الإنتماء دستوريا , واستئصال كل من يفكر بالمعارضة أو ينتقد الحاكم , أو يطالب بحقوقه

وسقط الآلاف من الأبرياء ,جراء تلك السياسة المستبدة ولا يوجد محاسب أو رقيب لتصرفات الأمن , والنظام وحوله فوق القانون , ليكون القانون بمثابة سرج يوضع فوق حمار ليركبوا عليه

هذه الأساليب القمعية والإنتقائية والركوب فوق القانون , حولت الشعب السوري لشعب مريض متهاون خائف حائر , مما حرى بعلمائه ومفكريه ومثقفيه أن تكون وجهتهم

المداهنة , أو السجن والقبر, أو الهروب لبلاد أجنبيه , وانعدمت المعارضة في الداخل , وأصبح معظم رجالات المعارضة إما في السجون , أو مشردين في شتى بقاع الأرض ذات كيانات متعددة ومشرزمة , مع أنه يجمعها هدف واحد هو مصلحة الوطن والتغيير السلمي نحو الحرية المنشوده

الأنظمة العربية تلوم شعوبها وتعاديها وتبطش بها , مع أن تلك الشعوب لها حقوق أيضا , وهذه الحقوق لايمكن تحقيقها مالم يكن الحاكم مخلصا لشعبه , عادلا بين رعيته ومحبا وساهرا على راحته .

في اجتماع القيادة القطرية سنة 2005 تحدث الرئيس السوري عن تشكيل الأحزاب والحرية والديمقراطية والإصلاح القادم , ووضع خطا أحمرا على الأحزاب القومية والدينية , مع أن المفهوم الديمقراطي لايتعارض مع تلك الأحزاب , والمطبق في الدول الديمقراطية

لأن هذه الخطوط الحمراء , يكون القصد منها منع تشكيل أي حزب , ومن السهل منع ذلك بإلباس الحزب الجديد لباس المنع .

في مقابل ذلك , المواطن والشعب له حقوق وهذه الحقوق تبدأ أولا وقبل كل شيء هو أنه لاأحد فوق القانون , ويتعلق الأمر هذا بإلغاء الأحكام العرفية وقانون الطواريء والقوانين الملحقة فيه .

هنا تكون الحصيلة

الحرية للمواطن في العمل والنمو والتطور , وانحلال عقدة الخوف , والأمن لحماية الجميع , والقانون وضع لتنظيم الحياة الإجتماعية وكافة متعلقاتها ,فلو انتمى لحزب أو طرح فكرا معينا ,شذوذ الفكر عن المألوف يندثر ليعلو فوقه فكر نافع تستطيع الأمة أو المجتمع التمييز بين الغث والسمين

لقد كبرت الهوة بين الطرفين وزادت اتساعا وعمقا , وظهرت بوادر التمرد وعدم الثقة في بعض الدول العربية , وما الحراك الذي نشهده بمصر الآن إلا بداية للشرارة التي ستطيح برؤوس كثيرة ليحل محلها رؤوس جديدة تنقذ الأمة وتنقذ البقايا التي لم تدمر بعد ليعاد بناؤها بمستقبل جديد بعون الله

وعلى الأنظمة الحاكمة إن كانت تملك ذرة من ضمير , عليها أن تعيد النظر فيما اقترفت أياديهم بحق شعوبهم والعمل على إصلاح الأمر قبل فوات الأوان , حتى لايكون هناك انفجار للبراكين والتي لاتبقي ولا تذر.